الشيخ أمين الكيلاني

 

1314 ـ 1361 هـ

1896 ـ 1942 م

 

الشيخ أمين بن مصطفي زين الدين الكيلاني الحموي أبو مروان.

عالم عامل، وأديب شاعر، وباحث مؤرخ مدقق، وخطيب مسقع، وسياسي حكيم، جمع بين العلم والأدب والفن.

ولد الشيخ المترجم له في مدينة حماه، سنة: أربع عشر وثلاث مئة وألف للهجرة، في أسرة عرفت بالعلم والفضل والأدب، ونشأ يتيماً، فقد توفي والده، ولما يتم الثالثة من عمره، فرعته والدته رعاية طيبة، ودفعت به إلى مدرسة (عنوان النجاح)، وهي إحدى مدارس جمعية (أعمال البر الإسلامية)، التي كانت تحت إدارة مفتي حماه، فضيلة الشيخ محمد سعيد النعساني، فنشأ فيها على الفضيلة والأخلاق الإسلامية، ثم انتقل إلى المدرسة الإعدادية التركية، وحصل فيها على الشهادة الإعدادية (البروفيه).

شدّ الرحال بعدها إلى مدينة دمشق، ليتابع تحصيله العلمي في (مكتب عنبر) (التجهيز الأولى في دمشق)، وقبل أن يتم تحصيله في هذه المدرسة، قامت الحرب العالمية الأولى عام 1914 م، فدعي إلى الجندية برتبة ضابط احتياطي في الجيش العثماني، وعندما اندلعت الثورة العربية الكبرى، التحق بالجيش العربي برتبة ضابط، وكان مرافقاً للقائد العربي على جودة الأيوبي، الذي كان يستشيره في كل الأمور المهمة، ولما دخل الجيش العربي إلى حماه، كان المترجم له في طليعة هذا الجيش، واستقبل في بلده بكل حفاوة وإكرام.

خاض المترجم له عدد من المعارك الحربية ضد الاحتلال الفرنسي، كمعركة (ميسلون)، ومعركة (تلكلخ)، عام: 1920م، وأبلى فيهما بلاء حسناً، ورقي إلى رتبة ملازم أول.

بعد أن استتب الأمر للفرنسيين في سورية، استقال من عمله في الجيش، وتابع تحصيله العلمي، وكانت اهتماماته في أول الأمر منصرفة إلى الأدب وتأليف الروايات المسرحية، فشارك في النهضة المسرحية في مدينة حماه. 

ثم بدا له أن يتجه إلى تعلم العلوم الشرعية، فبدل ثيابه، وارتدى زىّ العلماء، وتعمم بعمامة بيضاء، و أخذ يتلقى علوم الحديث و التفسير و الفقه و الأصول وغيرها من العلوم الشرعية، على شيخه مفتي حماه الشيخ: محمد سعيد النعساني، وفي مدة قصيرة أتقن هذه العلوم، وأخد يلقي الدروس في (الزاوية الكيلانية) في مدينة حماه، ثم تولى خطبة الجمعة في جامع (الشيخ إبراهيم) في حي (الحاضر)، وهنا بدت مواهبه العلمية والخطابية، وذاع صيته في حماه، وأصبح الناس يقصدون جامعه، ليستمعوا إلى الخطبة التي كان يعالج فيها قضايا الأمة بكل صراحة و جرأه لا تأخذه في ذلك لومة لائم.

وعندما استقال المترجم له من الجيش، عين أستاذاً للغة العربية في مدرسة (دار التربية والتعليم الوطنية) بمدينة حماة، وبقي فيها إلى عام: 1934م، حيث عين مدرساً في تجهيز حماة، وبعد ثلاث سنوات نقل إلى مدينة حلب، وعين مدرساً في تجهيزها الأولى - ثانوية المأمون حالياً - ثمّ انتقل للتدريس في (تجهيز البنات )، أستاذاً في صفوفها العليا، ثمّ طلبته المدرسة (الفاروقية)، ليدرس فيها، وذلك عام:1941م، وفي العام ذاته، انتدب للتدريس في المدرسة (الخسروية) - الثانوية الشرعية الآن - فكان له بالغ الأثر في طلابها رغم قصر المدة التي عمل فيها. 

وأثناء وجوده في مدينة حلب، كانت له مشاركة فعالة في نشاطاتها العلمية والدعوية والاجتماعية، فكان:

1- أحد أعضاء وفد مدينة حلب إلى مؤتمر العلماء المنعقد في دمشق عام 1938م، فكان خير معين لزملائه بفكره الوقاد، وحسن إدارته للمؤتمر وتسيير أعماله وحكمته في طرح المشكلات وإيجاد الحلول لها. 

2- عضواً في جمعية البر والأخلاق الإسلامية.

3- عضواً في جمعية (دار الأرقم)، التي خلفت جمعية البر والأخلاق الإسلامية.

4- كما شارك في اللجنة العلمية المكلفة بوضع مشروع نظام لتوحيد المدارس الشرعية، وكان من أعضاء هذه اللجنة: الشيخ محمد راغب الطباخ، والأستاذ الشيخ مصطفى الزرقا، بالإضافة إلى عدد من رجال العلم والتربية، فكان الشيخ أمين العقل المفكر في هذه اللجنة، وصاحب الرأي السديد فيها.

5- وكان لا يتوانى عن المشاركة في أي وفد يشكل من العلماء المسلمين لمناقشة الأوضاع الاجتماعية والسياسية مع المسؤولين، يقول كلمة الحق، ويجهر بها أمامهم، لا تأخذه في ذلك لومة لائم، رغم كونه موظفاً يعيش من راتبه الحكومي.

6- وكانت له مساهمة في كلّ عمل خيري يرجى من ورائه نفع عام للمجتمع، فهو يلقي دروسه التوجيهية النافعة على أعضاء الفرع العلمي في (دار الأرقم)، ويلقي الخطب المؤثر التي تعالج أحوال المسلمين بكل جرأة متطوعاً في عدد من مساجد المدينة.( )

ومع انصراف الشيخ المترجم له إلى الدعوة إلى الله، ونشر العلم والتعليم ومشاركاته الاجتماعية الكبيرة، فقد أفرد الكثير من وقته للكتابة، وتأليف الكتب النافعة، ورغم قصر المدة التي عاشها، فقد ترك من المؤلفات المطبوعة والمخطوطة ما يثير الدهشة والعجب.

فمن مؤلفاته المطبوعة:

1- روايات وادي موسى (جزءان).

2- واقعة الحسا.

3- واقعة معان.

4- حول الحمى.

5- يا فتى العرب.

6- جد بالطلب.

7- سر فبالتعب تبلغ الأمل، وكلها مطبوعة في حلب عام:( 1920 م)، وتدور أحداثها حول معارك الثورة العربية، بقيادة الملك فيصل.

8- رواية علي بك (فكاهية هزلية)، طبعت في حماه.

9- دروس التاريخ، وهو جزآن طبع في حماه سنة (1929).

10- منهج القراءة الجديد.

11- قواعد التحرير والإملاء، وهي كتب مدرسية مطبوعة أيضاً.

وما بقي مخطوطاً فهو أكثر من ذلك بكثير، ومعظمها في الأدب والتاريخ والسياسة والتراجم، وقد بلغت حوالي الثلاثين مجلداً فيما يقارب اثنتي عشرة ألف صفحة، فمؤلفاته التاريخية بلغت ست مجلدات في 2454 صفحة، ومؤلفاته الأدبية بلغت سبعة مجلدات في 2624 صفحة، ومؤلفاته السياسية بلغت سبعة عشر مجلداً، في 6604 صفحات، هذا بالإضافة إلى أبحاثه ومقالاته التي كان ينشرها في صحف ومجلات عصره، سيما تلك المقالات التي نشرها في جريد (القبس) الدمشقية بعنوان (الزفرات)، وكان يوقعها باسم (أبو مروان)، وهي مقالات سياسية بأسلوب فكاهي.

كان الشيخ المترجم له عالماً عاملاً متفننا في شتى العلوم والفنون، جمع بين العلوم الشرعية والعربية والآداب والفن والموسيقا، التي أتقنها إتقانا جيداً على يد أستاذه الفنان أحمد أبري الحلبي، وتابع دراستها على الأستاذ الفنان التركي المولوي حسن البصري، وتعلم العزف على العود والطنبور، وأصبح يؤلف الألحان العذبة ويكتب (نوطتها)، وكان يقتني أحسن الآلات الموسيقية وأثمنها، ثمّ ترك ذلك كله واتجه إلى العلوم الشرعية والعربية والأدب، ومن ألحانه النشيد الذي نظمه شاعر العاصي، الأستاذ بدر الدين الحامد بمناسبة حفل تأبين الشيخ الشهيد خالد الخطيب ومطلعه:

يا فقيداً لا توفيه العيون=حــقه بالسهد والدمع الهتون

نحن من بعدك في أيدي الشجون=نذكر الأيـــام والذكرى فنون

 

اختطفته يد المنية وهو في عنفوان رجولته وثراء عطائه، وذلك في اليوم الثالث من شهر شوال سنة: إحدى وستين وثلاثمئة وألف للهجرة النبوية الشريفة، الموافق للثالث عشر من شهر تشرين الثاني، عام: اثنين وأربعين وتسعمئة وألف للميلاد، في مدينة حلب، وخلف وراءه ثغرة صعب سدّها، وإخوانناً حارت ألبابهم حزنا عليه، وطلابا فقدوا فيه الأب الرؤوف والمعلم الحكيم والمرشد المحب العليم، وأقيمت له حفلات التأبين في مدينتي حلب وحماة، وكثرت مراثيه وعظمت شهادات الرجال فيه، وممن رثاه نثرا وشعرا صديقه العلامة الفقيه الشيخ مصطفى الزرقا، ومما قاله فيه : (لمن نرثي بفقدك يا أمين ؟ ... أنرثي للعلم، أم للأدب؟ أم للأخلاق أم لحياة الجدّ والعمل النافع؟ أم للذكاء البارع والفهم الناصع؟ أم لطلاب تركتها حيرى، وقد راعها سقوط راعيها؟ ...) كما رثاه رثاءً مؤثرا في ديوانه (قوس قزح) تحدث فيه عن علمه وأخلاقه وجهاده وأتبع ذلك بقصيدة مؤثرة نختار منه هذه الأبيات:

مضى فاستعبر الأدب الغـريض=وجفن العلم منكسر مريض

ينازعنا الرثاء له قريـضاً=ودون قريضنا حال الجريض

به آمالنا قد كن أوجاً=فهن اليوم من ثكل حضيض

تقوض شاهق، وانهدّ ركن=بفقدك يا أمين ولا معيض

بنفسي لو لنفسك من فـداء=نهى بكر، وفكر لا يغيض

وعلم تشرق الآراء فيـه=على جنبـــــــاته عقل يفيض

تشف به الحقائق عاريـات=ويعجزهـــا بساحته الغموض( )

ورثاه الأستاذ الشاعر عمر بهاء الأميري في كلمة ألقاها في حفل التأبين الذي أقامته له (دار الأرقم) بقوله :(مات أمين الكيلاني، فماذا مات بموته؟.. مات الرجل المسلم الفعَّال الذي لا يضيع وقتاً، ولا يعرف كللاً، ولا يخيب طلباً، مات الرجل الذي لا يهمه ما يقال عنه تجاه تحقيق مبدئه، ولا يبالي أين يتكلم ما دام يدعو إلى الخير، ويتكلم الصواب وينادي بالحق، مات الرجل الذي أذاب نفسه من أجل غيره، فما سُمع عنه أنه توخَّى الشهرة، أو استهدف المكانة، أو سيرَّته الأنانية، مات الرجل العامل الصامت الذي يتعب فلا يتحدث عن تعبه، والذي يعمل فلا يمنُّ بعمله، لقد كان يعمل لله، ويعلم أنَّ من حق العامل لله أن يكون صابراً صامتاً، مات الرجل الذي صار بعد أن هبط حلب أحد العناصر الإسلامية في كلِّ وَصْفةٍ تلزم الأمة الإسلامية المريضة في هذه البلدة...).( )

ومما قاله تلميذه الشيخ طاهر خير الله: (كان لأستاذنا الفقيد علم غزير، وأدب غض رائع، وكان في طليعة الأساتذة المحبوبين بدروسهم وتدريسهم عند الطلاب... فمتى حان ميعاد درسه تهافت الطلاب عليه ليجنوا من ثمرات آدابه وأفكاره النضيجة ما نحن فقراء إليه، فإذا شرع يتكلم فلا تسمع صوتاً ولا همساً، كأنَّ على رؤوسهم الطير، فكان كلامه نوع من السحر الحلال، فهو ينثر حافظته نثراً محكماً، يتكلم برويَّة، ويفهم بدقة، ويرتب بجمال... وهكذا كان أمل مدرستنا به لامعاً: عندما عرفناه أستاذاً فيها لأول مرة هذه السنة، فاستفادت منه في شهور ما يعادل أعواماً...).( )

وقال تلميذه الأستاذ سليم عقيل في كلمة طلاب التجهيز: (لقد كان أستاذنا رحمه الله يلهم طلابه بأفعاله وأقواله معالي الأمور وأسمى الغايات، ويهبهم كل ما يعلم ليحقق بهم أمله الباسم في المستقبل، وليكون منهم علماء حقاً لا حملة شهادات...).( )

 وقد رثاه شعراً عدد من الشعراء منهم الأستاذ إبراهيم العظم، والأستاذ بدر الدين الحامد، والأستاذ عمر يحيى، والأستاذ محمد الحريري، وغيرهم.

 ومما قاله الأستاذ العظم من قصيدة طويلة:

نفد الدمع في رثاء الغوالي=ما لعيني وللدموع ومالي

كل يوم تشجى القلوب بغالٍ=حسبنا الله من فراق الغوالي

يا شباباً ذوي طــوته المنايا=آه منهنّ ما طوت من خلال

ومثالا من الكمال عليـاً=ما له في شبابنا من مثال

وإذا الخطب بالنعي مهيب=أن أصابت أمين عين الكمال

أمل ضائع تحوم عليه=طائرات القلوب والآمال( )

أما صديقه الشاعر الكبير الأستاذ عمر يحيى، فقد رثاه بقصيدة رائعة بلغت أربعة وخمسين بيتا، نقتطف منها هذه الأبيات:

نام عن شجوه وعن أحلامه=وهو ماض في سعيه واعتزامه

ما درى أن عمره ومناه=بين همس ورعشة في منامه

إيه يا دهر قد ظفـرت ببحر=طـالمـا جـدّ في بلوغ مرامه

يا غريباً أبقى أخاه غريبا=يعلم الله ما مدى آلامه

خلِّ عيني ودمعها فقليلٌ=لك دمع العيون في تسجامه

ما حمدنا ريب المنون مطيفاً=بالنبوغ المرجو قبل تمامه( )

ورثاه صديقه شاعر العاصي الأستاذ بدر الدين الحامد، بقصيدة طويلة، نختار منها الأبيات التالية:

قيل لي مات قلت: كيف يموت=أمل مشرق وعلم وصيت

وشباب في العين ورد نضير=في تضاعيفه جرى الياقوت

يا عظيم الإيمان لُقّيت خيرا=بالرضا عنك أزلف الملكوت

كم مقام رفعت صوتك فيه=لا تبالي ما يمكر الطاغوت

كنت للدين ناصراً في زمان=ناصر الحق والهدى ممقوت

أنت أصبحت في الجنان طليقاً=طبت ميتاً فلا تقل لو بقيت( )

 

المصادر والمراجع

1- الأعلام، لخير الدين الزركلي 2/21. 

2- أعلام الأدب والفن، لأدهم الجندي 1/195.

3- حلب في مئة عام، لنجوى عثمان وفؤاد عنتابي.

4- ديوان قوس قزح، للعلامة الفقيه مصطفى الزرقا. 

5- كتاب محافظة حماة. 

6- مجلة الجامعة الإسلامية العدد: 111 السنة الرابعة عشرة، سنة: 1361هـ.

7- مقابلة شفهية مع شيخنا الشيخ محمد دروش الخطيب، جرت في منزله بحلب صيف عام 2003م.

الهوامش

( ) لهذه الأعمال التي حفظتها له مدينة حلب ولإقامته فيها مدة غير قليلة، ثمّ وفاته فيها، آثرت إثبات ترجمته مع العلماء الحلبيين مع أنه حموي الأصل والمولد.

(2) ديوان قوس قزح.

(3) مجلة الجامعة الإسلامية العدد 111 عام 1361هـ.

(4) المصدر السابق.

(5) المصدر السابق.

(6) المصدر السابق.

(7) المصدر السابق.

(8) المصدر السابق.