إلى الذين قالوا لي: اتّقِ الله

 

كتب إليّ إخوة أفاضل -على العام والخاص- يذكّرونني بالله ويطلبون مني أن أتّقيَه في المجاهدين. ولي على هذه التذكرة الجميلة تعليقان: أولهما شكر من القلب أوجّهه إلى كل مَن يذكّرني بالله، فما أحوجَني إلى ذكره وتقواه، خِبْتُ وخسرت إن لم أتّقِهِ ولم أذكره. الثاني: أرجو أن يستمرّوا في تذكيري بالله وحثّي على تقواه، فإني أكتب فأُكثر فأخطئ لأن المُكثر خطّاء، وتذكرة إخواني العقلاء الصادقين هي عاصمي من الخطأ وهي التي تردّني إلى الصواب بإذن الله.

 

إنني أحس وأنا أخوض في هذه الموضوعات الخطيرة الحساسة كأنني أمشي بين الألغام، فأكتب بحذر وأزِنُ كلماتي وأراجع ما أكتبه قبل النشر مرات، ثم لا أنشر شيئاً إلا بعد استخارة، ولكني لا آمَنُ على نفسي من الخطأ والزلل لأنني بشر مجتهد، وما خلا مجتهدٌ قَطّ من خطأ. ولا ريب أن لإخواني الصادقين فضلاً عليّ وأنهم يؤثّرون في كتابتي، إما بتغيير المضمون أو بتعديل الأسلوب، فأرجو أن تستمروا بنصحي وتذكيري ولو لم أستجب، لأنكم إذا وجدتموني ماضياً في طريق اختَطْتُه لنفسي بعد التذكير الكثير فليس معنى هذا أنني مكابر أو مُعرض عن النصح لا قدّر الله، بل معناه أنني متأكدٌ من الطريق الذي أمشي فيه، متأكدٌ بمقدار ما يسمح به عقلي الذي وهبني الله إياه والمدارك التي مَنّ بها عليّ ويحاسبني عليها يوم الحساب.

 

*   *   *

 

بقيت كلمة هي أقرب إلى الحديث الخاص، أجدني مضطراً إليها مع أني لا أحب كتابة المرء عن نفسه حينما يكتب في الشأن العام.

عندما بدأتْ الثورةُ كنت في الرابعة والخمسين، وأنا الآن في الثامنة والخمسين. أحلف لكم أني أمضيت نصف القرن الأول من حياتي -منذ وعيت- بلا أعداء على الإطلاق، وأني كسبت من الأعداء في هذه السنوات الأربع الأخيرة ما يكسبه مثلي من أوساط الناس في أربعة قرون. ذلك أني كنت طولَ حياتي أترك ما هو لي لكيلا آخذ ما ليس لي، وإذا اختصم معي أحدٌ من الناس على مال قلت: خذه ولنعش في سلام. وليغفر الله لي أني حملت على هذا المذهب أيضاً زوجتي وأولادي، لأنني كنت أخشى أن يأخذ أحدٌ منهم ما ليس له، فأقول له: إن تَرِدْ على الله بحقّ تطلبه خيرٌ لك من أن تَرِدَ بحق يطلبه منك الخصوم.

 

إذا كنت كذلك فلماذا غامرت باقتحام الشدائد واستعديت بكتاباتي أفراداً وجماعات؟ لا جواب عندي سوى أنني اخترت الصمت والسلام لمّا كان الثمن هو ضياع شيء من حقي الشخصي، أما عندما صرت في موقع الدفاع عن شعب سوريا وعامة المسلمين فما عاد يجوز لي السكوت، ولو سكتّ لكنت شيطاناً أخرس. وما كنت لأرضى لنفسي أبداً أن أكون شيطاناً ناطقاً فضلاً عن أن أكون شيطاناً أخرس، ولا أجرؤ أن أقف بين يدي الله يوم العرض الأكبر فيسألني: لِمَ كتمتَ وقد علمت؟ فأقول: يا ربّ توخيت السلامة، أو خفت الناس فيك.

 

أقسم بالله غيرَ حانث إني لو كنت أسعى إلى حقّ شخصي لتركته غيرَ مأسوف عليه ولم ألوّث نفسي بقيلَ وقال ولا تورطت بنقد فرد ولا جماعة، ولكنْ ما حيلتي وأنا أرى حق المسلمين يوشك أن يضيّعه طيشُ بعض الأفراد والجماعات؟ إني لأستثقل الكلمة أكتبها في هذا الباب الصعب وأتمنى لو أفتدي المقالة أكتبها فيه بالمال الكثير، ولو رأيت أن غيري كفاني وقام بحق الكلمة فلم يَبقَ لي دور لما باليت أن أصمت صمت الأبد وأنصرف إلى خاصة شأني بعيداً عن العجيج والضجيج.

 

*   *   *

تلك كلمتي للناصحين المخلصين، أما الذين اختاروا البذاءة والقسوة وسوء الظن فلا أحب أن أسمع منهم ولا أرحب ببقائهم في صفحتي، فإن مَن رآني شراً من فرعون أو رأى نفسه خيراً من موسى لن يكون أهلاً للنصح والتذكير، وكيف وقد بعث الله موسى وأخاه إلى فرعون فأوصاهما فقال: فقولا له قولاً ليّناً لعله يتذكّرُ أو يخشى؟

 

غفر الله لي ما أخطأت ولمن أساء بي الظن وأسفّ في الخطاب، وأسأله تعالى أن يريني الحق ويثبتني عليه حتى الممات. ربّنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهَبْ لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهّاب.

إلى الذين قالوا لي: اتّقِ الله

 

كتب إليّ إخوة أفاضل -على العام والخاص- يذكّرونني بالله ويطلبون مني أن أتّقيَه في المجاهدين. ولي على هذه التذكرة الجميلة تعليقان: أولهما شكر من القلب أوجّهه إلى كل مَن يذكّرني بالله، فما أحوجَني إلى ذكره وتقواه، خِبْتُ وخسرت إن لم أتّقِهِ ولم أذكره. الثاني: أرجو أن يستمرّوا في تذكيري بالله وحثّي على تقواه، فإني أكتب فأُكثر فأخطئ لأن المُكثر خطّاء، وتذكرة إخواني العقلاء الصادقين هي عاصمي من الخطأ وهي التي تردّني إلى الصواب بإذن الله.

 

إنني أحس وأنا أخوض في هذه الموضوعات الخطيرة الحساسة كأنني أمشي بين الألغام، فأكتب بحذر وأزِنُ كلماتي وأراجع ما أكتبه قبل النشر مرات، ثم لا أنشر شيئاً إلا بعد استخارة، ولكني لا آمَنُ على نفسي من الخطأ والزلل لأنني بشر مجتهد، وما خلا مجتهدٌ قَطّ من خطأ. ولا ريب أن لإخواني الصادقين فضلاً عليّ وأنهم يؤثّرون في كتابتي، إما بتغيير المضمون أو بتعديل الأسلوب، فأرجو أن تستمروا بنصحي وتذكيري ولو لم أستجب، لأنكم إذا وجدتموني ماضياً في طريق اختَطْتُه لنفسي بعد التذكير الكثير فليس معنى هذا أنني مكابر أو مُعرض عن النصح لا قدّر الله، بل معناه أنني متأكدٌ من الطريق الذي أمشي فيه، متأكدٌ بمقدار ما يسمح به عقلي الذي وهبني الله إياه والمدارك التي مَنّ بها عليّ ويحاسبني عليها يوم الحساب.

 

*   *   *

 

بقيت كلمة هي أقرب إلى الحديث الخاص، أجدني مضطراً إليها مع أني لا أحب كتابة المرء عن نفسه حينما يكتب في الشأن العام.

 

عندما بدأتْ الثورةُ كنت في الرابعة والخمسين، وأنا الآن في الثامنة والخمسين. أحلف لكم أني أمضيت نصف القرن الأول من حياتي -منذ وعيت- بلا أعداء على الإطلاق، وأني كسبت من الأعداء في هذه السنوات الأربع الأخيرة ما يكسبه مثلي من أوساط الناس في أربعة قرون. ذلك أني كنت طولَ حياتي أترك ما هو لي لكيلا آخذ ما ليس لي، وإذا اختصم معي أحدٌ من الناس على مال قلت: خذه ولنعش في سلام. وليغفر الله لي أني حملت على هذا المذهب أيضاً زوجتي وأولادي، لأنني كنت أخشى أن يأخذ أحدٌ منهم ما ليس له، فأقول له: إن تَرِدْ على الله بحقّ تطلبه خيرٌ لك من أن تَرِدَ بحق يطلبه منك الخصوم.

 

إذا كنت كذلك فلماذا غامرت باقتحام الشدائد واستعديت بكتاباتي أفراداً وجماعات؟ لا جواب عندي سوى أنني اخترت الصمت والسلام لمّا كان الثمن هو ضياع شيء من حقي الشخصي، أما عندما صرت في موقع الدفاع عن شعب سوريا وعامة المسلمين فما عاد يجوز لي السكوت، ولو سكتّ لكنت شيطاناً أخرس. وما كنت لأرضى لنفسي أبداً أن أكون شيطاناً ناطقاً فضلاً عن أن أكون شيطاناً أخرس، ولا أجرؤ أن أقف بين يدي الله يوم العرض الأكبر فيسألني: لِمَ كتمتَ وقد علمت؟ فأقول: يا ربّ توخيت السلامة، أو خفت الناس فيك.

 

أقسم بالله غيرَ حانث إني لو كنت أسعى إلى حقّ شخصي لتركته غيرَ مأسوف عليه ولم ألوّث نفسي بقيلَ وقال ولا تورطت بنقد فرد ولا جماعة، ولكنْ ما حيلتي وأنا أرى حق المسلمين يوشك أن يضيّعه طيشُ بعض الأفراد والجماعات؟ إني لأستثقل الكلمة أكتبها في هذا الباب الصعب وأتمنى لو أفتدي المقالة أكتبها فيه بالمال الكثير، ولو رأيت أن غيري كفاني وقام بحق الكلمة فلم يَبقَ لي دور لما باليت أن أصمت صمت الأبد وأنصرف إلى خاصة شأني بعيداً عن العجيج والضجيج.

 

*   *   *

 

تلك كلمتي للناصحين المخلصين، أما الذين اختاروا البذاءة والقسوة وسوء الظن فلا أحب أن أسمع منهم ولا أرحب ببقائهم في صفحتي، فإن مَن رآني شراً من فرعون أو رأى نفسه خيراً من موسى لن يكون أهلاً للنصح والتذكير، وكيف وقد بعث الله موسى وأخاه إلى فرعون فأوصاهما فقال: فقولا له قولاً ليّناً لعله يتذكّرُ أو يخشى؟

 

غفر الله لي ما أخطأت ولمن أساء بي الظن وأسفّ في الخطاب، وأسأله تعالى أن يريني الحق ويثبتني عليه حتى الممات. ربّنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهَبْ لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهّاب.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين