الشيخ عبد العزيز عيون السود شيخ قرّاء مدينة حمص

 

1- هو الإمام العلّامة، مقرئ مدينة حمص، الشيخ عبدالعزيز عيون السود.

ولد عام 1917  في حمص، وأمه من بيت الدروبي.

 

2- تلقّى الفقه الحنفي وأصوله عن عمه الشيخ عبدالغفار عيون السود "صاحب كتاب الرياض النضرة في تفسير سورتي الفاتحة والبقرة في مجلدين".

وعن الشيخ عبدالقادر الخجا،  وكان إذا تعسّرت عليه مسألة من حاشية ابن عابدين، راجع الشيخ الخجا، فما إن يقرأ المسألة أمامه من الكتاب حتى يفتح الله عليه.

كان إماماً فقيهاً متمكنًا، وهو المرجع الأعلى في حمص بالإفتاء ..

كان يأخذ بالعزائم في المذاهب، ويقول: من تتبّع الرخص رقّ دينه. 

 

3- سمع أبوه صوتاً في منامه يخبره عن مستقبل أولاده، ولكنه سكت عن الشيخ عبدالعزيز .. فسأل الوالد ذلك الصوت: وعبدالعزيز؟ أجابه: عبدالعزيز حصّتنا.

 

4- حفظ القرآن كاملاً في شهر واحد فقط، وكان يحفظ في كل يومٍ جزء.

وكان يراجع يومياً 5 أجزاء من حفظه في نوافله،  ويختم في 6 أيام ..

وكان يختم صحيح البخاري مرّة كل سنة، وما وضع كتاب فقه فوقه ابدا .. 

 

5- كان شديد البرّ بوالده، وبعد بلوغه زاد طوله، فقال له والده ممازحاً: شو يا عبدالعزيز عم تقلل أدب صاير أطول من أبيك؟

فما عاد الشيخ يمشي بجانبه إلا وجعل أباه على الرصيف حتى يرتفع عنه.

وكان يزوره كل يوم بمقبرة باب هود 

فرأى والده في المنام وقال له:  يا ابني تعب عليك كل يوم، يكفّي يوم واحد بالاسبوع.

 

6- كان قليل المزاح، كثير الذكر، وله أوراد، فرآى النبي عليه الصلاة والسلام في منامه يقول له: "أنتم في زمان، العلم فيه خير من العمل".

فغيّرت هذا الكلمة مجرى حياة الشيخ، فصرف وقته لطلب العلم وتلقين الطلبة مع إبقاء ورده وذكره.

 

7- كان كثير الرؤيا للمصطفى صلى الله عليه وسلم، قدم للمدينة يوماً، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: أنت ضيفنا، لا تنفق من مالك شيئاً.  فمكث الشيخ ثلاثة أشهر في المدينة لم ينقص من المال الذي جاء به شيئاً.

وختم في تلك الثلاثة أشهر 21 ختمة في القراءات العشر في الروضة الشريفة.

 

8- وكان شديد الاهتمام بالصلاة، وله في ذلك قصص كثيرة، إن صلّى الظهر يحمل همّ العصر وهكذا.

ولم يصلّ يوماً في حياته منفرداً حتى وإن كان وحده، وكان يقول: يا عمّي: ما أتذكر أني صلّيت منفرداً منذ أن كان عمري 12 سنة، لا في حضر ولا في سفر.

 

9- أخذه لعلم القراءات:

أصيب بالسل الرئوي، فأشار عليه أحد الاطباء بترك حمص والسفر إلى  بيروت للاستجمام واستنشاق الهواء النقي، فاستجاب الشيخ ونزل في فندق، وشاء الله أن يجمعه بالشيخ سليمان الفارس كوري المصري في نفس الفندق.

وتلقّى عنه القراءات العشر الصغرى من طريق الشاطبيّة والدرّة.

 

ثم نزل دمشق، وقرأ على شيخ قرائها محمد سليم الحلواني بالقراءات العشر الصغرى، بنفس الوقت الذي كان يتردد إلى قريبة عربين قرب دمشق، ليأخذ عن الشيخ المقرئ عبدالقادر قويدر العربيلي القراءات العشر الكبرى من طريق طيّبة النشر، والتي أتمها في أربعة اشهر فقط، دون علم أحدهما بالآخر.

وحين ختم على الحلواني، بكى الشيخ وقال: اللهم ارزقه تلامذةً بررة.

ثم قدم مكة للحج، والتقى بشيخ قراء الحجاز أحمد بن حامد التيجي، فقرأ عليه بالقراءات الأربعة عشر جمعاً (الصغرى والكبرى والأربع الشواذ) .. ثم استأذن الوالدة بالارتحال إلى مصر ، وتلقّى القراءات الاربعة عشر عن الشيخ العلامة علي محمد الضبّاع "شيخ عموم المقارئ المصرية في زمنه"

فاحتضنه الشيخ علي الضباع، وعرض عليه أن يجيزه بالقراءات الأربعة عشر.

فتعجّب من عرضه عليه ولم يكن أخبره بأنه سيقرأ، فقال له الضباع: ليلة جئتني، رأيتُك في الروضة الشريفة في المدينة مع ابيك، وابوك يشير إليك ويقول لي: عبدالعزيز جاي لعندك دير بالك عليه.

يا ابني: الله أعطاني نور أعرف به أهل  القرآن.

 

وحكى الشيخ عبدالفتاح مدكور قصّة مع الشيخ الضّباع، أنه كان يقرأ عليه، فرآى نوراً مفاجئاً يهبط من السماء بينه وبين الضباع،

فأشار إليه الضباع بالصمت وبإكمال القراءة دون السؤال عن مصدر هذا النور.

 

10- ومن ورعه أنه كان يكتب في إجازاته للطلبة:  المُبتلى بأمانة الإفتاء ومشيخة القراء عبدالعزيز عيون السود.

  وكان إذا لُقّب بـ "شيخ القراء" يقول: خشية وورعاً: شو من وراها .. شو من وراها.

 

11- كان شديد الكرم، كثير الحبّ والعطف  على تلاميذه.

أراد إكرام تلميذه ايمن سويد، فأتاه وهو قائم يصلي، ووضع في جيبه ما يقارب نصف دخله الشهري، ولم يجرؤ الشيخ أيمن على  الحركة في الصلاة، فلما فرغ من صلاته سأله واعتذر منه. فقال له: ألستُ كوالدك؟

 

12-كان يعظّم العلماء والقرّاء ويوقرهم ..

دخل عليه الشيخ سعيد عبدالله المحمد "شيخ قراء حماة" وهو كفيف ..

وكان قد تلقّى عن الشيخ عيون السود القراءات الثلاث المتتمة للعشر ..

فكان إذا دخل عليه، قام له الشيخ عبدالعزيز إجلالاً وتقديراً.

 

دخل عليه الشيخ ملّا رمضان البوطي، وكان قد أصيب بالشلل النصفي قبل وفاته بسنة ونصف، فقام له مع عجزه ومرضه احتراماً.

فكان الشيخ ملّا رمضان يقول:  أمثلك يقوم لـ "شقفة" كردي! وأشار إلى نفسه ..

 

13-كان شديد الخشية، شكى إليه أحدهم: يا سيدي شغلني الخلق عن الخالق ..

فقال له الشيخ: اجعل مجالستك للخلق ، مجالسةً للخالق.

وكان لا يسخط على تعسر أمر أو انصرافه عن تخطيطه وتجهيزه، وكان يقول: حيثما يسيّرني ربي أسير.

 

14- كان يندر عليه استخدام ضمائر المتكلم [ أنا ، تُ ، نا ]  ولا يحلف في كلامه أبدا.

يصدّر قول الله في جميع قوله، فلا يقول: قال الله تعالى، وإنما: الله تعالى يقول.

 

15- قال عنه الشيخ يحيى الصبّاغ: من أراد أن يرى لحية سيدنا رسول الله ، فلينظر إلى لحية الشيخ عبدالعزيز عيون السود.

وقال الشيخ عبدالله سراج: إذا وجد في سورية وليّ، فهو الشيخ عبدالعزيز عيون السود.

 

16-خرج مرّة  إلى الحج بالقطار، في السنة التي التقى فها بالشيخ علوي المالكي، وكان الشيخ أبيض البشرة، فأثرت فيه الشمس، فحين رآه الشيخ علوي قال:

 

جاء الحبيب الذي أهواه من سفرٍ 

وماس تيهاً على الغزلان مذ خطرا

 

أسرّ  عيني مذ  أبصرت    طلعته

والشمس قد أثرت في وجهه أثراً

 

عجبتُ كَيفَ تحلُّ الشّمسُ في قمرٍ

والشَّمسُ لا يَنبغي أنْ تُدْركَ القمرَا

 

17-وكان يقول من حفظه: 

ليلَى وليلِي  نفى نومي اختلافهما

بالطُولِ والطَوْلِ، يا طوبَى لو اعتدلا 

 

يجودُ بالطُولِ    لَيلِي كلما بخلتْ 

بالطَوْلِ لَيلَى،  وإن جَادت به بخلَ 

 

18-وقال للشيخ أيمن: يا عمّي خذ من الدنيا ما شئت، وخذ مثليْهِ همّا ..

فقال مداعباً: يا سيدي لماذا مثليْهِ؟ يكفيِ مثله ..

فقال له: يا عمّي المثل الأول في تحصيلها .. والمثل الثاني في المحافظة عليها وتنميتها.

 

وكان يقول: القرض الحسنُ خيرٌ من الصدقة؛ لأن فيه حفظُ ماء الوجه.

 

وكان يقول: الهواء حكيم، إذا ما وجد مخرجاً لا يدخل.

 

ورآى يوماً طالباً ذا ظفر طويل فقال: يا عمّي، من طال ظفره طار رزقه.

 

19- لم يترك قيام الليل طيلة حياته،  فقبضه الله وهو في قيام الليل يصلي.

وفي آخر يوم من حياته،  13/1/1979. 

استيقظ رحمه الله لصلاة قيام الليل، وقد لبس جبّته وعمامته، ودخل على أبنائه وهم نيام، فغطّاهم، وقال: الله خليفتي عليكم.

ثم جلس يصلّي قاعداً بسبب شلله النصفي، وما أن استوى للركعة الثانية وقبض اليمنى على اليسرى،  حتى هوى إلى الخلف، وأمسك الله بها روحه الطاهرة ..

 

20- دخل عليه الشيخ أيمن سويد عند غسل جثمانه الطاهر، وكشف عن وجهه .. يقول: والله يا إخواني كان على وجهه ابتسامة ما تحتاج إلى تفسير ، لكن ما كان كاميرات تصوير معنا ولا جوالات، يا ليت صوّروا الشيخ، ابتسامة كأنها تقول لصاحبها رضيت. منظر لا أنساه ما حييت، فنزلتُ إلى صدره لأقبله، فشممت من صدره رائحة والله ما شممت مثلها لا من قبل ولا من بعد. وليست من عطور الشيخ التي يتطيب بها.

توفي وقد بلغ 63 من عمره .

رحمه الله وجمعنا به آمين.

اختصار، وتصحيح

د. عبد السميع اﻷنيس