الزكاة لمشاريع الدعوة

إلى أصحاب الأموال ..

أين تضعون زكواتكم وصدقاتكم ؟

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه، وبعد:

أيها الإخوة المسلمون، أيها المحسنون ..

إن من أعظم أبواب الجهاد في سبيل الله، الجهاد بالمال. ولقد جاء في كتاب الله ذكر الجهاد بالمال والنفس في تسعة مواضع، وقدم ذكر المال على النفس فيها. 

كما جاء الحض على أداء الزكاة والإنفاق في سبيل الله مطلقاً، وجعل الله ذلك سبباً للتزكية والتطهير: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ﴾ [التوبة: 103].

ووعد سبحانه وتعالى المنفقين بالحفظ في أموالهم وأنفسهم وأولادهم وذرياتهم كما وعد أن يُخلِف على المتصدقين بأضعاف مضاعفة، يقول الله تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261]، ويقول سبحانه: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 265-266].

فإذا صار هذا بدهياً فيبقى أن نعلم أن من أهم الواجبات أن يحسن المسلم وضع صدقته وزكاته في مكانها الصحيح ، لذا جاء في سياق آيات الإنفاق قوله تعالى: ﴿ يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269] 

ولقد بين سبحانه مصارف الزكاة في قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60].

وإذ نرى أن المسلمين يبادرون إلى دفع زكواتهم وصدقاتهم إلى الفقراء والمساكين وربما يبادرون إلى بناء المساجد ونحوها من أعمال الخير؛ لكننا نلحظ اليوم أن الأمة الإسلامية تواجه تحدياً حضارياً رهيباً، وحرباً شعواء تستهدف وجودها وعقيدتها وثقافتها وقيمها وأخلاقها، ونلاحظ أن أمتنا اليوم أحوج ما تكون إلى مواجهة هذه التحديات لتكون قادرة على استشراف الوضع العالمي المعقد والقدرة على السير في مشروعات عملية على ضوء هذا الاستشراف، وأنها أحوج ما تكون إلى العقول الإسلامية الواعية وإلى المختصين في كل مجالات الحياة، وإلى بناء قدرتها الذاتية في العلم والإعداد بكل جوانبه، وهي أحوج ما تكون إلى القيام بأعباء الدعوة وإيجاد العلماء المخلصين والدعاة العاملين، كما أنها تواجه أعباء خاصة تترتب على ما تتعرض له من استنزاف واستهداف؛ حيث أننا أصبحنا أمام سيل من المهاجرين والمنكوبين والمشردين ومن دمرت بيوتهم ومصالحهم، وأمام مئات الآلاف من الأسرى والجرحى والمرضى والملايين من أسر الشهداء والأرامل والأيتام؛ فكان من أهم الواجبات معرفة كيف تستطيع الأمة اليوم أن توظف المال في إقامة فروض العين وفروض الكفاية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أحوال المسلمين، وتحريك الجميع نحو خدمة القضايا المشتركة.

من هنا ونتيجة لموازنات شرعية كثيرة نرى أنه لا شيء في عصرنا يعدل أن تدفع الزكاة إلى جهات خمس مع مراعاة مصارف الزكاة الأخرى والفتوى والتقوى:

1- المؤسسات الدعوية الراشدة والدعاة إلى الله على بصيرة.

2- تخريج العلماء في الشريعة ومختلف الاختصاصات الكفائية للأمة.

3- الجماعات والهيئات الإسلامية العاملة المخلصة.

4- الحركات الجهادية الإسلامية الصادقة المعتدلة البعيدة عن الغلو والتطرف.

5- المؤسسات الموثوقة التي تقوم على الأعمال الإغاثية التي تتصل بالمهاجرين والمنكوبين والجرحى والمرضى وأسر الشهداء والأرامل والأيتام المحتاجين، وغيرها ممن هو في حكمها. 

وكل هذه الجهات يشملها سهم "في سبيل الله" على أرجح الأقوال عندنا وهو قول كثير من أهل العلم قديماً وحديثاً.

قال الشوكاني في تفسيره: " ﴿ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ هم الغزاة والمرابطون يعطون من الصدقة ما ينفقون في غزوهم ومرابطتهم وإن كانوا أغنياء ، وهذا قول أكثر العلماء. اهـ

وقال الصنعاني: "في الكلام على حديث ‹‹ لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة ›› الحديث : كذلك الغازي يحل له أن يتجهز من الزكاة وإن كان غنيًا ؛ لأنه ساع في سبيل الله .قال الشارح : ويلحق به من كان قائمًا بمصلحة عامة من مصالح المسلمين ، كالقضاء والإفتاء والتدريس - وإن كان غنيًا - . وأدخل أبو عبيد من كان في مصلحة عامة في العاملين . وأشار إليه البخاري حيث قال: ( باب رزق الحاكم والعاملين عليها ) وأراد بالرزق ما يرزقه الإمام من بيت المال لمن يقوم بمصالح المسلمين كالقضاء والفتيا والتدريس فله الأخذ من الزكاة فيما يقوم به مدة القيام بالمصلحة وإن كان غنيًا". اهـ

وقال المباركفوري: "وقيل اللفظ عام فلا يجوز قصره على نوع خاص، ويدخل فيه جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الجسور والحصون وعمارة المساجد وغير ذلك . نقل ذلك القفال عن بعض الفقهاء من غير أن يسميه كما في حاشية تفسير البيضاوي لشيخ زاده، وإليه مال الكاساني إذ فسره بجميع القرب ، قال في البدائع : سبيل الله عبارة عن جميع القرب ويدخل فيه كل من سعى في طاعة الله وسبيل الخيرات إذا كان محتاجًا . وقال النووي في شرح مسلم : وحكى القاضي عياض عن بعض العلماء أنه يجوز صرف الزكاة في المصالح العامة وتأول عليه هذا الحديث أي ما روى البخاري في القسامة أنه - صلى الله عليه وسلم - وداه - أي الذي قتل بخيبر - مائة من إبل الصدقة." اهـ

قال الكاساني: "وأما قوله ﴿ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ عبارة عن جميع القرب فيدخل فيه كل من سعى في طاعة الله وسبيل الخيرات إذا كان محتاجًا." اهـ

وقال الألوسي:" ﴿ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ أريد بذلك عند أبي يوسف منقطعو الغزاة، وعند محمد منقطعو الحجيج، وقيل : المراد طلبة العلم، واقتصر عليه في الفتاوى الظهيرية ، وفسره في " البدائع " بجميع القرب فيدخل فيه كل من سعى في طاعة الله تعالى وسبل الخير".

وقال السيد رشيد رضا في تفسيره المنار بعد استعراضه الأقوال التي قيلت في المراد بقوله تعالى ﴿ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ ما نصه :"والتحقيق أن سبيل الله هنا مصالح المسلمين العامة التي بها قوام أمر الدين والدولة دون الأفراد ، وأن حج الأفراد ليس منها ؛ لأنه واجب على المستطيع دون غيره، وهو من الفرائض العينية بشرطه كالصلاة والصيام لا من المصالح الدينية الدولية ؛ ولكن شعيرة الحج وإقامة الأمة لها منها فيجوز الصرف من هذا السهم على تأمين طرق الحج وتوفير الماء والغذاء وأسباب الصحة للحجاج إن لم يوجد لذلك مصرف آخر."اهـ

وقال أيضاً : " ﴿ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ وهو يشمل سائر المصالح الشرعية العامة التي هي ملاك أمر الدين والدولة ، وأولاها بالتقديم الاستعداد للحرب بشراء السلاح وأغذية الجند وأدوات النقل وتجهيز الغزاة - إلى أن قال - ومن أهم ما ينفق في سبيل الله في زماننا هذا إعداد الدعاة إلى الإسلام وإرسالهم إلى بلاد الكفار من قبل جمعيات منظمة تمدهم بالمال الكافي." اهـ

وسئل الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية الأسبق عن جواز الدفع لبعض الجمعيات الخيرية الإسلامية من الزكاة . فأفتى بالجواز ، مستندًا إلى ما نقله الرازي عن القفال وغيره في معنى سبيل الله .

وقد استدل أصحاب هذا القول على قولهم بأن اللفظ عام فلا يجوز قصره على بعض أفراده دون سائرها إلا بدليل ولا دليل على ذلك ، وما قيل بأن حديث عطاء بن يسار: ‹‹ لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة ›› وذكر منهم غاز في سبيل الله يعين أن سبيل الله هو الغزو فغير صحيح، ذلك أن غاية ما يدل عليه الحديث هو أن المجاهد يعطى من سهم سبيل الله ولو كان غنيًا، وسبل الله كثيرة لا تنحصر في الجهاد في سبيل الله.

وقال سيد قطب رحمه الله رحمه الله:" ﴿ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ وذلك باب واسع يشمل كل مصلحة للجماعة تحقق كلمة الله ، وفي أولها إعداد العدة للجهاد وتجهيز المتطوعين وتدريبهم وبعث البعوث للدعوة إلى الإسلام وبيان أحكامه وشرائعه للناس أجمعين وتأسيس المدارس والجامعات التي تربي الناشئة تربية إسلامية صحيحة فلا نكلهم إلى مدارس الدولة تعلمهم كل شيء إلا الإسلام ولا مدارس المبشرين تعتدي على طفولتهم وحداثهم وهم لا يملكون رد العدوان."اهـ

وأخيراً فإننا نرى أن رابطة العلماء السوريين من الهيئات الإسلامية الراشدة التي تقوم بأعمال الدعوة إلى الله ونشر العلم، وترشيد ودعم تطلعات أهلنا نحو الحرية و الانعتاق من الظلم و الطغيان، بكل ما تستطيع، وعليه فإننا نرى ونؤكد أن دفع الزكاة إلى هذه الجهة صحيح ومشروع ومبرور، ونرجو لمن يساهم في ذلك أن ينال أجر الزكاة وأجر الجهاد في سبيل الله، والله ولي التوفيق.

هذا والله أعلم, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.