العلامة المفسر الدكتور فضل حسن عباس في سطور 

مقدمة: 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فقد أكرمني الله عز وجل بكتابة بحث في الدراسات العليا بعنوان: كتاب (إتقان البرهان في علوم القرآن) عرض ونقد، وهذا الكتاب للدكتور فضل حسن عباس، وكنت أنوي أن أقدم له البحث كهدية ولكن وافته المنية قبل وصوله إليه، فعشت مع الدكتور فضل -من خلال هذا البحث- عاماً كاملاً وبالتحديد عام 2010م، وأعددت ترجمة له، وقد بدا لي الآن نشر هذه الترجمة ليستفيد منها طلاب العلم ومحبو الشيخ رحمه الله تعالى. 

السيرة الذاتية:

أولاً: اسمه ونسبه وولادته: 

لقد ترجم الدكتور فضل لنفسه فقال: " هويتي هوية مسلم عاش أحداثاً كثيرة، عقوداً من الزمن في أكثر من قرن، اسـمي: فضل حسن أحمد عباس، ولدتُّ في رمضان من عام 1350هـ في شهر كانون الثاني من سنة 1932م "، وكانت ولادته في فلسطين، وبالتحديد في بلدة صفوريا ، التي لا تبعد عن الناصرة كثيراً. 

ثانياً: الوضع العائلي: متزوج، وله أولاد. 

ثالثاً: الشهادات التي يحملها: 

1-أول شهادة حصل عليها كانت من كلية اللغة العربية في مصر، في تجويد القرآن، سنة (1948م).

2- دخل كلية أصول الدين في الأزهر، وتخرج فيها عام (1952م).

3- حصل على الماجستير من كلية أصول الدين عام (1967م).

4- نال درجة الدكتوراه في سنة (1972م) من الكلية نفسها في مصر.

رابعاً: المناصب التي شغلها:

1- عين للعمل في مديرية الأوقاف في الأردن-عمان، في تاريخ: 25/12/1965م.

2- عمل في مصر في المعهد الشرعي لمدة سنة أو سنتين على حد قوله.

3- عُيِّن أستاذاً في الجامعة الأردنيَّة في الفصل الأول لعام 1977م/1978م، واستمر في التدريس إلى أن خرج منها لعامل السنّ.

4- عمل مع الإذاعة الأردنية عام 1971م، حيث سجلت له (400) حلقة في تلاوة القرآن وتفسيره، وكان ذلك باكورة مسيرته العلمية. 

5- يعمل حاليَّاً في التدريس في برنامج الدكتوراه في جامعة اليرموك.

نشأته وحياته العلميـة:

نشأ الدُّكتور فضل –حفظه الله- في أسرة علم وفضل، فخالُهُ -رحمه الله- يوسف عبدالرزاق المشهدي كان أستاذاً في جامعة الأزهر، ويتجلى ذلك أيضاً في حرص أبويه على حفظه لكتاب الله تعالى، وتعليمه العلم الشرعي.

حُرِمَ الدكتور فضل نعمة البصر فعوضه الله تعالى عنها نفاذ البصيرة، وعمق الفكرة، وحضور الذهن. 

ولقد كان الدكتور فضل ألمعي الذكاء، فاستطاع أن يحفظ القرآن وهو دون العاشرة من عمره، ثم بدأ بعد ذلك بحفظ المتون العلمية، فحفظ (متن الغاية والتقريب) في الفقه الشافعي، و(متن الرحبية) في الفرائض، و(متن الجوهرة) في التوحيد، وبعض متون المنطق، وغيرها من متون علم الحديث، وحفظ أيضاً (ألفية ابن مالك) في النحو، وكان هذا كلَه أثناء وجوده في بلدته صفوريا في فلسطين.

ثم انتقل الدكتور فضل إلى عكا فدَرَسَ في جامع الجزار في المدرسة الأحمدية-نسبة لأحمد باشا الجزار- وهي مدرسة علمية، وحينما أنهى دراسته فيها رحل إلى مصر-كعبة العلم والعلماء في ذلك الحين- قبل النكبة ليتابع فيها طلبه للعلم الشرعي.

بدأ الدكتور فضل في مصر بدراسة علوم القرآن، وبشكل خاص (القراءات والتجويد)، وحصلت في هذه المدة النكبة عام (1948م)، ثم دخل كلية أصول الدين في الأزهر الشريف، وتخرج فيها عام (1952م)، ويتحدث الدكتور فضل عن دراسته في الأزهر، فيقول: 

"لم يكن عندنا تخصصات في كلية أصول الدين، بل كان الطالب يدرس في الكلية ثلاثة تخصصات: تخصص التفسير والحديث، تخصص التوحيد والفلسفة، تخصص التاريخ الإسلامي، لكن ليس معنى هذا أننا في دراستنا في الكلية كنا نتخصص في فرع من هذه الفروع، لا، كنا ندرس هذه الفروع جميعها دراسة قديمة، أي ندرس كبار الكتب مثلاً: في التفسير ندرس (تفسير أبي السعود، وتفسير البيضاوي) وفي الحديث ندرس (صحيح البخاري، وصحيح مسلم)، وفي التوحيد ندرس كتب (المواقف) و (المقاصد) و (العقائد النسفية) و (العقائد العضدية)، وفي التاريخ.. ، وهكذا .. من هنا كان لهذه الدراسة أثر كبير في تكويننا العلمي، ولذلك حينما تخرجنا كان بإمكاننا أن نكمل دراستنا في أيّ علم وأيّ فن".

وبعد أن حصل الدكتور فضل على الشهادة العالية من الأزهر الشريف عام (1952م)، دخل في تخصص التدريس في اللغة العربية، وفي هذه الأثناء توفي والده رحمه الله، فاضطر للسفر إلى لبنان ليُعِيْلَ إخوته الصغار، وانقطع عن متابعة الدراسة وتحصيل العلم، وعانى معاناة شديدة.

وفي عام (1965م) ذهب الدكتور فضل مرة أخرى إلى مصر لإكمال الدراسة، حتى نال درجة (الماجستير) سنة (1967م)، ثم (الدكتوراه) عام (1972م). 

شيوخـه وتلامذتـه

أولاً: شيوخه: 

لقد أكرم الله تعالى الدكتور فضل في مصر بأساتذة موسوعيين، تلقى عنهم العلم، وفي ذلك يقول الدكتور فضل: " أذكر أن أساتذتنا – رحمهم الله – كانوا جهابذة، ولذلك كنت تجد الواحد منهم حينما يتحدث، أو حينما يكتب، أو إذا بحثت عن نتاجه، وجدت أنه دائرة معارف".

ومن أبرزهم: 

أولاً: خاله الشيخ يوسف عبدالرزاق: الذي يُعدُّ موسوعة علمية في اللغة العربية والفقه والأصول والتوحيد، فله في النحو كتاب (لباب الشذور)، حيث اختصر فيه كتاب (شذور الذهب) لابن هشام مع شروحه،... وله في أصول الفقه كتباً ومقالات مشهورة، وفي الفقه الشافعي تجد له (موارد الظمآن في فقه السنة والقرآن)، وتجد له تعليقاً على (شرح ابن قاسم) و(شرح متن أبي شجاع)، وفي علم التوحيد تجد له (إشارات المرام شرح عبارات الإمام) أي الإمام أبي حنيفة، وتجد له في التاريخ مثل (معالم دار الهجرة). 

ثانياً: الدكتور محمد يوسف موسى: كان أستاذاً عظيماً متخصصاً في فلسفة الأخلاق، وله كتب كثيرة، منها (فلاسفة الأخلاق في الإسلام) عن الإمام الغزالي، وابن عربي، وابن مسكويه.

ثالثاً: الدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله: صاحب المؤلفات العظيمة في التفسير والأخلاق والسنة، ومن أبرزها: كتاب (النبأ العظيم)، و (المختار في كنوز السنة)، ورسالتي (دستور الأخلاق في الإسلام) و (مدخل لدراسة القرآن). 

رابعاً: الشيخ محمد الأودن : كان من علماء الحديث البارزين. 

خامساً: الدكتور عبد الحليم محمود: وهو من شيوخه في مصر، وغيرهم كثيرون.

ثانياً: تلامذته: 

للدكتور فضل تلامذة كثيرون تخرجوا على يديه في الدراسات العليا وغيرها، وهناك الكثير منهم يجتمعون في منزله المبارك، يقرؤون عليه الفقه، والتفسير، واللغة العربية، وغيرها.

1-الدكتور جمال أبو حسان: ويُعدُّ من أبرز تلامذته وأقربهم إليه؛ لأنه أدرك سر التعامل مع الدكتور فضل، واستطاع الوصول إلى قلبه، وفي ذلك يقول الدكتور جمال: "وبعض الطلبة تجنب الاقتراب في تعامله مع الأستاذ لأسباب منها الحساسية المتوهمة، والذي رأيته أن هذا الأمر ليس كما يتوهم، وإنما للقلوب مفاتيح، من حصَّلها أدرك بغيته، سواء أكان الذي يتعامل معه مبصراً أم غير مبصر، هذا هو السر في هذا الباب، ثم يقول الدكتور أبو حسان: "وأنا لم أرَ هذه الحساسية المتوهمة، طيلة مدة طيلة تعاملي مع شيخنا العلامة، وكل الذي كنت أسمعه حول هذه القضايا، وجدت عكسه تماماً في معاملتي مع الأستاذ حفظه الله تعالى".

2-الأستاذ الدكتور محمد يوسف الشربجي:

لازم الدكتور فضل فترات طويلة، وتلقى العلم على يديه، في الدراسات العليا في الأردن، بين عام 1983م/1987م، وكان يحضر دروسه في المساجد، وكان معجباً بالدكتور فضل وبهمته العالية، فقد ذكر لنا أن برنامج الدكتور فضل في رمضان كان مكثفاً، فكان يقرأ ختمة من القرآن في التراويح، وأخرى في قيام الليل، وقد عاصر ذلك وحضره. 

3-الأستاذ الشيخ مجد أحمد مكي الحلبي (صاحب تفسير المعين على تدبر القرآن المبين): 

كانت هناك صلة وثيقة بين الشيخ مجد مكي والدكتور فضل عباس، وقد زاره الشيخ مجد في بيته بعمان مرات عديدة، وسجَّل معه عدة حوارات مهمة، ولعلها تنشر قريباً إن شاء الله تعالى.

يقول الشيخ مجد مكي حفظه الله: "رحم الله شيخنا فضل حسن عباس، فقد كانت بيني وبينه مودة ومحبة، وكان دائم الاتصال بي، نعم هو من شيوخي، زرته مرات عديدة في بيته وكان شديد الحفاوة بي، و كان رحمه الله يحسن الظن بي، واجتمعت به في اسطنبول ومكة المكرمة، وزرته مرات في منزله بعمان، وكان عازماً على التعريف بتفسيري المعين، -كما أخبرني- في كتابه مناهج المفسرين. وخال الشيخ فضل رحمه الله هو الشيخ يوسف عبد الرازق (من تلاميذ العلامة الكوثري).

وكنت اتصل به باستمرار واسأله عن إشكالات في التفسير، وأرسل لي جواباً مطولاً عن إشكال في موضوع (المتشابه اللفظي). ولي صور معه، وكان لي الشرف بخدمته في اسطنبول، وكنت لا أتركه، رحمه الله تعالى . 

 وهذه صورة تجمع الشيخ مجد مكي بالدكتور فضل حسن عباس في اسطنبول

أشـهـر مـؤلفاتـه:

لقد اتبع الدكتور فضل - حفظه الله- في التأليف منهج العلماء المحققين، فهو لا يكتب في موضوع أو فن إلا إذا وجد حاجة لما يكتبه، وفي ذلك يقول: 

" حينما أكتب أبحث في السوق وفي المكتبات، فإن وجدت ما يغني عن كتابي، أو ما هو خير منه لا أكتب، أنا لا أكتب إلا إذا وجدت أن هناك ضرورة للكتابة، كتبت كتاب (إعجاز القرآن الكريم)، وكان مدرسيّاً للطلاب، ولكن وجدت أن هناك حاجة ماسة لموسوعة إعجازية، ولذلك كانت فكرة كتاب (إعجاز القرآن المجيد) تنبع من هذا".

ومن مصنفاته أيضاً: 

أ‌- في علوم القرآن الكريم: 

• إعجاز القرآن الكريم، بالاشتراك مع ابنته سناء حسن عباس.

• إعجاز القرآن الكريم، عرض ونقد وتجديد (قيد الإعداد).

• اتجاهات التفسير ومناهج المفسرين في العصر الحديث.

• القصص القرآني إيحاؤه ونفحاته. 

• قصص القرآن الكريم -صدق حدث وسمو هدف.

• لطائف المنان وروائع البيان في دعوى الزيادة في القرآن.

• قضايا قرآنية في الموسوعة البريطانية نقد مطاعن ورد شبهات.

• القراءات القرآنية.

• غذاء الجنان بثمر الجنان (محاضرات في علوم القرآن).

• إتقان البرهان في علوم القرآن، في مجلدين.

ب- في علوم البلاغة: 

• البلاغة فنونها وأفنانها، في مجلدين. 

• بلاغتنا المفترى عليها بين الأصالة والتبعية. 

ج- في الدراسات الفقهية والتصوف: 

• أنوار المشكاة في أحكام الزكاة.

• التوضيح في صلاتي التراويح والتسابيح.

• التبيان والإتحاف في أحكام الصيام والاعتكاف.

• المنهاج نفحات من الإسراء والمعراج. 

• خماسيات مختارة في تهذيب النفس الأمارة.

• فقهنا بين التوسط والتسلط (قيد الطباعة).

د- الأبحاث المنشورة:

• الدكتورة بنت الشاطئ (عائشة عبد الرحمن) والبيان القرآني. 

• الكلمة القرآنية وأثرها في الدراسات اللغوية. 

• بيان إعجاز القرآن للخطابي، تحليل ودراسة ونقد.

• القراءات القرآنية من الوجهة البلاغية.

• قضية الزوائد في كتاب الله تعالى.

• قضية التكرار في كتاب الله تعالى.

• شبهات حول نشأة التفسير.

• شبهات حول القراءات القرآنية.

• النكت في إعجاز القرآن للرماني، تحليل ومقارنة ونقد.

• مفردات القرآن الكريم، مظهر من مظاهر إعجازه.

 وفاته:

توفي رحمه الله تعالى ظهر يوم الأربعاء، في عام 1432هـ/2011م في العاصمة الأردنية (عمّان)، عن عمر يناهز (80) عاماً بعد صراع مع المرض، حيث كان متوجِّهًا إلى مكة المكرمة لأداء العمرة، فوافته المنية في قبل خروجه إلى المطار، اسأل الله تعالى أن يرفع درجته، وأن يجمعنا به في الآخرة في مستقر رحمته إنه سميع مجيب. 

مصادر الترجمة: 

1- حوار علمي مع الأستاذ الدكتور فضل حسن عباس، منشور في مجلة الفرقان في جامعة اليرموك.

2- بحث بعنوان: العلامة الأستاذ الدكتور فضل حسن عباس كيف عرفته، للدكتور جمال أبو حسان، وهذا البحث مطبوع ضمن كتاب بعنوان: "دراسات إسلامية وعربية مهداة إلى فضيلة الأستاذ الدكتور فضل عباس بمناسبة بلوغه السبعين.

3- كتاب إتقان البرهان في علوم القرآن، للدكتور فضل حسن عباس.