تأثير اللغة العربية في اللغة التركية

التقديم للبحث:

لا ريب أن اللغة العربية ركن أساس من أركان وحدة أمتنا الإسلامية، وعمود محوري من أعمدة قوتها، إنها دعامة بقاء وعنصر تفوق لهذه الأمة، وكلّما اتسعت حضارة أمة، نهضت لغتها وسمت أساليبها، وتعددت فيها فنون القول، ودخلت فيها ألفاظ جديدة عن طريق الوضع، والاشتقاق والاقتباس أو الاقتراض للتعبير عن المسميات والأفكار الجديدة.

ولقد خصَّ الله تبارك وتعالى اللغة العربية لكتابه الحكيم لأنها لغة لها مميزاتها وخصوصياتها، قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:2].

وقال أبو الحسين أحمد بن فارس المتوفى سنة (395 هـ): "فلما خَصَّ - جل ثناؤه - اللسانَ العربيَّ بالبيانِ، عُلِمَ أن سائر اللغات قاصرةٌ عنه، وواقعة دونه".

ومن المعلوم أن الشعوب الإسلامية تأثرت كثيراً بلغة القرآن الكريم، لفهم الدين وتعاليم الإسلام، وتلاوة القرآن الكريم الذي يُعّدُّ عبادة لا يتمُّ الأجر عليه إلا باللسان العربي، وهكذا أصبحت اللغة العربية لغة الدين والثقافة والحضارة، لأنها من أقدم اللغات التي ما زالت تتمتع بخصائصها من ألفاظ وتراكيب وصرف ونحو وأدب وخيال، مع الاستطاعة في التعبير عن مدارك العلم المختلفة.

ونظرًا لتمام القاموس العربي وكمال الصرف والنحو فإنها تعدّ أمّ مجموعة من اللغات تُعرف باللغات الأعرابية، أي التي نشأت في شبه جزيرة العرب، أو العربيات من حميرية وبابلية وآرامية وعبرية وحبشية.

إلا أن علماء اللغة حديثًا يصنفون كل السلالات اللغوية والعودة بها إلى لغة (أم) أطلقوا عليها (اللغة السامية)، وأول من أطلق هذه التسمية هو العالم النمساوي (شولتزر) عام 1781م، وواضح أنها تسمية عنصرية اقتبسها من نص من نصوص التوراة المكتوبة بأيدي الأحبار (العهد القديم، الإصحاح 10 سفر التكوين)، في ظل تقسيم وهمي للأجناس البشرية مستمد من أبناء نوح وهم: سام وحام ويافث، فكيف ينشأ ثلاثة إخوة في بيت واحد ويتكلمون ثلاث لغات؟!

وبناء على ما تعارفوا عليه من أن اللغة العربية تنتمي إلى مجموعة "اللغات السامية، التي تضم أيضاً الكنعانية والفينيقية والعبرية والآرامية والنبطية والبابلية والسريانية والحبشية، ولقد اندثرت غالبية تلك اللغات ولم يبق منها سوى آثار ورسوم على الأحجار والجلود، أما اللغة العربية فعاشت وبقيت ولا تزال تنتشر، بل وتتوسع في بقاع من الأرض عديدة".

إن قوة اللغة في أمة ما، تعني استمرارية هذه الأمة بأخذ دورها بين بقية الأمم؛ لأن غلبة اللغة بغلبة أهلها ومنزلتها بين اللغات صورة لمنزلة دولتها بين الأمم.

عاشت اللغة العربية فترة طويلة من عمر البشرية بوصفها لغة رسمية عامة، لشعوب وأجناس شتى، وشملت كل مناحي الحياة اليومية، فكانت لغة الحياة الخاصة والثقافة العامة، ولم يكن بدٌ لمدعي فكرٍ ومعرفةٍ من أن يتقنها.

وقد جعل المسلمون من حقبة حكمهم بوتقة انصهار ذابت واختلطت فيها قوميات وملل ولغات شتى، حملوا فيها راية القيادة في مضمار الحضارة البشرية.

إن اللغة العربية امتازت بحيوية نفاذة متأججة بحيث لم تنازل لغة أيام الفتوحات الإسلامية إلا ظفرت بها، فظفرت في العراق باللغتين الآرامية والسريانية، وفي إيران انتصرت على اللغة الفارسية وظفرت بها، وفي الشّام باللغتين السريانية واليونانية، وفي مصر باللغتين القبطية واليونانية، وفي المغرب باللغتين البربرية واللاتينية، وفي الأندلس باللغة الإسبانية، وأهل كل هذه البلدان شرقاً وشمالاً وغرباً زايلت لغاتهم ألسنتهم وحلت مكانها العربية واتخذوها للتعبير عن مشاعرهم شعراً ونثراً، وعن عقولهم وألبابهم فكراً وعلوماً وسياسية".

ذلك لأنهم كانوا يقولون عن الخط العربي: الحرف الشريف، فقد "غلبت على غيرها من اللغات "لأنها لغة القرآن الكريم أولاً، ثم بفضائلها الذاتية ثانياً".

تحميل الملف