الشيخ بكري رجب

1331 ـ 1399هـ

1912 ـ 1979م

 

 

الشيخ بكري بن عبد الله رجب البابي الحلبي.

فقيه، متأدب، شاعر، وداعية صوفي، متنسك.

ولد في بلدة (الباب)، سنة: إحدى وثلاثين وثلاثمئة وألف للهجرة، وتلقى تعليمه الأولي في أحد كتاتيب بلدته، فأتقن تلاوة القرآن الكريم وحفظ الكثير منه، كما حفظ بعض المتون في الفقه والعربية، وكثيراً من الشعر العربي في الجاهلية والإسلام، وحضر حلقات بعض شيوخ البلدة أمثال الشيخ مصطفى أبو زلام.

رحل بعدها إلى حلب، وانتسب إلى المدرسة (الخسروية)، وتلقى علومه الشرعية والعربية على شيوخها، فأخذ علوم التلاوة والتجويد على شيخه الشيخ أحمد بن حامد الأبوتيجي، وقرأ التفسير على شيخه الشيخ أحمد بن محمد الشمّاع، وأخذ علوم الحديث ومصطلحه على شيخه الشيخ محمد نجيب سراج الدين، كما قرأ علوم الحديث والسيرة والتاريخ على شيخه الشيخ محمد راغب الطباخ، حيث قرأ عليهما قسما من الجامع الصحيح للإمام البخاري بشرح القسطلاني، ومختصر ابن أبي جمرة الأزدي

(بهجة النفوس وتحليها) والأربعين النووية للإمام النووي، والشمائل المحمدية للإمام الترمذي، وقرأ الفقه وأصوله على شيخه الشيخ محمد أسعد العبجي، والفرائض على شيخه الشيخ عبد الله المعطي، والتوحيد والمنطق على شيخه الشيخ فيض الله الأيوبي، والتربية والأخلاق على شيخه الشيخ عيسى البيانوني، أما علوم اللغة العربية نحوها وصرفها وآدابها وبلاغتها فقد أخذها عن شيوخه الشيخ أحمد الكردي، والشيخ محمد أسعد العبجي والشيخ محمد الناشد (الزمخشري الصغير) والشيخ عمر أسد الحلبي والشيخ عبد الله حماد التادفي الحلبي، وتابع الشيخ دراسته في المدرسة (الخسروية) بصفوفها الستة إلى أن تخرج فيها، مع الدفعة السادسة( ) وذلك صيف سنة: 1350هـ -1931م.

انطلق بعدها إلى ميادين الدعوة إلى الله، ونشر العلم مع صاحبه وصديقه الوفي الشيخ أحمد قلاش، فكانا ينزلان إلى الناس في مجتمعاتهم في المساجد والحفلات والطرقات والساحات العامة، حتى المقاهي يدخلانها ويدعوان بها إلى الله دون كلل أو ملل( ).

ثم عمل مع صاحبه هذا، وبمشاركة الشيخ محمد أديب حسون، والشيخ أحمد حسين كعكو، على إنشاء مدرسة لتعليم القرآن الكريم والفقه والعربية في جامع (العريان) أطلقوا عليها اسم: (المدرسة الرضائية).

في هذه المرحلة، اتصل الشيخ بشيخه محمد أبي النصر الحمصي وأخذ عنه الطريقة (النقشبنديه) بأورادها وأذكارها، وكان أثر هذه الطريقة واضحاّ في سلوكه، وعباداته، وأشعاره.

وعندما أعيد افتتاح المدرسة (الشعبانية) معهد العلوم الشرعية، انتدب الشيخ للتدريس فيها، فكانت له دروس في التوحيد والفقه والسيرة النبوية

بالإضافة إلى الأدب وعلوم الشعر والعروض، كما كانت له مثل هذه الدروس في المدرسة (الخسرويه) الثانوية الشرعية، فكثر طلابه والآخذون عنه في هاتين المدرستين، نذكر منهم على سبيل المثال بعض من فضل واشتهر، أمثال الدكتور بكري الشيخ أمين، والدكتور عبد السلام الراغب والشيخ مجاهد شعبان، والدكتور أحمد حجي الكردي والشيخ محمد عوامة والشيخ أحمد جاموس والشيخ زهير الناصر والشيخ عبد المجيد معاز والشيخ محمد صهيب الشامي مدير أوقاف حلب، والشيخ عبد الله مسعود والشيخ عدنان غشيم والشيخ محمد نبيه سالم، والشيخ أحمد ناصر حوت، والشيخ أحمد بنان، ومحمد عدنان كاتبي كاتب السطور، وغيرهم كثير.

عرف الشيخ بنشاطه وإخلاصه في الدعوة إلى الله، فكان يخرج مع بعض إخوانه من العلماء إلى القرى المحيطة بحلب، يدعو إلى الله، ويبصِّر الناس بأمور دينهم ودنياهم، كما كانت له دروس في الوعظ والإرشاد في عدد من مساجد المدينة، وقد أوتي الشيخ مقدرة عظيمة وقدرة فائقة على التأثير في مخاطبيه، وما ذلك إلا لإخلاصه وسعة ثقافته.

كما عرف بحبه العظيم لصاحب الدعوة عليه الصلاة والسلام، وشدة شوقه وحنينه إلى زيارته، فكان يكثر من أداء فريضة الحج، وزيارة النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام، وينظم في ذلك الأشعار الرقيقة.

ترك الشيخ عدداً من المؤلفات والرسائل العلمية منها:

1- هداية المريد إلى جوهرة التوحيد، مطبوع عام: 1965م.

2- الدليل إلى مناسك الحج والزيارة، مطبوع.

3- المثل العليا في الحب للجناب المحمدي، مطبوع سنة: 1393هـ.

4- السفور والصهيونية، مطبوع.

5- المولد النبوي في الترغيب والترهيب، مطبوع.

6- ديوان شعر أكثره في النبويات، مطبوع.

7- ردود على بعض الفرق ـ رسالة ـ مطبوعة.

ومن الكتب التي لم تطبع نجد:

1- الدرر اللماعة في شرح السنة والجماعه.

2- الفيض الهامي في الرد على رسالة (أدوار التصوف الإسلامي).

3- القول المنيف في الرد على النقد والتزييف.

4- تقريرات على شرح الشيخ خالد الأزهري.

ومن شعره اخترت هذه المقطعات في المديح النبويّ، والشوق والحنين إلى ديار الحبيب:

يا رسول الله جئتك أسعى= وأجوب البيداء آلاً فآلا

يا رسول الله وردك قصدي= فاسقني من نداك عذباً زلالا

من يديك الكريمتين أنلني= فيض جود مسلسلاً هطالا

وقوله:

راق كأس الصبا يا نفس طيبي= واهنئي هذي ديار الحبيب

هذه الدار دار خير البرايا= سيد المرسلين الحسيب النسيب

بلد حلّ خير النبيين فيه= أحمد صفوة القريب المجيب

وقوله:

ولكم سعت روحي بمروة والصفا= في حبكم يا حبذا مسعاها

وسرت إلى أعتاب قدس رحابكم= شوقاً فسبحان الذي أسراها

وقوله من قصيدة بمناسبة المولد النبوي:

بمولد طه سيد الخلق أحمدا= تبلج صبح الحق وانبثق الهدى

وبات سنا التوحيد كالشمس ساطعاً= وأصبح جسم الشرك شلواً مبددا

وعزت له أبناء يعرب بعدما= أذلهم الإرهاق والجهل نكدا

ووحدهم من بعد فرقة شملهم= وخرت إلى الله الجبابر سجدا

بني يعرب ما بالنا بات شملنا= شتيتاً وهذا الدين جاء موحدا

ومابالنا حدنا عن الحق والهدى= وصرنا عبيداً ليس نأبى التقيدا

أقمنا على ضيم وخصم بلادنا= أقام الدنا بالمعجزات وأقعدا

تساهلنا في ديننا ونكوصنا= عن الحق قد ساء النبي محمدا

وصرنا نعد الشهم من بات عاكفاً= على الفسق أو يقضي الليالي معربدا

ونهزأ فيمن راح يعبد ربه= نهاراً ويقضي ليله متهجدا

أيا يوم ميلاد النبي محمد= تباركت من يوم وقدست مولدا

لئن نسي الأقوام ذكر هداتهم= فذكراك فينا لا يزال مخلدا

فما ذكر التاريخ فذاً كأحمدَ= ولا ولدت أنثى كأحمد سيدا

طيب القلب، رقيق الحاشية، غزير الدمعة، مخلص في دعوته، متواضع في حياته وهيئته، عطوف على إخوانه وطلابه.

مربوع القامة، منور الشيبة، عليه سيما العلماء ووقارهم، لا يهتم كثيراً في ملبسه، يزين رأسه بعمامة لفت على طربوش أحمر.

ظل الشيخ على سماته وأهدافه وأخلاقه هذه، إلى أن أدركته الوفاة فجأة في حلب، صباح يوم الخميس، الأول من شهر جمادى الأولى، سنة: تسع وتسعين وثلاثمئة وألف للهجرة، الموافق للتاسع والعشرين من شهر آذار، عام: تسعة وسبعين وتسعمئة وألف للميلاد. 

وحزنت عليه مدينة حلب، وشيعه إخوانه من العلماء وطلبة العلم في موكب حزين إلى جوار ربه رحمه الله.

وقد رثاه عدد من الشعراء منهم صديقه الشيخ محمود الفحام بهذه الأبيات التي أرخ فيها وفاته:

رزئ الإسلام والحزن وجب= عندما نودي قضى بكري رجب

ترك الدنيا بعز بعد أن= أخلص الأعمال فيها برغب

طلباً منه رضا خالقه= وسيلقى عن قريب ما طلب

عالم من خير أعلام الهدى= مخلص لله أدى ماوجب

بحر علم زاخر عمّ الورى= وله باع طويل في الأدب

كم بحب المصطفى هام وكم= قد رقى في مدحه أعلى الرتب

كم قصيدات به قد قالها= كم دموع عند حضرته سكب

خذ أخي ديوانه تلق به= غرراً في مدح من زان العرب

أربعين حجة قد حجها= ثم يسعى نحو أحمد في أدب

واقفاً بالذل في حضرته= عله يطفي من القلب اللهب

بدموع سابحات عندما= عندما يلقاه تنصب حبب

إنّه لما يزور المصطفى= عنده يُلقي تباريح الكرب

جاء داعي الحق يدعوه إلى= جنة المأوى ليلقى ما يحب

مسرعاً لبى بشوق زائد= للقاء المصطفى زاكي النسب

فعليه جد بدمع دائم= أيها الدهر وعزً به حلب

إنني أرخته في لوعة= ودموع لفراق مرتقب

فابكه خلي وأرخه وقل= غاب بكري فجأة دون سبب

المصادر والمراجع

1- ديوان المترجم له وكتبه ورسائله.

2- ديوان الشيخ محمود الفحام. (مخطوط عندي صورة منه)

3- مجلة حضارة الإسلام، العدد41979 السنة: العشرون.

4- معجم المؤلفين السوريين.

5- مقابلات شفهية مع بعض شيوخنا، منهم: الشيخ أحمد قلاش، والشيخ محمد زين العابدين الجذبة، والشيخ محمود الفحام.

(1) تخرج مع المترجم له في هذه الدفعة كل من: عمر خياطة، عمر مكناس، أحمد سنجقدار، عبد القادر الحمصي، بشير الصياد، حسن بركات، بكري رجب (المترجم)، محمد المعدل، محمد زين العابدين الجذبة، محمد سمّاقية، عبد الغني أبو راشد، عبد المحسن خير الله، بشير تل رفادي، حقي راغب آغا

عبد الرحمن قرابللي. أ.هـ (سجلات المدرسة الخسروية).

(2) حدثني شيخنا الشيخ أحمد قلاش عن عملهما في الدعوة إلى الله وإخلاصهما في ذلك، فسمعت منه ما يثير الدهش عن صبر هؤلاء الدعاة، وتحملهما الأذى في سبيل الدعوة، وعدم مبالاتهما بالعقبات والمصاعب في سبيل الدعوة إلى الله.