صناعة الحياة

التقديم للبحث:

تفرض المواقع المتقدمة الجديدة التي انتقلت إليها الدعوة الاسلامية العالمية وحازتها بفضل الله تعالى وقفة تأملية على أبنائها؛ يتدارسون خلالها أساليب تطوير العمل، وتجويد التخطيط؛ ومضاعفة الآثار الحسنة لبذلهم؛ والاحتفال بالمنحة الربانية الكريمة التي حباهم بها جزاء صبرهم الطويل في المحن وثبات ألسنتهم وأقدامهم في مقابلة الفتن.

وشرط نجاح هذه الوقفة الفاحصة إنما يكمن في استعداد نفسي لدى الدعاة للخروج عن المألوف الموروث من الأساليب إذا أرشدت التجارب إلى ضرورة ذلك، وأدى النظر العقلي إلى اكتشاف خطأ.

وما يزال الدعاة بخير ما أذعنوا للمنطق ودفعهم الاجتهاد الحر إلى السير في دروب الإبداع والتنويع، وهم في جانب الأمان والركن القوي بإذن الله ما استجابوا لمتطلبات الظروف وكانوا على مرونة مع تحقق التكيف مع المستجدات والانعتاق من تقديس التخطيط القديم.

ونظرية صناعة الحياة دعوة لمراجعة الرصيد، والجري مع الفهم الجديد الذي بدأنا نفهم به العلاقات الحيويَّة وعوامل التأثير فيها وكيفية تقلبها في مجاريها ومساربها، وهي استثمار لحقائق علمية تعلمناها من بعد جهل، واستعمال لمفاد أسرار اكتشافنا عبر انفتاح اجتماعي عالمي طرأ على سلوكنا من بعد عزلة حجبتنا، كما أنها نتائج لمقدمات غرستها الطريقة المنهجية التي ارتضيناها والتي أحيينا بها سمتاً توصل له كبار علماء السلف من أمتنا وقادة السياسة فيها لم نكن نحيط بمعناه يوم كان نهلنا من مدوناتهم وسيرهم هامشياً، ثم انبغى لنا مع التعمق وطول اللبث مع كلامهم والتأمل في أفعالهم، وازداد وضوحاً باقتباس من المنهجية العلمية التي توجه التطور المدني العالمي الحالي.

ولذلك فالمظنون أن هذه النظرية البسيطة ستؤدي إلى تجديد في التخطيط الدعوي؛ وإلى إعادة توزيع الواجبات وتقاسم الأدوار وإلى أساليب مستحدثة وتفنن وابتكار؛ في محاولة لاختصار بقية الوقت؛ وتقليل الجهد مع الدخول إلى ساحات التأثير من المداخل الطبيعية الفطرية البريئة من التكلف والتمحل، بحيث لا يشعر الناس أننا نعاملهم من موطن فوقي أو عبر حق ندعيه ونحتكره دونهم، وإنما ندعهم يحسون أننا نحمل همومهم، ونتكلم بلغاتهم، ونتجانس مع عواطفهم، وندلي بالرأي لا بلهجة الآمر وإنما بهيئة الناصح المشير الخبير الذي ارتاد لقومه فأطلعته الريادة على ما لا يعملون.

على أننا سنلمس أن الاقتراحات التي سننتهي إليها لا تنافي ما عليه عمل الدعوة الإسلامية اليوم؛ وإنما هي إضافة وتكميل وضع خيارات جديدة في الاستخدام؛ والأصل باق على ما هو عليه.

وتسميتنا لهذه النظرية بصناعة الحياة تعني أننا ننظر إلى إدارة الحياة على أنها (صنعة) لها فنونها الخاصة (وتجودها الخبرة المكتسبة إذا تراكمت) كمن يشتغل حداداً فتجب عليه الإحاطة بخصائص الحديد، أو نجارا فتلزمه معرفة أنواع الخشب.

فكذلك نحن نريد تسيير الحياة كلها في تيار واحد، بما فيها من بشر وعلاقات وأموال وعلوم وفنون؛ لنجعل هذا التيار يصب في الوادي الإسلامي؛ فوجبت علينا معرفة خصائص البشر الفطرية وأسرار علاقاتهم.


تحميل الملف