وفاة المفكر برهان بخاري

رحل المفكر السوري برهان بخاري يوم الجمعة الماضي عن عمر ناهز 69 عاما بعد معاناة مع المرض مخلفا وراءه مشاريع لا تزال تنتظر من يوفر لها الدعم لتحويلها إلى واقع.

عرف عن المفكر الراحل عشقه للغة العربية واهتمامه بها رغم أصوله الأوزبكية حيث وضع الأسس العلمية لأول معجم أوزبكي عربي وعربي أوزبكي، و"كان عروبيا أكثر من العروبيين أنفسهم" كما يقول معاون وزير الثقافة علي القيم الذي يعتبر بخاري "صاحب رسالة حضارية متجددة" وقد أثرى المكتبة العربية بمؤلفات هامة ستبقيه في الذاكرة علما مضيئا، وشدد على ضرورة "تشكيل لجنة منبثقة من وزارة الثقافة تدرس ما لديه من مخطوطات ومؤلفات ليتم تعميمها على القارئ العربي".
ويقول الصحفي نبيل صالح إن بخاري كان عقلا متوقدا لا يتوقف عن توليد الأفكار وابتكار المشاريع غير المنتهية، لافتا إلى أن المفكر الراحل لم يترك خلفه كتبا مطبوعة سوى "أحاديث الأحد" نشرتها جريدة تشرين، وبحثا ألسنيا عن شعر نزار قباني بتكليف وتمويل من دار سعاد الصباح بالكويت, بالإضافة إلى موسوعة الشعر العربي التي أنجزها مجمع السويدي الثقافي بدبي وتضم مليون ونصف مليون بيت من الشعر.
محو الأمية
وقام بخاري في فترة السبعينيات بمشروعه الخاص لمحو الأمية في سوريا حيث كان يزور القرى ويوزع مؤلفاته مجانا، وحصدت جهوده الشخصية نتائج إيجابية تفوق ما حققته الهيئة العليا لمكافحة الأمية بحسب صديقه مازن علوش الذي أضاف أن "كل مشاريع بخاري انطلقت من محو الأمية التي تشمل أيضا أمية المثقفين، وهو مصطلح طالما ردده وحرص على محوه أيضا، فكان يطالب بأن يفهم الطبيب ماهية المسرح كحال المسرحي الذي يتوجب عليه أن يعرف ما هو الطب".
ولم تنجز مشاريع بخاري -بحسب علوش- لأنها كانت تتطلب مؤسسات لدعمها، وكان بخاري يعتمد على نفسه وعلى أصدقائه.
ومن أبرز مشاريع المفكر الموسوعي الراحل مشروع الترجمة الآلية حيث قام بتصميم لوحة مفاتيح حاسوب -عرفت باسم لوحة البخاري- قادرة على تنضيد جميع أبجديات العالم والتعامل معها، إضافة لمشروع إعادة بناء التراث العربي والإسلامي على الحاسوب والذي يتألف من عشر موسوعات أهمها موسوعة الحديث النبوي الشريف والتي تضم مائة جزء لم يطبع منها سوى نظرية الموسوعة ومنهجها.
مشاريع موسوعية
ويؤكد عرفان نجل المفكر الراحل أهمية ما خلفه والده من نظريات لم تلق الدعم الكامل الذي تستحقه، معتبرا أن والده كان حالما بالنسبة للكثيرين لكنه في حقيقة الأمر كان شخصا متبصرا يرى ما لا يستطيع الآخرون رؤيته فكان واضحا جدا وسابقا لعصره.
وأضاف أن موسوعة الحديث النبوي -رغم جاهزيتها منذ الثمانينيات- لم تنشر لافتقادها من يملك الشجاعة لطباعتها معتبرا أن نشرها يساعد على حل مشاكل الفتنة الطائفية والمذهبية بقوله إن "كل ما قمنا به منذ 14 قرنا هو تكرار للمشاكل ولم ننتج أي حل لها".
وبما يتعلق باللغة العربية، يضيف عرفان أن والده "وضع مناهج اللغة العربية للصغار والكبار لغير الناطقين بها، وكان يحترم مكانتها وتاريخها، لكنه كان يقر بأنها بمأزق ويحاول حلها حيث عمل على إنجاز المعجم الدلالي للغة العربية ليبين فيه متى ولدت الكلمة ومتى تغيرت، وعمل فيه لفترات طويلة وشبه هذه العملية بتحديد السلسلة الوراثية للكلمة العربية، وللأسف قوبل كذلك هذا المشروع بعدم الاهتمام والفهم.
ودعا عرفان عبر الجزيرة نت لتكريم والده من خلال إعادة قراءة نظرياته وأفكاره وفهمها والاستفادة منها أكثر، معتبرا أن الراحل لم يلق التقدير الكافي كمفكر وهي الصفة الأدق من الباحث أو المحلل كما يعرف عنه، لافتا في الوقت نفسه إلى أن والده تمتع بالتحليل المسبق للكثير من المتغيرات العالمية حيث أطلق مصطلح "إسلام فوبيا" في مقال نشر عام 1996 في جريدة تشرين مستبقا بذلك أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول بخمس سنوات