الدكتور محيي الدين الصافي

توفي اليوم أستاذنا وشيخنا الجليل العلامة المتكلم أحد كبار علماء الأزهر سنا وفضلا الأستاذ الدكتور محيي الدين أحمد الصافي عن قرابة التسعين عاما قضاها في التعلم والتعليم.

نشأ شيخنا في الريف المصري في بيت عز وشرف، ودخل الأزهر صغيرا وتدرج فيه حتى تخرج من كلية أصول الدين التي كانت بمنطقة الخازندار، وكان من أقرانه العلامة الجليل بقية السلف الشيخ د حسن الشافعي حفظه المولى.

وكان شيخنا نابها مكبا على التحصيل فتلقى العلم عن هذه الكوكبة الجليلة من كبار علماء الأزهر الأنور وهم المشايخ الأجلة عبدالحليم محمود وسليمان دنيا وسليمان خميس ومحمديوسف الشيخ وصالح موسى شرف ومحمد غلاب وأحمدالشرباصي ومحمدعلي السايس وصالح الجعفري وغيرهم من الأجلة البدور الذين يغني اسمهم عن تلقيبهم بألقاب المدح والتبجيل.

ثم توجه شيخنا للتدريس في المعاهد الأزهرية أيام كانت معاهد علمية رصينة تدرس الكتب القديمة فمكث فيها ردحا من الزمن ثم عاد مرة اخرى إلى كلية أصول الدين بالأزهر فأكمل دراسته العليا وحصل على الدكتوراه وانتقل الى التدريس في الكلية وتدرج فيها حتى صار عميد الكلية مرتين في ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته.

عرف شيخنا بالحزم في الإدارة والجد في التدريس فلا يكاد يغيب عن محاضرة ولا يجامل طالبا في علامة لا يستحقها وإذا كان عضوا في امتحان شفوي او (تعيين) أخرج المصحف من محفظته فسأل ما لا يقل عن عشرة أسئلة من مواضع متشابهة ثم يسأل الطالب في علوم المعقول سؤالا إثر سؤال، ولكنه كان على الرغم من ذلك متواضعا رقيق القلب، وخصوصا بعدما كبرت سنه، فربما سبقت عينه الدمعة عند ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم واحوال الصالحين.

وكان شيخنا متكلما منطقيا سنيا أشعريا معتزا بأزهريته وكم سمعناه يدعو الله أن يحفظ الأزهر ويصرف عنه شر الاعداء وكان يخص امريكا من بين الأعداء بالدعاء، وكان رحمه الله غيورا على عقيدة أهل السنة والجماعة يحذرنا من خلطها بتجسيم، وأخبرنا أنه رد على الحافظ ابن تيمية في عقر دار مريديه في السعودية حين كان معارا الى إحدى جامعاتها وأنهم استدعوه وناقشوه فكان صريحا لا يجامل ولا يداهن فلم يجددوا له العقد.

وكان شديدا على الفلاسفة معظما حجة الإسلام الإمام أبا حامد الغزالي رحمه الله ينقل عنه ويتتبع خطاه وخصوصا في كتابه تهافت الفلاسفة، وقد كتب شيخنا الصافي في نقدهم والرد عليهم كتابه الماتع (قضية التوفيق بين الدين والفلسفة).

ولما أقمت بمصر لطلب العلم في الأزهر حرصت على حضور محاضراته المفيدة في السنة الرابعة من كتابه (النبوات والسمعيات في العقيدة الاسلامية)، ثم حظينا به في الدراسات العليا فقرر لنا ما تيسر من الموقف السابع في الإلهيات من كتاب شرح المواقف للسيد الشريف الجرجاني، وكان يكرمنا كل درس فيشتري لنا كوب الشاي ويلزمنا بشربه ويدفع الثمن دون زيادة ولا نقصان ثم يقول: اقرأ يا سيدي..

ثم إن شيخنا توجه في أوائل عام ٢٠٠٠ إلى الجامع الأزهر فجلس يدرس في ظلته الفاطمية وعند رواق المغاربة كتابه ( محاضرات في العقيدة الإسلامية) ثم حاشية الامام البيجوري على جوهرة التوحيد ثم حاشية الأمير على شرح عبدالسلام على الجوهرة وكان يحضر درسه عشرات الطلاب وسجل بعضها ونشر على اليوتيوب.

وللشيخ مؤلفات أخرى غير ما ذكرته منها كتابه المفيد( توضيح المنطق القديم).

رحم الله شيخنا رحمة واسعة وأعلى مقامه وأجزل مثوبته ورفع في الصالحين درجته وجزاه عنا خير الجزاء.