فقد عالم جليل : أستاذ الأستاذين، العلامة الأصولي الفقيه محمد فوزي فيض الله

صبيحة يوم (الاثنين 5 من شهر المحرم 1439هجري الموافق 25 من أيلول سبتمبر 2017 ميلادي) فاضت روح طاهرة، 

و ثلم في الإسلام ثلمة عظيمة بفقد عالم جليل.. هو شيخنا و شيخ مشايخنا، أستاذ الأستاذين، العلامة الأصولي الفقيه المربي الأستاذ الدكتور محمد فيض الله، عن عمر ناهز المائة عام (الشيخ من مواليد 1925م).

عُرف عنه تعمقه في العلم و دقته، و سلاسة أسلوبه في عرض الأحكام و الأفكار و براعته.. تشعر بأنفاسه الطاهرة متلبسة حروفه، تضفي على نفس قارئها صفاء وسكينة و نورا.. و ما أكثر ما كتب.. وما أنفس ما حرّر و قرر.. كتبه كثيرة.. ومقالاته غزيرة.. ومشاركاته في الندوات والمؤتمرات العلمية وفيرة.. درّس في كلية الشريعة بدمشق، و جامعة الإمام بالرياض، و كلية الشريعة بالكويت..

كان شيخنا عضوا في هيئة الفتوى بوزارة الأوقاف الكويتية، وعضوا في اللجنة العلمية للموسوعة الفقهية الكويتية، وعضوا في اللجان العلمية والهيئات الرقابية لعدد من المؤسسات والشركات المالية الإسلامية..

جسد لُفف في أكفانه

رحمة الله على ذاك الجسد

قد جمع الله له جمال الخَلق و الخُلق.. تراه أنيق المظهر، يتشح بالجمال، و يكتسي بالجلال، فلا تشاء أن ترى منظرا جميلا جليلا إلا رأيته فيه، و لا عالما عاملا إلا رأيته إياه، ولا متعبدا متخشعا إلا كان هو..

أما خلقه وأدبه فحدث ولا حرج..

هو البحر من أي الجهات أتيتَه

فلُجّته المعروف والجود ساحله

بشاشةٌ وحسن ضيافة لزائريه.. و هدوء و وقار مع مناقشيه.. كثير الذكر.. طويل الفكر.. لا يتكلم إلا بخير.. حتى في أيامه الأخيرة، - و قد اشتد عليه المرض، و الأجهزة الطبية تكتنفه من كل صوب - كان يصلي ويذكر الله دونما فتور.. ديدنه ختم القرآن مرتين كل شهر: مرة في الصلاة، و مرة خارجها.. يعظم القرآن و أهله، ما ذُكر التواضع إلا ضُرب الشيخ مثلا.. لا يبغي عن الحياء حِوَلا.. ولا عن رفيع الأخلاق بدلا..

و كم يصدق فيه ما قاله عَبْدة بن الطبيب في قيس بن عاصم: 

عليكَ سلامُ الله قيسَ بن عاصمٍ 

و رحمتُهُ ما شاءَ أن يترحّما 

و ما كان قيسٌ هُلْكه هُلْكَ واحدٍ 

و لكنّـه بُنيانُ قومٍ تهدّمـا

أما الوفاء فأمره فيه عجب عجاب، لا يَنسى من الذكر الحسن ولا من الدعاء في تهجده مشايخَه وزملاءه والأصحاب، بل لا ينسى طلابه الأدنين.. قد ألحق الأحفاد بالأجداد، وربى ثلاثة أجيال متتابعة.. يشجع طلابه - و أنا منهم - على العلم والجد والمثابرة.. وكان يتأمل فيّ خيرا كثيرا.. والله أرجو أن يجعلني عند حسن ظنه.. ذكرت له بعد زواجي بأربعة أعوام تأخر الذرية، فقال لي: لن يولد لك حتى تنهي الماجستير، وهكذا كان!!

أكرمني - رفع الله درجته - بإجازتين عامتين: إجازة مختصرة، و إجازة مطولة؛ أضاف فيها عن الأولى من أخذ عنهم من العلماء في الخسروية و في الأزهر، و ماذا أخذ.. إضافة إلى التوصية بالتقوى فيهما والقيام بحق هذا الدين، و أن أدعو له، و هو أهل الدعاء و الأحق به!! 

اللهم اجعل مرقده روضة من رياض جناتك، و اصبب عليه شآبيب رحماتك..

عليه تحية الرحمن تترى

برحمات غوادٍ رائحات