أحكام البسملة ليس للفخر الرازي

د. عبد الحكيم أنيس

" أحكام البسملة " ليس للفخر الرازي
بقلم د. عبد الحكيم الأنيس
 
من الكتب التي نُسبت إلى غير مؤلفيها، وجُهلت حقيقتُها، وأَوقعت الباحثين والدارسين في الخطأ كتاب سُمِّي "أحكام البسملة وما يتعلق بها من الأحكام (كذا) والمعاني واختلاف العلماء" طُبع منسوباً إلى فخر الدين الرازي(544-606هـ)، حقّقه مجدي السيد إبراهيم (من مصر)،معتمداً على نسخة واحدة في دار الكتب المصرية( 125 تيمور)وطبعته مكتبةُ القرآن في القاهرة، ولم تذكر سنة الطبع، ولعلها سنة 1988 حسبما يؤخذ من تاريخ الإيداع.
يقع الكتاب في "79" صفحة، وإذا حُذفت صفحات مقدمة المحقق وترجمة الرازي والفهرس البالغة "17" صفحة بقي "62" صفحة.
قرأتُ هذا الكتاب فداخلني الشك في نسبته إلى الإمام الفخر الرازي، فمن الواضحأنَّ مؤلفه محدّثٌ ممارس، وأعدتُ النظر فجزمت أنه ليس للرازي، ولكن لمن هو؟
تيقنتُ أنه للإمام الحافظ أبي محمد عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي المعروف بأبي شامة (599-665هـ)، وأدلتي على ذلك ما يأتي:
 
1-جاء في المقدمة ص 17: "أما بعد: فقد سَبَقَ مني تصنيفُ كتابٍ جامع فيما يتعلق بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) من الأحكام والمعاني، اتسع الكلام فيها وانتشر، فسألني بعضُ الأصحاب ضبط ما يتعلق بها من الكلام في سنة الجهر، وكونها من أوائل السور، فنزلتُ من ذلك المبسوط إلى هذا المختصر، لشدة احتياج أصحابنا الشافعية – كثرهم اللهُ تعالى – إلى ذلك من طريق الأثر والنظر".
فلمؤلف هذا الكتاب كتابان في هذا الموضوع: كبير وصغير، وهذا هو الصغير، وبالرجوع إلى كشف الظنون(2/2041) نجد: "كتاب البسملة: لأبي شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي المتوفى سنة 665 وهو كتابان: صغير وكبير"
وحين عدّد الشيخ أحمد محمد شاكر مَنْ ألفّ في البسملة في تعليقه على جامع الترمذي(2/19) قال: "وكتاب لأبي محمد عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي، ذكره النووي في "المجموع" وقال: إنه مجلد كبير، ولخص أهمَّ ما فيه"
ومن قبلُ قال السبكي في ترجمة أبي شامة في طبقات الشافعية الكبرى(8/165): "ومن محاسنه كتاب البسملة الأكبر، وكتاب البسملة الأصغر".
 
2-إنَّ مؤلف الكتاب لا بُدَّ أن يكون محدِّثاً، والرازي لم يكن كذلك، ومَنْ قرأ كلامه على البسملة في "تفسيره" لحظ الفرق بين الأسلوبين، وقد كان أبو شامة حافظاً ترجم له الذهبي في "تذكرة الحافظ" وابن عبد الهادي في مختصره "طبقات علماء الحديث".
يقول الذهبي عنه في كتابه المذكور(4/1460): "الإمام الحافظ العلامة المجتهد ذو الفنون"
ويقول ابن كثير في "البداية والنهاية"(13/250): "الشيخ الإمام العالم الحافظ المحدِّث الفقيه المؤرِّخ المعروف بأبي شامة شيخ دار الحديث الأشرفية، ومدرّس الركنية، وصاحب المصنفات العديدة المفيدة".
ويتبين من أسلوب الكتاب"أحكام البسملة" أنَّ مؤلفه مقرئ كما في ص21 وغيرها، وقد كان أبو شامة كذلك، كما يظهر من ترجمته.
 
3-إنَّ قوله عن الشافعية: "كثَّرهم الله تعالى "قد يدل على شيء، وهو التعريض بغيرهم وهم الحنابلة على الخصوص، ومن كتب أبي شامة: "الواضح الجلي في الرد على الحنبلي" ويريد الشيخ محمد اليونيني المتوفى سنة 657هـ مما يدل على خلافٍ بينه وبين الحنابلة.
وانظر قوله في هذا الكتاب "أحكام البسملة" ص71: "وفي صحيح أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: صوموا ... وهذا نصٌ قاطع لموضع الخلاف في المسألة، فتركه الحنابلة وقالوا بخلافه".
 
4-وجدتُ في ص63 من هذا الكتاب في كلامه على حديث أبي سفيان الذي فيه تزويج أم حبيبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وحديث خلق الله التربة - وهما حديثان مشكلان في صحيح مسلم – أنه قال: "وقد بيّنا الأول في ترجمة أم حبيبة في "التاريخ"؛ وبيّنا ما في الثاني في كتابٍ أيضاً في مشكلات الآيات والأخبار"
وقد كان أبو شامة مؤرخاً، وله عدة كتب في التاريخ(انظر مقدمة الدكتور محمد حلمي لكتابه الروضتين 1/1/13).
وقد نَسَبَ أبو شامة إلى نفسه في ترجمته لنفسه في كتابه "المذيل على الروضتين" ص39 "مشكلات الآيات" فهذا نصٌّ في الموضوع.
 
5-نشَر المحقق مجدي السيد إبراهيم صورة الصفحة الأولى والأخيرة من المخطوط، ويَظهر من الصفحة الأولى أنَّ هذا العنوان الذي وُضع للكتاب كُتب بخط حديثٍ مغايرلخط المخطوط، وجاءت نسبةُ الكتاب إلى الفخر الرازي بهذا الخط، مما يدلُّ على الافتعال، وقد كَرَّر هذا الكاتب المجهول لفظة الأحكام فقال: "كتاب أحكام البسملة وما يتعلق بها من الأحكام"!
ويظهر من الصفحة الأخيرة أنَّ عنوان الكتاب الصحيح : "مختصر البسملة" وقد أسقط المحقِّقُ لفظة : مختصر"!!
 
6-وبعد كتابة ما تقدّم وقفتُ على نسختين خطيتين مصورتين من مكتبة جستربتي من كتاب "البسملة الصغير" وعليها اسم أبي شامة كالآتي:
 
1-             مختصر كتاب البسملة، تصنيف الشيخ الإمام العالم البارع الحافظ ناصر السنة شهاب الدين أبي محمد عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم الشافعي الدمشقي رضي الله عنه. اختصره من كتابه الكبير في البسملة، نفع الله به. آمين.
وهذه النسخة كتبها علي بن أيوب بن منصور المقدسي الشافعي وذلك في يوم الثلاثاء ثامن عشر ربيع الأول عام أحد وسبع مئة بكلاسة جامع دمشق، ونقلها من نسخة بخط الإمام النووي فرغ من كتابتها يوم الثلاثاء العاشر من شوال سنة اثنتين وستين وست مئة، وسمعه- أي النووي-  بقراءته على مصنِّفه . وتقع في 24 ورقة.
 
2-             كتاب البسملة الصغير لأبي شامة المقدسي رحمه الله ورضي عنه. وتقع في 25 ورقة. وكلاهما ضمن مجموع، برقم :3307 و3502.       
 
 
 وحين نقابل هاتين النسختين بالمطبوع المنسوب إلى الرازي نجزم بخطأ هذه النسبة، وصواب ما ذهبت إليه من أنه لأبي شامة.
 
 
7-وقد طُبع كتاب البسملة الكبير، بتحقيق الشيخ عدنان الحموي، طبعه المجمع الثقافي في أبو ظبي سنة 1425هـ - 2004م.
وإذا ألقينا نظرةً على الكتابين قطعنا كذلك بأنَّ هذا المطبوع المنسوب إلى الرازي مختصرٌ من ذلك الكتاب الكبير.
 
8-إنَّ نقل العلماء عن كتاب البسملة الكبير يدلُّ على أنَّ هذا الكتاب لأبي شامة، فقد قال الإمام السيوطي في مقامته " الفارق بين المصنِّف والسارق" :
"وذكر الإمام أبو شامة في كتاب البسملة له أنَّ بعض الخطباء قد أغار على بعض ما فيه من الإبريز، فنقله بعينه إلى كتابٍ جَمَعَ فيه أربعين حديثاً لرسول الديوان العزيز، فلم يحظ بطائل، إذ لم ينسب القول إلى قائل"
وهذا القول موجودٌ في مقدمة كتاب "البسملة الكبير"، ورأيت في آخر هذا الكتاب المطبوع منسوباً إلى الرازي ص77-78: "وقد أغار بعضُ الخطباء على ما ذكرناه في حديث: "قسمت الصلاة"، وضمنه كتاباً جَمَعَ فيه أربعين حديثاً تقرباً إلى رسول الديوان العزيز، ولم ينسب ذلك إليَّ مع قراءته له عليّ، فعجب الناس من هذه الأمور، وسألوا الله السلامة من كل محذور، فالمتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور".
والخلاصة أن هذا الكتاب المطبوع باسم "أحكام البسملة" منسوباً إلى الفخر الرازي هو كتاب "البسملة الصغير" لأبي شامة المقدسي، فليحذر من هذا العزو المزور.
 
 وأرفق صورة غلاف الكتاب المطبوع و المخطوط الذي اعتمده الناشر، ثم صورة غلاف النسختين الخطيتين اللتين جاء فيهما اسم المؤلف على الصواب. 


تحميل الملف