اكسروا قرن الشيطان

 

     دعونا نبتعد قليلا عن الأسباب والتحليلات للأزمة الناشبة بين قطر وبعض الدول العربية، ولنتوقف برهة أمام المستفيد من كل ما جرى ويجري في الكواليس.

 

لا ريب أن المستفيدين في المجمل هم أعداء الأمة، أما بالتفصيل والتحديد، فالمستفيد الأول هو المحور الإيراني الذي سنحت له فرصة التوغل في مفاصل الأمة منذ سنوات، في ظل غياب تام لمحور فاعل يتصدى له ولأذرعه الناشطة في الوسط العربي.

 

    لقد انفتحت لنا كوة أمل بعد أن رأينا تقاربا يكاد يشكل محورا مضادا تقوده السعودية وتركيا وقطر، وكاد لهذا المحور أن يرى النور في ظل رؤية متقاربة على الأقل في مستوى الأزمة السورية، ولكن الأعداء والحساد والمنافقين - وما أكثرهم - ما زالوا ينفثون سمومهم، وينفخون في الرماد حتى تمكنوا من إشعال فتيل الفتنة، وها هم أولاء يفحِّون صباح مساء مستخدمين كل أبواقهم وأزلامهم وصبيانهم لإذكاء النار وتوسيع مداها.

 

    وبعيدا عن شماعة المؤامرة التي اعتدنا نحن العرب والمسلمين أن نعلق عليها كل مشكلاتنا وأخطائنا ومآسينا -وإن كنا واثقين تمام الثقة أن للدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية مصلحة عظيمة في عدم حصول أي تقارب بين الدول الفاعلة في المنطقة- فإن دولا إقليمية أيضا لم يرقْ لها ذلك الائتلاف، حتى في صورته الهزيلة بين المحور المذكور. ولا يستبعد أن يكون لها دور تخريبي مارسته بجهد شخصي، أو بأوامر خارجية لإفشاله من ناحية، وتعكير صفو دوله من ناحية أخرى.

 

        إن المنطقة العربية تمر اليوم بمنعطف يعد من أخطر المنعطفات التي مرت بها منذ عشرات السنين، فمن جانب تعاني دول منها حروبا دامية، وقلاقل سياسية خانقة، بينما تضغط الأزمات الاقتصادية جراء استمرار انخفاض النفط على أهم هذه الدول من جانب آخر. وفي حين تضغط هذه الأزمات بقوة على صانعي السياسة في العالم العربي، نجد على الطرف الآخر تماسيح عالمية فاغرة أفواهها تتحين الفرص المواتية للانقضاض على المنطقة ودولها واحدة تلو الأخرى. إن هناك مخططا لاستنزاف مقدّرات هذه الكيانات العربية، بدأ تنفيذ هذا المخطط باستغلال ثورات الربيع العربي، وتوجيهها نحو الإفناء الذاتي، ولن ينتهي قطعا بزرع بذور الفتنة العمياء بين الدول التي تتمتع بنوع من الأمان النسبي حتى الآن.

 

        إن آمال الوحدة العربية الشاملة تبددت منذ زمن، وقد جاء التدخل الإيراني والروسي في الأزمة السورية وغيرها من الدول العربية ليدق الإسفين الأخير في نعش هذا الحلم الذي راودنا برهة غير قصيرة من الزمن، ومن ثم اتجهت آمال معظم العرب إلى التشكيلات المناطقية كمجلس التعاون الخليجي الذي أثبت وجوده بقوة في ظل غياب تام للجامعة العربية، وشلل كامل لمقرراتها. ومن هنا فإن بروز هذا التكتل بديلا عن الجامعة أزعج الكثيرين عربا وغير عرب، فأخذوا يخططون للإطاحة به، وتمزيق لحمته، وتفتييت مكوناته، وتشتتيت قراراته. وقد ظهرت بعض نتائج هذه المحاولات في تغريدٍ عُماني بعيدا عن السرب الخليجي، ولن يقنع دعاة الفتنة بهذه البذرة فحسب، بل إن آمالهم تتمدد لما هو أوسع وأثمن وأكبر.  

 

      إن الشيطان ليس بعيدا عنا، بل هو يجري في عروقنا مجرى الدم، وإن لم نتنبه له، ونفشل مساعيه، ونكتم أنفاسه، فلن تستقر منطقتنا، ولن نحس بالأمان، ولن نحلم بالتواصل، بله التقارب، أو التعاون، أو الاتحاد.

 

      إن أملنا بالله أولا، ثم بحكمة القادة ووعيهم لما يحوكه الوشاة، ويتربص به المتربصون، وتوسوس به الشياطين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين