(إِنۡ عِندَكُم مِّن سُلۡطَـٰنِۭ بِهَـٰذَاۤۚ)

 

استقبلتُ في رسائل الواتس صباح هذا اليوم، ثلاث رسائل من ثلاثة إخوة، تحمل جميعها منشورا واحدا جريئا على القول على الله بغير علم.

وكلٌّ يسأل - بعد السلام - عن رأيي فيه.

وهذا نص المنشور:

مفهوم الزواج في الإسلام بالحور العين في الجنه .....

يقول الله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ ، كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (الدخان)... ويقول أيضا إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ ، فَاكِهِينَ بِمَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ، مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (الطور)

التزويج هنا لا يعني المعاشرة الزوجية، بل أن يكون للمرء أزواج، والزوج هنا بمعنى القرين.. أي الصديق أو الصاحب أو الرفيق، وليس الذي يُعاشر زوجه معاشرة الأزواج. يقول الله تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ، مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (الصافات).. فأزواجهم هنا بمعنى أمثالهم وأصحابهم، وليس بمعنى الزوج وزوجته.. وإلا هل يجب أن تُحشر امرأة فرعون مع زوجها؟ أم لوط مع إمرأته؟ "وعلى هذا يكون معنى قوله تعالى: وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ أي: جعلنا لهم قرناء أو أصدقاء أو أصحاب على شاكلتهم من الحور العين. وبهذا المعنى يكون للنساء أيضا أزواج من الحور العين، أي صاحبات وصديقات مؤمنات عفيفات على شاكلتهن.... أي يكون للزوجه أزواج من الحور العين، يماثلهن في الطهر والعفاف، وتتقارب أعمارهن معهن، فيكنّ لهنّ كما يقول الله تعالى: كَوَاعِبَ أَتْرَابًا، أي ذوات شرف ومجد من الحور العين اللاتي يماثلنهن في العمر، أو ذوات شرف ومجد من المؤمنات الأخريات في الجنة اللاتي يتقاربن معهن في العمر.

وبنفس هذا المفهوم يكون للرجال أزواج أيضا من قرنائهم الرجال في الجنة، أي أن لهم أصحاب وأصدقاء على شاكلتهم وفي درجتهم في الجنة. وسيكون هؤلاء الأزواج أيضا للرجال من أهل الجنة كواعب أترابا، أي سيكونون من ذوي الشرف والمجد الذين يقاربونهم في العمر. وجميع هؤلاء الأزواج.. سواء كانوا أزواج الرجال أو أزواج النساء، فإنهم سيكونون أزواجا مُطهّرين.. بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى... أي أن الله تعالى هو الذي يطهّرهم، وهو الذي يجعلهم أزواجا مطهّرة للمؤمنين من أهل الجنة.. رجالا ونساء. يقول تعالى:

وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (البقرة)

لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ (آل عمران)

وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلا ظَلِيلا (النساء)

ومن الواضح من هذه الآيات الكريمة أن الله تعالى جعل هؤلاء الأزواج للذين اتقوا والذين آمنوا وعملوا الصالحات، ..

وهذا هو مفهوم الجنة في الإسلام والحمد لله رب العالمين.

فكتبتُ في جوابهم:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

حياكم الله...

أغنى الأشياء عن إبداء الرأي الحق الأبلج والباطل المحض.

وهذا الكلام الذي تسأل عنه يا أخي، من الثاني، كما لا يخفى.

إنه قول على الله في كتابه بغير سلطان ولا برهان.

أغلب الظن أن هذا الكلام من تخاريف التافه السفيه "المتأمرت" علي كيالي، أو من هو على شاكلته، أو من أفراخه.

وقد وقفتُ على كلام له من هذا القبيل، تجده على اليوتيوب بعنوان: (الكيالي: الحور العين للرجال والنساء)

وهو أحقر من أن يُلتفت إلى مثله.

والشبهه التي بُنِي عليها المنشور موضوع السؤال، أوهنُ من خيط العنكبوت.

فإن التزويج بمعنى ضم الشيء إلى صنفه صحيح في اللغة وفي استعمال القرآن.

ولكن هذا لا ينفي التزويج بمعنى النكاح، فإنه أيضا صحيح في اللغة وفي استعمال القرآن.

ولكل سياقه الذي يناسبه.

وهذا من بدائه العربية في الألفاظ المشتركة التي تستعمل في أكثر من معنى.

وما أكثرها في القرآن، وفي سائر نصوص العربية!!

وإلا فماذا يقول هذا المجترئ على العربية وعلى القرآن في قوله تعالى: 

(... فَلَمَّا قَضَىٰ زَیۡدࣱ مِّنۡهَا وَطَرࣰا *زَوَّجۡنَـٰكَهَا* لِكَیۡ لَا یَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ حَرَجࣱ فِیۤ *أَزۡوَ ٰ⁠جِ* أَدۡعِیَاۤىِٕهِمۡ إِذَا قَضَوۡا۟ مِنۡهُنَّ وَطَرࣰاۚ) [سورة الأحزاب 37]؟

فهل التزويج في قوله: (زَوَّجۡنَـٰكَهَا) كالتزويج في قوله مثلا: (أَوۡ *یُزَوِّجُهُمۡ* ذُكۡرَانࣰا وَإِنَـٰثࣰاۖ وَیَجۡعَلُ مَن یَشَاۤءُ عَقِیمًاۚ) [سورة الشورى 50]؟!

الأول: من التزويج بمعنى الإنكاح.

والثاني: من التزويج بمعنى التصنيف. أي: يجعل الأولاد صنفين، ذكورا وإناثا.

وهل الأزواج في قوله: (أَزۡوَ ٰ⁠جِ أَدۡعِیَاۤىِٕهِمۡ) في آية الأحزاب المتقدمة، كالأزواج في قوله: (لَا تَمُدَّنَّ عَیۡنَیۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦۤ *أَزۡوَ ٰ⁠جࣰا* مِّنۡهُمۡ) [سورة الحجر 88]؟!!

الأولى: من النكاح.

والثانية: من الشبيه والنظير في الصنف.

وهل العَين في قوله تعالى مثلا:(... یَرَوۡنَهُم مِّثۡلَیۡهِمۡ رَأۡیَ *ٱلۡعَیۡنِۚ*) [سورة آل عمران 13]

كالعين في قوله تعالى: (... وَأَسَلۡنَا لَهُۥ *عَیۡنَ* ٱلۡقِطۡرِۖ ) [سورة سبأ 12]

الأولى: عين البصر.

والثانية: العين بمعنى النبع.

وهل كلمة "البشر" في قوله تعالى:(لَوَّاحَةࣱ لِّلۡبَشَرِ) [سورة المدثر 29] كالبشر في قوله تعالى بعد آيتين في نفس السورة ونفس الصفحة: (... وَمَا هِیَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡبَشَرِ) [سورة المدثر 31]؟

الأولى: جمع بَشَرَة. وهو جِلد الإنسان. أي أن سَقَر تحرق جلودهم.

والثانية: بمعنى الجنس الإنساني.

إن كلمة "محصنات" مثلا، جاءت لثلاث معان في آية واحدة، في قوله تعالى: (وَمَن لَّمۡ یَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا أَن یَنكِحَ *ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ* ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُم مِّن فَتَیَـٰتِكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِیمَـٰنِكُمۚ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضࣲۚ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذۡنِ أَهۡلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ *مُحۡصَنَـٰتٍ* غَیۡرَ مُسَـٰفِحَـٰتࣲ وَلَا مُتَّخِذَ ٰ⁠تِ أَخۡدَانࣲۚ فَإِذَاۤ أُحۡصِنَّ فَإِنۡ أَتَیۡنَ بِفَـٰحِشَةࣲ فَعَلَیۡهِنَّ نِصۡفُ مَا عَلَى *ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ* مِنَ ٱلۡعَذَابِۚ ذَ ٰ⁠لِكَ لِمَنۡ خَشِیَ ٱلۡعَنَتَ مِنكُمۡۚ وَأَن تَصۡبِرُوا۟ خَیۡرࣱ لَّكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ) [سورة النساء 25]

الأولى: بمعنى الحرائر. في مقابل الإماء.

والثانية: بمعنى العفيفات. من العفة في مقابل الدعارة.

والثالثة: بمعنى المتزوجات. في مقابل الأبكار.

وليس واحد من هذه المعاني ينفي غيره.

فكيف يستدل هذا الكاتب التافه على أن التزويج بمعنى التصنيف ينفي التزويج بمعنى النكاح؟!!

ومن كان يَغفُل عن مثل هذه المُسلَّمات، ولا يعرف شيئا عن اللفظ المشتَرَك، فليس أهلا لِأن يتكلم في القرآن ومعانيه.

وأحرى أنه ليس أهلا لِأن يُكترَث به أو يُلتفَت إليه.

والله أعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين