ضوابط التكفير

قضية التكفير أول بدعة ظهرت في الوسط الإسلامي، وفي وقت مبكر من عهد الإسلام، واستشعر السلف (الصحابة ومن بعدهم) آنذاك خطورة هذا الأمر وشناعته؛ فردوا هذا القول وحكموا ببطلانه ومنافاته لمبادئ هذا الدين، غير أنه بدلاً من أن تختفي هذه الظاهرة التي تعتبر شذوذاً في الفكر الإسلامي، انتقلت عدواها ـ بقصد أو بغير قصد ـ من الفئة التي اختصت بها واحتضنتها ـ وهم الخوارج ـ إلى معظم الفرق الكلامية والمذاهب الفقهية، حيث أخذ أصحابها ـ أو بعضهم على الأقل ـ التراشق بالكفر والتنابذ بالألقاب المضللة( )، وضاع الحق وعمي عليه في غمرة هذه الصراعات المذهبية، التي شغلت المسلمين طيلة قرون خلت؛ ولا زالت جرثومة التكفير تنخر الجسد الإسلامي، وما برحت هذه الظاهرة تجد حتى الآن ـ وللأسف ـ من يروج لها، ويتبناها باسم الإسلام نفسه، وكل منصف من ذوي البصائر والتمييز؛ يعلم أن هذا الأمر لو بحث على بساط الفكر، وفي إطار من الموضوعية والحرية، لكان ذلك أقوم وأهدى سبيلاً.

إن الكلام عن التكفير يحتاج إلى حيطة وحذر شديدين؛ ذلكم أن كثيراً ما يكون الدافع إليه التعصب والهوى، كما أن التسرع في الحكم بالتكفير وقصور النظر فيه، والغفلة عن ضوابطه، وعدم الجدية في تناول الموضوع من جوانبه المختلفة له حظ وافر من ذلك، وتأتي صعوبة النظر فيه أيضاً باعتباره سمعياً محضاً، لا مدخل للعقل فيه، ومن هنا يصعب الوقوف على مراد الله تعالى في ذلك.

تحميل الملف