الشيخ وحيد بحلاق

قصة كثيراً ما سمعتها من شيخي وشيخ حمص الشيخ وصفي المسدي رحمه الله أبو أحمد 

وبدون مقدمات 

استلم الشيخ وصفي إدارة المعهد العلمي الشرعي مدة - نهاية الأربعينات وأوائل الخمسينيات -، والشيخ إداري حازم بل شديد ومدرس ناجح. 

وفجأة ذهب الشيخ وصفي مغاضباً وشاكياً إلى مرجعه الإداري وشيخه وشيخ الفقهاء ورئيس جمعية العلماء الشيخ عبد القادر الخجه أبو حسن ( في دكانه ) رحمه الله وقدم له استقالته من المعهد.

وبكل هدوء تبسم الشيخ عبد القادر، وسأل الشيخ وصفي عن السبب ؟ 

فقال له : ياشيخي نحن نُعَلًّم الطلاب خمس سنوات، ونتعب عليهم، وبعد أن يتخرجوا ليكونوا خطباء وأئمة ومرشدين للأمة إذا ببعضهم يذهب للمدارس العامة ويتركون التعليم الشرعي بمعنى أننا نزرع ونتعب عليهم ولا نقطف الثمرة المرجوة منهم. 

هنا وبكل هدوء وحكمة قال له الشيخ عبد القادر: هذا السبب الوحيد لاستقالتك ؟ 

قال: نعم. قال له: يا وصفي هل كل الطلاب يغيرون مسارهم ؟ قال : لا. 

قال: يا وصفي ألا يبقى من هؤلاء الطلاب قسم يثبتون ويكونون علماء لهذا البلد ؟قال: نعم. 

قال: ياوصفي ألا يتخرج منهم كل سنة واحد فقط ليكون عالماً ؟ قال: نعم بل أكثر بكثير.

قال: ياوصفي أنا أرضى أن يتخرج من معهدنا عالم واحد سنوياً وأعتبره كنزاً ومغنماً فكيف لو كان أكثر من واحد كما تقول، فهدأ غضب الشيخ وصفي فجأة وبكل أدب قال لشيخه فوراً: رجعت عن استقالتي واقتنع بكلامه. 

والآن قد تتجرؤون عليَّ وتقولون لي وما مقصودك من هذه المقدمة ؟ 

أقول لكم: قصدي هو الدخول على عنوان منشوري اليوم لأحدثكم عن غرسة من غرسات هذا المعهد عن واحد ممن اعتبرهم الشيخ عبد القادر الخجه كنزا وثروة لحمص 

وهو أخي وزميلي الشيخ وحيد بحلاق رحمه الله أبو صالح خريج هذا المعهد. 

نشأ الشيخ وحيد في بيئة متدينة وفقيرة، وكان طفلاً تبدو عليه البساطة يعني ( على البركة) وسجله أهلَّه في المعهد وقليل من كان يظن -وأولهم أنا- أن الشيخ وحيد يستطيع إتمام الدراسة. 

وفجأة يفتح الله على هذا الطالب وتتفتح مداركه ويلحظ مشايخه عليه أن ثمة دعوة طيبة لحقته من والديْه أو مشايخه وخصوصا الشيخ الصالح محمد معيني رحمه الله 

ويتخرج الشيخ وحيد، ويصبح عالماً يؤم الناس في مسجد الصحابي الجليل عكاشة رضي الله عنه وخطيباً في أكثر من مسجد ثم يصبح مدرساً في نفس المعهد الذي تخرج منه .

زاهد ورع بسيط ترى في وجهه كل ملامح الصلاح يلتمس دعاؤه وبركته والشيخ وحيد بحلاق رحمه الله يكاد يكون وحيداً ممن ليس لهم نفس تطالبك بحظها وليس له ظاهر يخالف باطنه وما في قلبه هو على لسانه لا يعرف الترفع على أقرانه ولا التصنع، فطرة صافية وسجية طاهرة ولا يحقر أحدا وهو محب ومحبوب 

وأكثر من ذلك أن الله فتح عليه في علم الفرائض (المواريث) فتحاً عجيباً حيث تمكن من هذا العلم وملك قياده ودرسه بجدارة وألف كتاباً فيه وأصبح من أوائل الفرضيين في حمص 

ويعتبر فقيها حنفياً متمكناً

كما أن الله فتح عليه في شعر المديح النبوي فغطت قصائده الساحة 

لا يمل من حضور مجالس الذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

وصوته في القرآن الكريم خاشع وفِي المديح عذب وحنون. 

كما أنه صار له علم بالأصوات والمقامات .

وكل هذا في كفة وقربه من الناس في كفة حيث صار له في حمص جمهور يألفهم ويألفونه.

وعلى الرغم من قلة ذات يده فكرمه عجيب. 

لم يعمر الشيخ طويلاً ، مرض مرضاً شديداً وصبر على مرضه صبرا جميلاً 

يذهب الناس ليعودوه وهو في أشد الحالات فيسليهم بقصصه وقصائده 

رحمك الله أبا صالح وبارك في ولدك الشيخ صالح وبكل ذرياتك، ونور ضريحك، وجزاك الله ومشايخك ووالديك خير الجزاء.