التناول العنصري للنازحين السوريّين والفلسطينيّين.. هل هو في مصلحة لبنان؟


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
بسام غنوم
 
بدأت أزمة النازحين السوريين والفلسطينيين من سوريا تعكس نفسها بقوة على الساحة اللبنانية من منطلقات عدة، لعل أبرزها إضافة الى البعد الانساني المتعلق بهؤلاء النازحين، الأبعاد السياسية لهذه الأزمة التي عبّر عنها في الجلسة ما قبل الأخيرة لمجلس الوزراء كل من الوزيرين علي قانصو، والوزير جبران باسيل، حيث طالبا علناً بإغلاق الحدود في وجه النازحين السوريين والفلسطينيين لأسباب سياسية وأمنية وعنصرية.
 
ورغم أن مجلس الوزراء لم يوافق على طلب الوزيرين قانصو وباسيل، إلا أن الحملة استمرت على النازحين السوريين والفلسطينيين بقسوة وعنصرية بغيضة من قبل العماد عون الذي وصف الثورة السورية بـ«ثورة التكفيريين»، وبوتيرة متصاعدة من قبل الوزير جبران باسيل الذي خص النازحين الفلسطينيين من مخيم اليرموك بعبارات ومواقف عنصرية بغيضة فقال: «لماذا لا يأتون إلا إلى لبنان؟ لقد عشنا التجربة مع الفلسطينيين وما زلنا حتى اليوم نقول حق العودة، وقد اصبحوا مواطنين بواقع الأمر»، وهو ما دفع وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور الى القول رداً على باسيل: «نعرف الحساسيات اللبنانية والكوابيس التاريخية لدى البعض في لبنان من موضوع النازحين الفلسطينيين» وأضاف: «من غير المقبول ممارسة هذه العنصرية البغيضة بحق هذا الشعب».
 
هذا السجال اللبناني - اللبناني حول موضوع النازحين السوريين والفلسطينيين من سوريا، ولا سيما بعد قصف الطيران السوري لمخيم اليرموك أخذ أبعاداً سياسية أخرى مع دخول السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي على خط الأزمة عبر توجيه رسالة الى الحكومة اللبنانية عبر وزير الخارجية عدنان منصور يتهم فيها وزارة الشؤون الاجتماعية بتخصيص المساعدات للمجموعات «التكفيرية» القادمة من سورية الى لبنان، وبالضغط على النازحين للجوء الى هذه المجموعات للحصول على التقديمات من صحية وغذائية.
 
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل إثارة موضوع النازحين السوريين والفلسطينيين لبناني - داخلي، أم هو مرتبط بتوجيهات النظام السوري؟
 
ببساطة، يمكن القول إن موضوع النازحين السوريين والفلسطينيين في لبنان له وجهان: داخلي وخارجي.
 
من الناحية الداخلية، تنقسم الحملة على النزوح السوري والفلسطيني الى لبنان الى قسمين، أو بالأحرى الى خلفيتين:
الخلفية الأولى سياسية، وهذه عبّر عنها الوزيران علي قانصو وعدنان منصور اللذان اعتبرا وجود هذا العدد الكبير من النازحين في لبنان يشكل اضافة الى العبء الاقتصادي تهديداً للأمن والاستقرار في لبنان، لأنه بحسب الوزير عدنان منصور تبعث الجماعات المعادية للنظام السوري بأهاليها الى لبنان لحمايتهم فيما تقوم بحربها على النظام السوري. ومن وجهة نظر الوزير عدنان منصور يشكل هذا الأمر خطراً على لبنان.
 
ويتفق مع هذه النظرة السياسية الأمنية سائر فريق 8 آذار، وإن كان بعضهم لأسباب سياسية وطائفية يحذر من إعلان هذه المواقف من موضوع النازحين السوريين والفلسطينيين.
 
أما الخلفية الثانية للاعتراض على النزوح السوري والفلسطيني الى لبنان، فهي طائفية - سياسية، ويعبر عنها بوضوح العماد عون ويتولاها الوزير جبران باسيل الذي رد على الحملات التي استهدفته بسبب مواقفه العنصرية من النازحين السوريين والفلسطينيين بالقول إن كلامه «وطني ونفتخر به وليس عنصرياً» واستغرب الاستنكار الذي لاقاه كلامه، وقال في مؤتمر صحافي: «في قضية النازحين السوريين والفلسطينيين الى لبنان، عندما يفضل بلد شعباً أجنبياً على شعبه، ويتهم بالعنصرية إذا فضل شعبه، فهذه آخر الدنيا».
 
ويكشف اصرار الوزير باسيل على مواقفه العنصرية من النزوح السوري والفلسطيني الى لبنان الذي لاقاه فيه النائب سامي الجميّل عن تنافس مسيحي - مسيحي على إثارة النعرات العنصرية والطائفية تحت عنوان حماية التوازن الطائفي في لبنان، والذي يبدو للأسف الشديد أنه مرتبط ايضاً بالتنافس المسيحي - المسيحي في الانتخابات النيابية القادمة، حيث يجري استغلال موضوع النازحين السوريين والفلسطينيين من قبل هؤلاء السياسيين لاظهار أنفسهم أمام المسيحيين في لبنان انهم المدافعين عنهم وعن وجودهم في لبنان والمنطقة.
 
أما من الناحية الخارجية، فيبدو ان النظام السوري بدأ يشعر بالقلق من تزايد اعداد النازحين خارج سوريا، ولا سيما في ظل الاهتمام الدولي بهم من قبل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، ولذلك بدأ يتحرك على أكثر من صعيد في هذا الاتجاه من أجل التضييق أولاً على هؤلاء النازحين في أماكن نزوحهم وثانياً من أجل استغلالهم سياسياً عبر اتهامهم بالإرهاب.
 
وتكشف رسالة السفير السوري في لبنان الذي وجهها الى الحكومة اللبنانية بصورة رسمية عبر وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور، التي يتهم فيها وزارة الشؤون الاجتماعية بتخصيص المساعدات للمجموعات «التكفيرية» القادمة من سورية. هذا التوجه الرسمي للنظام السوري، الذي بعدما بدأ يعاني من جراء تقدم الثوار في مختلف المحافظات السورية ولا سيما في مدينتي حلب ودمشق، يعني أنه عازم على تصدير أزماته الى خارج سورية، ولا سيما الى لبنان بعدما فشل في ذلك في كل من تركيا والأردن.
 
ولذلك بدأ النظام السوري بالتنسيق مع حلفائه في لبنان بإثارة موضوع النازحين السوريين والفلسطينيين من باب المخاطر الأمنية والطائفية، وهو ما قد يفتح الباب لاحقاً خصوصاً مع اقتراب معركة دمشق الفاصلة بين الثوار والنظام السوري على تطورات أمنية كبيرة وخطيرة في الساحة اللبنانية قد تكون «القشة التي تقصم ظهر البعير» لأن المجتمع الدولي متنبه وحذر جداً تجاه تحركات النظام السوري وخصوصاً في لبنان.
 
تبقى نقطة أخيرة، وهي دور العقلاء في لبنان والحكومة اللبنانية في منع النظام السوري من جر لبنان الى الحريق السوري لحظة أو عشية سقوط النظام، وهذه المسؤولية يتحملها الجميع في لبنان. ولعل في مبادرة الرئيس نبيه بري الى جمع فريقي 8 و14 آذار في الحوار حول القانون الانتخابي، والدور الذي يقوم به النائب وليد جنبلاط بالتعاون مع الرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي في الدعوة الى الحوار تأثيراً في حماية الوضع اللبناني من المخاطر التي تهدده. فهل تنجح هذه المبادرات الانقاذية في حماية لبنان.
المصدر: مجلة الأمان

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين