حقوق اللاجئين والنازحين والمستأمنين في الإسلام والقانون الدولي

التقديم للبحث:

فإن الهجرة القسرية والفرار من الأرض التي يُستَضعف فيها الناس، وتَتَهدَّدُ حياتُهم فيها الأخطار لأسباب مختلفة، أو يتعرض فيها المؤمنون للأذى والاضطهاد بسبب دينهم وإيمانهم، ويفقدون الأمن والأمان، من الحوادث الاجتماعية المتكررة التي ما فتئت تتعرَّض لها المجتمعات البشرية عبر التاريخ في كل زمان ومكان.

وقد شكل المسلمون في العقود الأخيرة بشكل خاص، نسبةً كبيرةً من اللاجئين والنازحين في العالم، "فطبقًا لتقرير «مركز دراسات اللجوء» في «قسم أكسفورد للتنمية الدولية» في جامعة أكسفورد/بريطانيا: ينتمي أكثر من نصف لاجئي العالم، والبالغ عددهم 10 مليون لاجئ، إلى دول إسلامية، بينما يستضيف العالم الإسلامي 9 ملايين من أصل 26 مليون نازح داخليًّا عالميًّا، بمن فيهم أكثر من أربعة ملايين من المُهجَّرين الجدد نتيجة انتفاضات "الربيع العربي" والنزاعات العسكرية التي أعقبتها في ليبيا واليمن والعراق ثم في سورية على وجه الخصوص.

وفي هذه الأيام برزت قضية عشرات آلاف اللاجئين السوريين العابرين للبحار المتجهين نحو قلب أوروبا بحرًا وبرَّا ومشيًا على الأقدام، وانتشرت صور وأخبار الحوادث المتكررة لغرق بعضهم أو اختناقه وموته في حافلات النقل، بمن معهم من أطفال ونساء، في مشاهد مؤلمة ملأت وسائل الإعلام وهزت ضمير البشرية، مشاهد تذكّرنا بحادثة الخروج الجماعي لقوم موسى عليه السلام من مصر نحو سيناء ثم فلسطين هربًا من اضطهاد آل فرعون وظلمهم!

نعم هذه سنة التاريخ، فطالما كانت هناك مذابح وقَتْل وظلم واضطهاد وحرب ودمار، كانت هناك بالضرورة هجرة قسرية عن الديار والأوطان وخروجٌ اضطراريٌّ بحثًا عن السلامة والملاذ الآمن وعن فرصة جديدة للعيش الحرّ الكريم.

ولكننا لاحظنا خلال أمواج النزوح واللجوء البشرية تلك، لاسيما نزوح مئات آلاف السوريين ولجوئهم إلى الدول المجاورة لسورية، منذ أن اندلعت المعارك العسكرية في بلادهم، عددًا من وسائل الإعلام، المقروءة والمسموعة والمرئية، العربية منها والأجنبية، تكرر الكلام عن قضية اللاجئين بوصفهم مشكلةً قائمةً، وعبئًا على الدول المضيفة، وتتحدث عن التكاليف المرهقة لإيوائهم ورعايتهم، ومشاكلهم الصحية والتعليمية، وخطر إحداثهم تغييرًا ديموغرافيا في البلدان التي لجؤوا إليها... ولا نعدم أصواتًا لبعض الساسة المجردين من الوجدان والضمير لا يرون في لجوء اللاجئين سوى ورق ضغط سياسية(!).

ومنهم من يطالب صراحةً بطرد اللاجئين وترحيلهم، ومنع قدوم المزيد منهم وإعادة القادمين من حيث أتوا، في تغافل عجيب عن واجب التضامن والتكافل الذي تفرضه الأخوة الإنسانية على الدول المضيفة غير الإسلامية، وتفرضه الأخوة الإسلامية وتعاليم الإسلام تجاه اللاجئين والمستأمنين، على الدول المضيفة المسلمة.

وكثيرًا ما يتأثر بعض عوام المسلمين من ضعاف الإيمان، بتلك التصريحات الإعلامية، وينساقون وراءها، فتراهم يتجهَّمون باللاجئين، ويتبرَّمون بقدومهم، ولا يشعرون بمحنتهم وكربهم، ولا يرون فيهم سوى عبءٍ مزاحم لهم على لقمة العيش! بدلاً من التعاطف معهم في محنتهم والتخفيف من معاناتهم!

بل قد تجد في الدول المضيفة بعض الأثرياء الذين يستغلون فقر بعض النازحين واللاجئين وفقدانهم الحيلة وسبل العيش، فيتزوجون من بناتهم القاصرات، رغم أنهم من كبار السن، أو يشغِّلون أبناءهم في المعامل أو الوُرَش بأجر بخس، وقد يأكلون عليهم حتى هذا الأجر الزهيد في آخر الشهر (كما سمعنا بمثل هذه الحالات والشكاوى مرارًا)، في تناسٍ وتنكُّرٍ مؤسف للأخلاق الإسلامية والوصايا الربانية القرآنية وكل التعاليم النبوية المحمدية حول الأخوة الإسلامية، ووجوب التراحم بين المؤمنين، وحرمة استغلال فقر الضعفاء منهم، وحول أمة الجسد الواحد الذي إذا أصاب جزءًا منه الضرُّ هبت الأجزاء الأخرى لمواساته ونصرته، وحول أمة البنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضًا، وما يفرضه ذلك على المؤمنين من تكافل وتضامن فيما بينهم، وحول كل تلك الآيات والأحاديث التي تحث على إغاثة الملهوف ونجدة المصاب وإطعام الطعام والرحمة بعباد الله. وحول ما أوجبه الله تعالى في كتابه الكريم على المسلمين من الاستجابة لمن استجار بهم وطلب الأمان.

إن الشعور بفقدان هذه المعاني الإسلامية أو البعد عنها أو الجهل بها لدى شرائح من المسلمين هو الذي حفَّز إلى تأليف هذه الرسالة حول "حقوق اللاجئين والنازحين المستأمنين في الإسلام والقانون الدولي"..

فكم من المحزن أن نجد من يتصور خاطئًا أن الغرب والمنظمات الإنسانية الغربية هي أول من أوصى بحقوق اللاجئين واعتمدها بما وضع من اتفاقيات خاصة بوضع اللاجئين، لاسيما "النظام الأساسي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤن اللاجئين"، مع أن الحقيقة هي أن هذه الجهود الإنسانية الطيبة والمشكورة من المجتمع الدولي، لا تعدو تحركًا في اتجاه التعاليم الربانية القديمة في هذا المجال، وتأكيدًا على ما أمر به الإسلام بهذا الخصوص منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان.

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

تحميل الملف