اختطاف الآباء المسيحيين ليس باسم الإسلام ، ولا باسم المسلمين ، ولا باسم المشروع الإسلامي

 كائنا من كان قد اختطف الآباء المسيحيين ، أو اختطف أي إعلامي أو صحفي أو ناشط وناشطة على الأرض السورية ؛ يقتضينا المقام أن نوضح بلغة واضحة لا لبس فيها ، أن الخطف للمدنيين والمسالمين وحملة رسالة السلام والحب والكلمة والحقيقة لا يمكن أن يحسب في حال لا على الإسلام ولا على المسلمين ولا أصحاب المشروع الإسلامي من الصادقين والجادين .

ليس باسم الإسلام فقد أرسى الإسلام منذ ألف وخمسمائة عام قواعد أساسية لقانون الحرب قبل أن يعرف العالم أن للحرب قانونا يجب أن يحترم ويصان ، وكان مما جاء فيه عن رجال الدين ( وستجدون رجالا قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له ) ..

وليس باسم المسلمين فعمر المجتمع السوري بأديانه ومذاهبه وأعراقه قريبا من ألف وأربع مائة عام ، تنامى وجودها جميعا في مضامير القسط والبر والود والتعاون والمحبة والسلام والإخاء ..

وليس باسم المشروع الإسلامي الوطني لأن المشروع الإسلامي الوطني أعلن منذ تاريخ طويل ومع ولادة الدولة القطرية السورية وحدة المجتمع السوري على قاعدة السواء بين أبنائه ، وطرح دائما إيمانه بمجتمع أسنان المشط تظلله دولة إسلامية مدنية ( لا كهنوتية ) ترفع فوق رؤوس المواطنين جميعا مظلتها للعدل والبر والقسط.

نذكر بهذه الحقائق ، والأشقاء المسيحيون يعيشون في سورية والعالم أيام فصحهم ، لنتساءل كم كان إنسانيا وإسلاميا وجميلا لو تذكرتها اليد القاسية الغليظة التي تحتجز المطرانين من مدينة حلب : يوحنا إبراهيم وبولس يازجي منذ عام فقامت برد حريتهما التي سلبت منهما بغيا وعدوانا .

ونذكر بهذه الحقائق والأب باولو داليلو المغيب منذ ثمانية أشهر، وهو الذي كان سفير الصدق للثورة والثوار في سورية ، ما يزال في محبسه لنتساءل كم كان جميلا من هؤلاء الخاطفين لو أنهم أعادوا تقدير أبعاد فعلتهم فأعادوا للأب داليلو حريته وأعادوه مع شقيقيه المطرانين هدية عيد لكل السوريين وليس للمسيحيين منهم فقط .. ..

نذكّر بهذه الحقائق اليوم ونذكّر معها بحقيقتين اثنتين ..

الأولى نذكر أن أساليب عصابة الجريمة المتسلطة على سورية في إيقاع الفتنة بين المسلمين والمسيحيين بكل الطرق والأساليب والتي كان منها : مؤامرة ميشيل سماحة المنكرة التي كان من مقتضاها أن يقتل مسيحيي مثل ( يهوذا الاسخريوطي ) مطارنة المسيحيين وكبراءهم في لبنان الشقيق ، ثم يُتهم بالجريمة المسلمون . وفي الجريمة المؤامرة المنظورة أمام القضاء اللبناني ثمرة مرة لشجرة الشر التي قال في مثلها السيد المسيح : من ثمارهم تعرفونه . جريمة ميشيل سماحة واقعة موثقة وليست حكاية أو أسطورة يرويها متعصب تكفيري أصولي كما تعودوا أن يقولوا .

ثم بالأمس يوم وقف بشار الأسد في معلولا يتباكى على المسيحية دون أن يسأله سائل كم هو عمر معلولا شاهد الحضارة السورية في التاريخ . وحين يخرج صوت راهبة مجهولة – رغد – عبر إذاعة الفاتيكان تحكي عن وطنها سورية ما حكته ( سالومي ) عن نبي الله يحيى ( يوحنا المعمدان ) من حقنا كسوريين أن نتساءل أين غاب أو غيّب صوت راهبات معلولا اللواتي نطقن بعد إطلاق سراحهن بالحق والصدق وبفصل الخطاب ..؟!

والحقيقة الثانية التي نريد أن نؤكد عليها ..

هي دور المسيحيين السوريين واللبنانيين في ريادة عصر النهضة ، وبالتبشير بفجر الحرية ، وبتحملهم مع بقية أبناء وطنهم عبء مشروع التحرير والتنوير ، ومن هذه الحقائق التاريخية نؤكد أنه ليس بإمكان كائن من كان أن يكرس المسيحيين في سورية وفي لبنان عبيدا في مدارس الاستبداد ، ولا أتباعا لمستبد فاسد . ولن تقل جريمة هؤلاء الذين يخونون أول ما يخونون رسالة المسيح نفسها ، كما يخونون الوجود المسيحي نفسه عن جريمة ( يهوذا الاسخريوطي ) أو جريمة ( ميشيل سماحة ) الكريهة والمقيتة نفسها ..

المقام ليس مقام شجب وإدانة واستنكار لنشجب ونستنكر وندين باسم الإسلام ، وباسم والمسلمين ، وباسم أصحاب المشروع الإسلامي في سورية أي عدوان يستهدف أي مظهر من مظاهر الوجود الروحي أو الديني الإسلامي والمسيحي ؛ بل المقام مقام توضيح وبيان نؤكد من خلاله أن الضرب على وتر العصبية الدينية : الإسلامية – المسيحية هو جزء بنيوي من خطة الجريمة المنظمة للإيقاع بين أبناء المجتمع السوري الواحد . وأن الأيدي التي اختطفت الآباء الكنسيين المسيحيين ، والتي تخطف الصحفيين والناشطين هي أيد تعمل بوعي أو بغيره في تنفيذ الخطة القذرة نفسها . كما إن كل المحاولات المريبة التي تنساق في السياق الذرائعي المفتعل لتكريس المسيحيين السوريين كحماة لمشروع الاستبداد أو متترسين به هي وجه آخر للجريمة القذرة ...

الحرية لكل المظلومين في سورية ، الحرية للمعتقلين والموقوفين والمختطفين ..

والحرية في أيام الفصح خاصة للمطرانين : الأب يوحنا إبراهيم – والأب بولس يازجي بعد مرور سنة على اختطافهما المستنكر الأثيم ..

والحرية لسفير الثورة السورية للعالم المسيحي ألأب باولو داليلو ..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين