فتوى المجلس الإسلامي السوري لتقدير صدقة الفطر وفدية العاجز عن الصوم لعام 1441هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلام على سيّدنا محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

أولاً: صدقة الفطر:

الأصل في وجوبها: ما ثبت في «الصحيحين» عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً مِن تمر، أو صاعاً مِن شعير على الحرِّ والعبد، والذكر والأنثى، والصغير والكبير مِن المسلمين، وأن تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة).

وجاء في حكمة مشروعيتها: ما روى أبو داود في «سننه» عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فرض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زكاةَ الفطر طُهرةً للصائم مِن اللَّغو والرفث، وطُعمةً للمساكين، مَن أداها قبل الصلاة فهي زكاةٌ مقبولة، ومَن أدّاها بعد الصلاة فهي صدقةٌ مِن الصدقات).

على مَن تجب: تجب زكاة الفطر عند جمهور الفقهاء على كلِّ مسلم ملك صاعاً فاضلاً عن قوته وقوت عياله ليلةَ العيد ويومَه، وإن كان محتاجاً بقيةَ أيامه، فيُخرج زكاة الفطر، وتجب عليه، ولو كان غناه بسبب ما يُعطَى له مِن صدقات أو زكوات، ويجوز له الأخذُ منها لحاجته، لذلك جاء في الحديث: (أمّا غنيكم فيزكيه الله، وأما فقيركم فيردّ الله تعالى عليه أكثر مما أعطى) رواه أبو داود، ومَن وجبت عليه صدقة الفطر وجبت عليه عمن هم في عياله ومَن تلزمه نفقتهم، ومَن أراد أن يخرجها عن نفسه منهم فهو جائز.

مقدارها: صدقة الفطر عند جمهور الفقهاء صاعٌ مِن أصناف معينة من الطّعام، ويكون مِن الأصناف التي بيّنتها السنة فيما روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً مِن طعام، أو صاعاً مِن شعير، أو صاعاً مِن تمر، أو صاعاً مِن أقِط، أو صاعاً مِن زبيب)، وقد فُسِّر الطعام بغالب قوت البلد، فمَن أخرج صاعاً مِن هذه الأصناف فقد أدّى ما عليه، ومَن اختار إخراجها طعاماً فينبغي له أن يخرجها مما يقتاته الناس مِن الطعام، ويخرج معها ما يصلحه للطبخ.

وبالنظر إلى تجويز السّادة الحنفية وعددٍ مِن الفقهاء الآخرين لإخراج القيمة في صدقة الفطر، ومراعاةً لمصلحة الفقراء والمحتاجين في هذه الأحوال والأزمنة؛ فإننا نفتي بجواز إخراج القيمة، وبالاستئناس بمتوسط قيمة القوت الغالب لمعظم الناس، وبالأخذ بأرفق تقديرات الفقهاء: وجدنا أنّ الحد الأدنى الذي يُراعى فيه حالُ غالب الناس اليوم في سورية هو حوالي (1000 ل س) للفطرة الواحدة، والتقدير هنا على مذهب الحنفية الذين عدلوا صاعَ الطعام بنصف صاع مِن القمح بناء على اجتهاد معاوية رضي الله عنه، ويقارب عندهم حوالي (2) كيلو غرام. ويستحسن للمستطيع أن يزيد عن ذلك؛ لأنّ الأصناف المذكورة في الحديث متفاوتة القيمة، وربما تبلغ قيمةُ بعضها أضعافَ قيمة غيرها .

وأما السوريون المقيمون في الدول المجاورة وغيرها فعليهم أن يتبعوا ما تحدّده دوائر الفتوى في تلك البلاد، ومَن شق عليه ذلك فيمكنه أن يرجع إلى أقلّ التقديرات في البلد التي يقيم فيها، ويكون التقدير على مذهب الحنفية لنصف صاعٍ مِن القمح الذي يقارب (2) كيلو غرام ، والأفضل أن يزيد مَن وسع الله تعالى عليه.

وقت إخراج زكاة الفطر وجواز تعجيلها: ذهب جمهورُ الفقهاء إلى جواز تقديمها على ليلة العيد، وذلك لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تُخرجَ قبل صلاة العيد، ولم يُقيّد ذلك بغروب شمس اليوم الأخير مِن رمضان، والمختار جوازُ تقديمها قبل العيد بيوم أو يومين؛ لما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (وكانوا يعطُون -أي الصحابة- قبل الفطر بيوم أو يومين) رواه البخاري.

كما يجوز التعجيل بدفعها للجمعيات والجهات الخيرية قبل ذلك بأيام لتتمكن مِن جمعها والعمل على إيصالها للمستحقين في وقتها، وهو توكيلٌ لها مِن الدافع تبرأ ذمتُه بذلك إذا وصلت الفطرة للمستحقين؛ لما ثبت في «الموطأ» عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أنه كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تُجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة). فإن رأت تلك الجهاتُ المصلحةَ في تعجيل دفعها إلى مستحقيها فبها، وإلا فكلّما تأخر وقت الدفع واقترب مِن يوم العيد كان أفضل.

ونؤكّد على جواز إرسال صدقة الفطر مِن المقيمين خارج البلاد إلى الفقراء في سورية؛ لشدة الحاجة، بحيث تصل للمستحقين قبل صلاة العيد، ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد، ويكون تقديرها على البلاد التي يقيمون فيها حيث وجبت.

ثانياً: الفدية:

أما الفدية التي جعلها الله تعالى بدلاً عن الصيام لكبار السّن الذين يشق عليهم الصيام، أو للمرضى الذين لا يستطيعون الصّيام، ولا يرجى شفاؤهم: فهي طعام مسكين كما بين ربنا سبحانه وتعالى في قوله: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾، وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الآية: (ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كلِّ يوم مسكيناً)، فمَن أراد أن يخرجها مِن الأقوات فيطعم عن كلِّ يومٍ مسكيناً بمقدار نصف صاع، وعلى تقديرها بالقيمة على قول مَن أجاز ذلك، فإننا نرى أنّ أقل ما يجزئ عن اليوم الواحد في سورية حوالي (1000 ل س) بناء على تقدير نصف الصاع عند الحنفية بما يقارب (2) كيلو غرام ، ومَن أراد أن يزيد فذلك خير؛ لقوله تعالى: ﴿فمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فهو خَيْرٌ له﴾.

وأما السوريون المقيمون في الدول المجاورة وغيرها فعليهم أن يتبعوا ما تحدّده دوائر الفتوى في تلك البلاد، والأفضل أن يزيد مَن وسع الله تعالى عليه، ويجوز أن تدفع الفدية يومياً في رمضان، أو تجمع لعدة أيام وتدفع، أو أن تدفع بعد العيد، مع أفضلية التعجيل ما أمكن، نسال الله تعالى القبول والإعانة، والحمد لله رب العالمين.