الجيش والأمن والمعضلة السورية في المرحلة القادمة

 

المعروف أنَّ دول العالم الثالث (ونحن منه) لا يُحكم من قبل رئيس مُنتخب، أو رئيس وزراء فازَ حزبه بالأغلبية في انتخابات حُرَّة ونزيهة، كما هو الحال في الدول الديمقراطية التي تحترم إرادةَ شعوبها، وحتى أكون مُنصفاً لابد من الإشارة إلى التفاوت الواضح بين دول العالم الثالث في هذا السوء، ففي الحالة السورية مثلا فإن الحاكم الحقيقي هو الأمن والجيش، فالأمن هو الذي يتولَّى مُتابعة إحصاء أنفاس الناس وحركاتهم، كما يتولى مُتابعة شؤون الوزارات المُختلفة، فكل قطاعات الدولة لا مَناص من أن تَدين بالولاء للأمن وفروعه ورجاله مهما علت رُتبهم ومهامهم، وأما الجيش فليست مهمته حِماية الأوطان والزود عن حياضه، وإنما مُهمَّته الوحيدة حفظ النظام من شعبه، عدوه الأول،  لذلك فالجيش هو الحامي والحارس الأول والأخير لبقاء النظام واستمراره، والانتخابات "إن وجدت" مُزوَّرة ومفصلة على مقاس الزعيم الأوحد، وبتدبير من الأجهزة الأمنية المعنية.

لقد حَقَّق النظام السوري خلال الخمسين سنة المنصرمة أسوأ نموذج عرفته الدول الاستبدادية المعاصرة، من خلال تخطيط طائفي ممنهج لصالح أقليَّة نصيرية لا تتعدَّى نسبتها 10% من مَجموع السكان، في مُقابل تهميش واستبعاد الأكثريَّة واستخدام الأجهزة الأمنية "17 جهازاً" لتحقيق ذلك وفقَ الخطَّة المرسومة، وقد بدأ تنفيذ المخطط الطائفي من بداية تولي المقبور حافظ الأسد وزارة الدفاع عام 1979م،وبعد أن تولَّى الرئاسة على النحو التالي:

1- صدور عشرات القوائم المتتالية بتسريح مئات الرتب العالية من الضباط  السُنَّة من قيادات الجيش وإحالتهم إلى التقاعد لأسباب مُختلفة.

2- إحالة مئات أخرى من الضباط السُّنَّة ذوي الرتب العالية من مَنَاصب ميدانيَّة إلى مناصب إداريَّة وغير تعبوية.

3- وضع الضباط السنة الباقين تحت مُراقبة أمنية مُشدَّدة، لمتابعة اتصالاتهم وعلاقاتهم، وأحاديثهم.

4- تأسيس سبعة عشر فرعاً للأمن والاستخبارات والمباحث لحفظ أمن النظام بقيادات نصيريَّة، وغالبية عناصرها من أبناء الطائفة. 

5- تسليم اقتصاد الدولة إلى أبناء قرابته والمتنفذين من أبناء الطائفة من خلال الشركات الخدمية الكبرى، والتجارة الداخليَّة والخارجيَّة، والاستيلاء على سوق العقارات في المناطق الهامَّة في سوريا، إضافة إلى قطاع الصناعة والزراعة الحيويَّة.

6- التأسيس للاستيلاء على قطاع التعليم العالي حين أسند المقبور حافظ البعثات الخارجية بعد تسلمه الرئاسة إلى أخيه المجرم رفعت الأسد، وأصبح حق الابتعاث حكراً على أبناء الطائفة فحسب لكل من حصل على درجة النجاح في  الثانوية العامة، في حين تم حرمان الآخرين من ذلك مهما كانت مُعدَّلاتهم، وقد رجع هؤلاء المبتعثون بمؤهلات عالية ومن ثم تسلَّموا العمل والقيادات في الجامعات والمؤسسات التعليمية العليا. 

7- احتكار الوظائف الصغيرة لأبناء الطائفة في كل القطاعات مهما كان شأنها، فهم أولى بها عند الاختيار أو المسابقات. حتى أصبح وجود أبناء الطائفة النصيريَّة في كل قطاعات الدولة المختلفة كالأخطبوط يطال كل صغيرة وكبيرة في كل قطاعات الدولة.

نعم هذا هو واقع الحال في سوريا المُغتصبة إنه احتلال طائفي، واختطاف للدولة، واستيلاء على مُقدَّراتها وثرواتها منذ ما يقرب من خمسين سنة، استيلاء على الجيش، والسلاح، والأمن، والمال، والبترول، والإدارات، والوظائف.

وإن شأن المال والإدارات والوظائف أمر يسير(مع خطورته) أمام قضية كبرى هي الجيش والسلاح والأمن، لذلك لن يستتب الوضع  في سوريا، ولن تعودَ البلد لأهلها إلا بعد إعادة ترتيب الجيش والأمن، وتخليصه من أيدي النصيريين المُغتصبين، وأي حلول أخرى ستبقينا ندور في حلقة مُفرغة، والله المستعان.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين