الفقه السياسي عند الامام الغزالي

فإن موضوع الفقه السياسي من الموضوعات المهمة والتي ينبغي أن تتوجه إليها عناية الباحثين في علوم الشريعة الإسلامية عامةً ، والباحثين في السياسة خاصةً ، وذلك لما لهذا الفقه من دورٍ كبيرٍ في مواجهة الواقع الذي نعيشه بسياساتٍ تهتدي بأصول الشريعة ومقاصدها العامة ، وقد امتلأ تراثنا الفقهي بالكثير من الأبحاث في فقه السياسة الشرعية ، ولكن الكثير من هذه الكنوز لم تر النور بعد ، أو لم تنل الاهتمام الجدير بها ، وهذا الأمر يستدعي تضافر جهود الباحثين والعلماء لإحياء تراثنا الفقهي السياسي ليستهدي به السياسيون المعاصرون في صناعة سياسةٍ مهتديةٍ بقواعد الشرع ومقاصده .

ومن العلماء العظماء الذين أغنوا تراثنا الفقهي السياسي حجة الإسلام الغزالي رحمه الله ، وذلك في العديد من كتبه كالإحياء و فضائح الباطنية والاقتصاد في الاعتقاد والتبر المسبوك في نصيحة الملوك وغيرها .

يركز الإمام الغزالي في فقهه السياسي بشكلٍ كبيرٍ على منصب الإمامة ويسوق الكثير من الأدلة الشرعية والعقلية على وجوب إقامة هذا المنصب لما يحققه من مقاصد إسلاميةٍ كبيرةٍ ، ويوجه الغزالي خطاب الوجوب إلى أهل الحل والعقد ومن ورائهم الأمة جمعاء ، ويرى أن الإسلام لا تقوم له قائمةٌ من غير إيجاد منصب الإمامة الذي يحمي الدين ويجمع شتات المسلمين ، ويدفع صولة الأعداء المتربصين بديار المسلمين ، ولذلك نجده يستميت في الدفاع عن الإمامة رغم تحولها إلى منصبٍ رمزيٍ في زمانه ، وذلك حفاظاً على وحدة المسلمين .

من جهةٍ أخرى نرى الإمام الغزالي يقف سداً منيعاً في وجه الفكر المنحرف الخبيث الذي كان يبثه دعاة الباطنية والذي يهدف لإسقاط الإمارات السنية وإحلال الحكم الباطني الرافضي المنحرف مكانها ، وقد كتب الغزالي كتابه ( فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية ) دفاعاً عن الخلافة السنية وتفنيداً لمزاعم المشروع الباطني الرافضي الخبيث.

- كما أن الإمام الغزالي رحمه الله واجه انحراف بعض الولاة الظلمة في زمانه ، و قد دعا إلى إقامة نظام الحسبة في المجتمع ، وأن يكون هذا النظام قاضياً على كل طبقات المجتمع من رجل الشارع العادي إلى الحاكم ، كما انتقد بشدةٍ أخطاء الولاة الظلمة ودعاهم إلى الخروج عن المظالم وإعطاء الحقوق لأصحابها ، فإن لم تنجح وسائل الإصلاح معهم فيكون الانتقال إلى مرحلة المقاطعة الشاملة لهم ، حتى يتم حصرهم في أضيق نطاقٍ تنكسر شوكتهم فينزلوا إلى حكم الشرع ويردوا الحقوق إلى أصحابها ، ويقيموا ميزان الحق والعدالة .