قبسات من نور النبوة

في أواخر القرن السادس من الميلاد، خيَّمت على العالم ظلماتُ الجهالةِ، وأحاطت به سُـبُلُ الضلالةِ، فانحطّ العقل البشريّ حتى عبَدَ الحجارةَ، وقسا القلبُ الإنسانيّ حتى وُئدت البناتُ بأيدي آبائهنّ، فكان لابدّ لهذا العالم مِن هدىً يقمَعُ شرّ الضلالاتِ، ويُنقِذ الإنسانيّة المعذّبةَ من ويلاتها وبلائها، وأصبح المجتمع أحوجَ ما يكون إلى علم يمحو هذه الجهالات، ونُور يقشَعُ تلك الضلالاتِ...

وأراد الله رحمة العالم، فبعث الرسول الأعظم محمداً صلى الله عليه وسلم، وأشرقت شمس الرسالة في مكة قلب البلاد العربية، وانبثق الوحي الإلهي من غار حراء، في قمّة ذلك الجبل الأشمّ، وشعَّ الهدْي النبوي في أزكى بيوت قريش نسباً، وأسماها شرفاً.

قام هذا النبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم بأعباء الرسالة، وتحمّل في سبيلها من المشاقّ ما أظهر عظَمة النبوة في حلم وكرم، وثبات وجلد؛ ودارَ الفلك دورته، فكانت الهجرة إلى المدينة، حيث أشرق هذا النور منها على العالم، وعاش الناس بفضل الإسلام في بحبوحة العلم، وطمأنينة الهدى، وكنف السعادة.

ولم يكن من السهل لأي إنسان ـ مهما بلغ من القوة والعظمة ـ أن يقوم بهذه الرسـالة، فيفتح أعيناً عُمياً، وقلوباً غُلفاً، وآذاناً صُماً، إلاّ أن يكون له عون من الله تعالى، ربّ الرسالة، وموجد هذه الخليقة.

وإن مثل هذه الشخصية الكريمة لجديرة بأن تكرّر ذكراها كلّ آنٍ على كلّ قلب، ليقتبس الناس من شمائلها وفضائلها ما يشفي مجتمعاتهم من أمراضها، ويقرّبهم من الخير الذي تبحث عنه الإنسانية هنا وهناك، فيبدّلهم من خوفهم أمناً، ومن ذلهم عزاً، وينقلهم من مهاوي الشقاء إلى مرافل السعادة والهناء.

وقد رأينا الكثير من ناشئتنا وأبنائنا لا يعلمون شيئاً عن صاحب هذه الرسالة العظمى، إلاّ ما سمعوه من أفواه تُشوّه الحقائق، أو قرؤوه من كتب تلبّس الحوادث، وتمسخ التاريخ، وتلبسه ثوباً لا يتلاقى مع واقع الإسلام، ولا مع رافع لوائه سيّدنا محمد عليه الصلاة والسلام.

فكتبنا هذه (القبسات) النبويّة موجزين فيها ما أمكن، لتكون في صفحات يتمكن الباحث من قراءتها في زمنٍ قليل، مقرِّين أن الكتابة في نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم خوض في بحر لا يصل فيه الكاتب إلى شاطئ، ناقلين ما كتبنا عن أوثق المصادر المعتمدة، مقتصرين على النصـوص الناطقـة في موضوعها، ومعلّقين عليها عند الحاجة، بقدر ما يُنير السبيل، ويفهم الغاية، ليكون كلّ مسلم على معرفة صادقة من نشأة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، ونسبنا كل قول وخبر إلى مصدره، أداءً للأمانة، وتأييداً للثقة به. والله ولي التوفيق.

حلب ـ الجبيلة في 30 من جمادى الآخرة 1370هـ

عبد الفتاح أبو غدة        وأحمد عز الدين البيانوني

 

تحميل الملف