التصور الإسلامي للإنسان أساس لفلسفة الإسلام التربوية-2-

 

نظرية أصالة الشر:

وأما النظرة التي تقول بأصالة الشر في النفس الإنسانية فإن الإشكالات عليها أعظم وانفصالها عنها أعسر إن لم نقل إنه مستحيل.

ما معنى أن نقول: إن الإنسان في أصله شرير؟

إما أن نقول: إن للنفس الإنسانية تركيباً معيناً، وأن الشر هو مادة هذا التركيب ولحمته وسداه.

ولكن يلزم عن هذا أن يرتاح الإنسان نفسياً حين يفعل الشر ويشقى حين يفعل الخير لأن الراحة النفسية إنما هي أن تكون أقوال الإنسان وأفعاله مناسبة لطبيعته.

أو نقول: إن معناه أن الإنسان يولد حين يولد والشر لاصق بنفسه لصوق الدرن بجسم الإنسان وأنه إن ترك من غير تهذيب بقي هذا الدرن في نفسه وازداد. ولكن إذا تعهدناه وتعهد نفسه بالتربية والتزكية، انجلى عن نفسه هذا الشر الذي صاحبها منذ ميلادها.

ولكن هذا المعنى يفترض أن الإنسان في أصله خير، وأن الشر أمر طارئ عليه ولاصق بنفسه من الخارج، وكل الذي يقوله إن هذا الشر لا يطرأ على النفس بعد الميلاد ولكن قبله وهو قول لا داعي له ولا دليل عليه.

لا داعي له: لأن الفرض الأقرب أن نقول إن الأمر الطارئ يحدث بعد الميلاد، فكما أن العلل الجسمية تحدث في الغالب الأعم بعد خروج الإنسان إلى الحياة. فكذلك العلل النفسية.

ولا دليل عليه: لأنه لو كان الإنسان يولد والشر لاصق به لكانت أيام الصبا من أشقى أيام الإنسان وأتعسها وأكثرها أمراضا نفسية، ولكن الواقع غير ذلك.

والقول بأصالة الشر هو قول المسيحية التي تعتقد أن كل إنسان يولد وارثاً لخطيئة آدم.

ولكن هذه العقيدة المسيحية شأن كثير من العقائد المسيحية الأخرى أخذت أشكالاً غير دينية وتزيَّت بزيِّ العلم والأدب والفن، فصارت أكثر خطراً على المسلمين. فأنت تجدها في صورة نظرية فرويد التي ترى أن الجنس هو الدافع الرئيسي لكل أفعال الإنسان بما في ذلك حبه لوالديه وعبادته لربه.

وصورة نظرية ماركس التي ترى أن البحث عن الطعام هو الذي يسير تاريخ الإنسان عن طريق تحسين وسائل الإنتاج وصورة القصص والشعر والفن الذي يجعل الإنسان الشرير هو الإنسان الطبيعي والإنسان الخير إنسان منافق غير ما يبطن أو متكلف يحاول السير ضد تيار طبيعته.

نظرية أصالة الخير:

1- نخلص من كل هذا إلى أن الرأي الصواب هو الرأي الثالث القائل بأن الإنسان ذو فطرة خيرة، وأن الشر أمر طارئ عليه ومجاف لفطرته. 

هذا هو الرأي الموافق للواقع الذي نعرفه، والمؤدي إلى نتائج مقبولة، وهو الأمر الذي يقول به الدين الحق كما سنبين بعد.

أن يولد الإنسان خيِّراً هو الأمر الذي تقتضيه رحمة الله تعالى وفضله وحكمته. 

تقتضيه رحمته لأن الرحمن هو الذي يعطي الخير ابتداءً كرماً منه وفضلاً ثم يجازي على الإحسان. فبفضل الله ورحمته خلق الإنسان في أحسن تقويم، وخلق له كل ما يناسب طبيعته، ويفي بحاجاته من أرض وسماء وليل ونهار وأنهار وحيوان ونبات.

إن الذي خلق الجسم الإنساني حين خلقه سوياً معتدلاً وخلق له كل ما يناسبه من غذاء وكساء وهواء وضياء، لحريٌّ بأن يخلق النفس البشرية سوية، ويسهل لها كل ما يناسب استواءها الفطري هذا ويكمله من آيات كونية وحجج عقلية وهداية سماوية.

وهو الأمر الذي يناسب حكمته لأن الحكيم لا يصنع شيئاً لغاية ما ثم يجعل طبعه غير ملائم لتلك الغاية أو غير مهيأ لبلوغها. 

والله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ليعبده: [وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ] {الذاريات:56} فكيف يخلق له نفساً شريرة لا تناسبها العبادة، أو نفساً محايدة بين الخير والشر لا يضيرها أطريق عبادته سلكت، أو سلكت طريق التمرد عليه!! كلا. من حكمة الله تعالى في خلقه كله أن يخلقه سوياً وأن يهدي كل مخلوق إلى ما قدر له أن يخلقه [الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى] {الأعلى:2-3}.

انظر الحلقة الأولى هـــــنا 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين