رحمك الله أبا معاذ في وداع الشيخ الكريم مصطفى المراد

 

فقدنا في الأسبوع الماضي عالماً من علماء الأمة الأجلاء ، وأديباً من أدبائها ألا وهو الشيخ مصطفى عبد العزيز المراد -الحموي - ساكن طيبة الحبيب صلى الله عليه وسلم ، ودفين جنة البقيع الغرقد .

تجلس في مجلسه فتشعر بجلال العلم ، وهيبة العالم ، وأدب المربي ، ولطف الأنيس ، وتواضع الواثق ، والشعر الرقيق الهادف .

ولعل أروع فائدة تخرج بها بعد لقائك به وزيارته : أنه يعطيك النموذج الرائع في تحري الفتوى المنضبطة ، والتقدير والاحترام لعلماء الأمة وطلبة العلم ، فيكسبك الأدب الراقي ، فيعطيك العلم المقرون بالأدب ، شعاره شعار علماء السلف الذين مزجوا العلم بالأدب ، مقتفياً حكمة رائعة يوجهها أحدهم لطالب العلم فيقول له : ( ليكن علمك مِلْحًا وأدبك دقيقًا ) أي لتكن نسبة تأديبك لنفسك والعمل على ترقية سلوكك وأخلاقك أعلى من مجرد المكاثرة من جمع العلم وتحصيله بلا عمل .

ما زرته مرة إلا وخرجت بدفقة إيمانية ، ونقولات علمية رائعة، وقصص عن علماء أفذاذ كانت لهم مواقف مشرفة .

جمع بين التعليم والتوجيه التربوي فكان معلماً مجيداً ، ثم بعد ذلك مشرفاً تربوياً على المعلمين في مدارس المدينة المنورة .

ذكرت له مرة كلمة جميلة للحافظ الذهبي رحمه الله حيث قال : ( ولكن شأن الطالب أن يدرس أولا مصنفا في الفقه، فإذا حفظه بحثه وطالع الشروح، فإن كان ذكيًّا فقيهَ النفس ورأى حجج الأئمة فليراقب الله، وليحتط لدينه، فإن خير الدين الورع، ومن ترك الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه، والمعصوم من عصمه الله ) ، فعلق عليها الشيخ مصطفى رحمه الله تعليقا جميلاً فقال: 

( هذا يدل على نظرة تربوية ثاقبة للحافظ الذهبي في الأسس التي ينطلق من خلالها طالب العلم ، والمراحل التي يتدرج بها، والصفات الواجب توفرها للنظر في آراء العلماء وحججهم ، ملتزماً الورع الذي يبعده عن تبني رأي معين بناء على الهوى والمزاج الشخصي ، وهذا فنُّ صناعة طالب العلم ، وقد ألَّـف في ذلك الشيخ محمود عثمان – الحموي - رحمه الله رسالة سماها : "فنُّ المشيخة" ) .

حقاً  كما قيل : "موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيءٌ ما اختلف الليل و النهار"  وإن في وفاة الشيخ مصطفى رحمه الله ثلمة وأي ثلمة وخاصة في هذا العصر الذي نحن بأمس الحاجة للعلماء والمربين لأن بفقدهم يندثر العلم وتفقد الأجيال معين الحكمة والتجارب الواعية ، وإن من أعظم مصائب الأمة فقد علمائها :

لـعَـمْـرُكَ ما الـرزّيـة فـقـدُ مال *** ولا فـرسٌ تــمُـوتُ ولا بـعــيـرُ

ولـكّـنَّ الـرزيّـَـةَ فــقــدُ حـــــر *** يـمُـوتُ بـمَـوتـه خَـلْـقٌ كـثـيـرُ”

رحم الله الشيخ رحمة واسعة ، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ، وعوض الله الأمة خيراً .