في وداع أخي الكبير الأستاذ عادل كنعان

 

إنا لله وإنا إليه راجعون

ولا حول ولا قوة إلا بالله

جاءني الآن نعي أخي الكبير الفاضل الأستاذ عادل كنعان تغمده الله تعالى بواسع رحمته ومغفرته ورضوانه، عزائي لأهله وإخوانه وتلامذته، ولأهل قطر الكرام، وللسوريين المنكوبين وسائر بلاد الشام وبلاد العروبة والإسلام...

لقد كتبت عنه في أحد هوامش كتابي عن شيخنا (مصطفى السباعي) الذي مضى على طبعته الثانية الآن خمسة عشر عاماً- وكان قد أمدني ببعض المعلومات عن الشيخ - ما يلي:

(الأستاذ عادل كنعان، أحد رجال التربية الأفاضل، من مواليد مدينة حلب عام 1925م، تخرج في معهد الحقوق بدمشق عام 1949، وعُيِّن مدير ناحية في وزارة الداخلية لعدة سنوات، افتتح بعدها مدرسة خاصة باسم (ثانوية الغزالي) بحلب، وكان مديراً لها حتى عام 1966، ثم انتقل للعمل في الدوحة مديراً لمدرسة قطر الإعدادية، ثم مسؤولاً في التفتيش الإداري والمالي حتى أحيل على المعاش، وهو من الرعيل الأول الذي صحب الأستاذ السباعي ، ولم ينقطع عن العمل في صفوف الدعوة الإسلامية من أيام (دار الأرقم ) بحلب، وهو كثير القراءة، واسع الاطلاع، وقد أفدت من ملاحظاته في بعض المراجعات والتصويبات، كما أفدت كذلك من ملاحظات الأخ الأستاذ هاني طايع الذي لم يبخل عليَّ بالمزيد من المراجع والدوريات... شكر الله للأخوين الكريمين، وجزاهما كل خير.

ثم مضى هاني (أبو ربيع) إلى ربه، منذ بضع سنوات، واليوم يمضي عادل (أبو عمار) رحم الله الأخوين الكريمين، وجزاهما عن العلم والدين، وعن عباده، أفضل الجزاء...

وأذكر أن الأخ أبا عمار اتصل بي في ضحى أحد الأيام- وكنت أسكن في فريج السودان بالدوحة- وقال: إني قادم إليك، وحضر وبيده نسخة من كتابي المشار إليه عن مصطفى السباعي، وقال لي : الآن فرغت من قراءة الكتاب... وأريد أن أقول لك: لو أنك لم تكتب طيلة حياتك إلا هذا الكتاب... لكفى... وكان رحمه الله شديد التأثر بما احتفظت به للأستاذ السباعي من حقه في كتابة التاريخ بوصفه أحد العظماء الذي عرفتهم سورية- وسائر البلاد العربية والإسلامية- في العصر الحديث.

ولكن أين سورية الآن؟ يا للحسرة التي تقطع نياط القلوب!

لقد مات الأخ أبو عمار وسورية قد مزقتها الجراح والآلام... ودم أطفالها ونسائها وشيوخها يسفك في كل يوم بأيدي عصابات الوحش والإجرام التي اجتمعت عليها من روسيا وإيران والعراق، ومن كل مكان، من صليبيين ومنافقين وفجّار وكذبة وحاقدين ومأجورين! ولا ريب في أن أسوأ هؤلاء وأكثرهم توحشاً هم المنافقون الحاقدون... أصحاب إسلام الضرار...

ويا للحسرة التي كانت تملأ قلب الأخ أبي عمار... لقد دفنت حلب بين يديه قبل موته... لم يشهد أبو عمار -ولا حول ولا قوة إلا بالله- فقط دفن مدينته الماجدة العريقة حلب... بتاريخها الحافل وثقافتها الباهرة، وأعلامها الكبار... ولكنه شهد كذلك موت ضمير الإنسانية... أو ضمير الإنسان في الشرق والغرب.

ويا لعجائب المفارقات... لقد عاش أبو عمار طيلة حياته يربِّي الضمائر، ويفتح البصائر ، ويثري العقول، ولكنه لم يمت – حتى شهد موت الضمائر ، وعمى البصائر ، وطمس العقول.

لقد عرفت المربي الفاضل الأستاذ عادل كنعان من أصدق الناس لهجة، وألينهم عريكة ، وأخفضهم صوتاً، وأعفّهم لساناً، وأطولهم صمتًا، وأكثرهم – إن شاء الله تعالى – إنابةً وعبادة وتقوى.

وإذا كانت هذه الصفات ممَّا يعرفه أهله وإخوانه وسائر محبيه، فقد لا يعرف عنه كثير من الناس أنه كان من أكثر المثقفين قراءة واطلاعاً، فقد كان يقرأ بنهم، وبوعي وإفادة وحسن توظيف، ولا أذكر أن اسم كتاب طرق سمعه في بعض الجلسات العلمية إلا وقد قرأه أو اطلع عليه، أو وقف على فكرته العامة ومكانة مؤلّفه.

وقطر التي عاش في رحابها ، وقام فيها على تربية الأجيال...أحبها وأحبته، ووفى لها ووفت له، مثله في ذلك مثل أخيه وزميله - وشيخه كما كان يدعوه- إمام الدعوة الإسلامية يوسف القرضاوي مدَّ الله في عمره ، وأمتع به أمة الإسلام.