العلَّامة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة -1-

 

مضى (والدي) حينَ لم يبقَ مشرقٌ ** ولا مغربٌ إلَّا له فيه مادحُ

وما كنتُ أدري ما فواضلُ عِلْمِهِ ** على الناسِ حتى غيَّبَته الصفائحُ

فأصبح في لحدٍ من الأرض ميِّتاً ** وكانت به حياً تضيقُ الصحاصحُ

سأبكيك ما فاضت دموعي فإنْ تَغِضْ ** فَحسبُك منِّي ما تُجِنُّ الجوانحُ

ففما أنا من رزءٍ وإن جَلَّ جازعٌ ** ولا بسرورٍ بعدَ موتِكَ فارحُ

كأَنْ لَمْ يمت حَيٌّ سواك ولم تَقُمْ ** على أحدٍ إلَّا عليك النوائحُ

فلئنْ حَسُنَتْ فيكَ المراثي وذكرُها ** لقد حسُنَتْ من قبلُ فيك المدائحُ

 

 

* اسمه وكنيته ونسبه ونسبته:

هو أبو زاهد وأبو الفتوح عبدُ الفتاح بنُ محمدِ بنِ بشيرِ بنِ حسنِ أبو غدة، الحلبيُّ بلداً، الحنفي مذهباً، القرشي المخزومي الخالدي نسباً، المنسوب إلى سيدِنا خالد بن الوليد المخزومي رضي الله عنه ونفعنا بحبه، والسير على نهجه ودربه. وذلك كما جاء في شجرة النسب التي تحفظ نسب الأسرة، وكما سمعته منه مراراً وتكراراً.

* ميلاده:

وُلد رحمه الله في منتصف رجب عام 1336هـ، الموافق 1917م، كما سمع من والدته رحمهما الله تعالى، وذلك بمدينة حلب الشَّهْبَاء.

* أسرته:

كانت أسرتُه متوسطة الحال، ذاتَ بُروزٍ في محيطها.

وكان والده وجده رحمهم الله تعالى يحترفان التجارة بصنع المنسوجات الغَزْلِيَّة، التي كانت تسمَّى (الصَّايَات) وهي قماشٌ ينسج بالنَّوْل اليدوي، تارة لُحْمَتُه وسَدَاه غَزْل، وتارة لحمته وسداه حرير.

وكانت منتوجاتُهما أعلى المنتوجات جودةً وإتقاناً ورونقاً ومتانة، فكانت تُطْلب من السوق بعينها لذاتها، ويُصدَّر منها المئات إلى تركيا في الأناضول، فكان أهل بر الأناضول رجالاً ونساءً يلبسون منها.

كان والدُه وجدُّه يتَّجران بهذه الصناعة والتجارة، وكانا يعدان من أهل اليسر المحدود لا الغنى الطافح المشهود، وكانا من أهل السِّتر والعفاف وأهل التمسك بالدين وشعائره والمواظبة على الذكر وقراءة القرآن، ونَشَّأوا أبناءهم على ذلك، فجزاهم الله عنهم خير الجزاء.

وبعد كساد صناعة (الصَّايَات) بسبب تحول اللباس عند الأتراك من الثياب إلى (البدلة) الإفرنجية، تحوَّل والده إلى متجر في سوق الزَّهْر بحلب المتفرع من شارع بَانْقُوسَا، كان يبيع فيه الأقمشة المختلفة مما يلبسه أهل الريف الحلبي.

ومن الطريف أنه يوم وُلد والدي رحمه الله باعا (جده ووالده) ألفَ صَايَة (دَرْجَة) ففرحا كثيراً. وأطلقا على المولود اسم عبد الفتاح لما فتح الله عليهما به يوم مولده.

وقد كان أساس سُكنى العائلة بحي الجُبَيْلَة، وقد كانت هناك أرض عليها دارٌ متواضعةٌ، وهي بالأصل لآل غدة وبعض أقاربهم وِرْثَة، فأخذ جده بشير، وقد كان من الوجهاء العقلاء الفصحاء النبلاء الفطنين الرزينين، هذه الأرضَ مراضاةً، حيث أتى بكاتب شرعي من المحاكم الشرعية، وبعضِ الوجهاءِ، ثم دعا من له حصة في هذه الأرض، وأعطاهم ما طلبوا حتى أرضاهم واستملك الأرض، ثم جَدَّد هذا البيت وعَمَره عِمَارة جميلة، فأصبح فيه سبعُ غُرَف وأربعةُ أَقْبَاء (جمع قبو وهو الغرفة التي تكون تحت مستوى الأرض). 

وكان واسعاً رحباً جميلاً حتى إن بعض الناس كان يقيم الأعراس فيه لجماله ورحابته، وقد أدرك والدي عملية التملك هذه وهو بين 6 إلى  8 سنين.

وقد قال والدي عن جده بشير: إنه كان أبعد نظراً من ابنه محمد.

وقد توفي جده عن قرابة 85 سنة، وكان عمر والدي قرابةَ عشرين سنة، وكان براً بجده يحمله إلى حيث يريد بعدما أُقعد، ولما توفي كان والدي في مبدأ طلبه العلم، وقد طلب والدي العلم متأخراً وعمره 19 سنة تقريباً.

وتوفي والده رحمهم الله جميعًا ليلة الامتحان وهو في المدرسة الخُسْرُوية قبل ذهابه إلى الأزهر بسنتين، وعمره قرابة 25 سنة، أي سنة 1361هـ  1942م.

وكان لجدي رحمه الله خمسة أولاد: ثلاثة أبناء وابنتان، فأما الأبناء فهم: عبد الكريم وهو أكبرهم وكان ممن قاوم الفرنسيين ودوَّخهم، ومن أولاده الدكتور عبد الستار له مؤلفات ومشاركات في العلم الشرعي، وبخاصة في قضايا المعاملات والبنوك الإسلامية.

وعبد الغني ومن أولاده الدكتور حسن صاحب كتاب «أحكام السجن ومعاملة السجناء في الإسلام» أول مؤلف في هذا الباب، وغيره من الكتب.

ووالدي رحمهم الله جميعاً.

وأما البنات فهما شريفة وزوجها الحاج محمد سالم بيرقدار رحمه الله، ونَعِيْمَة وزوجها الحاج علي خيَّاطة متعهم الله بالصحة والعافية.

* نشأته وتحصيله العلمي:

نشأ والدي في حِجْر والده الذي كان كثير تلاوة القرآن والمحافظة على قراءته في المصحف، والمحب للعلماء المتقصد لحضور مجالسهم ودروسهم، والاقتباس من علمهم وإرشادهم.

ثم لما دخل في السنة الثامنة من العمر أدخله جده رحمه الله المدرسة العربية الإسلامية الخاصة، وكانت ذات تكاليف وأقساط مرتفعة، كما كانت ذات سمت عال، وإدارة حازمة، ومتانة في التعليم والأخلاق، فكان لا يدخلها إلَّا عِلْية القوم، ووجهاؤهم.

فدرَس فيها من الصف الأول حتى الرابع دراسة حسنة، وتعلّم فيها ما محا منه الأمية، وأكسبه صحة القراءة والكتابة مع ضعف الخط عنده.

وكان لحسن قراءته وسدادها الفِطْري يدعوه كبارُ أهل الحي ووجهاؤه إلى سهراتهم الأسبوعية الدورية ليقرأ لهم من كتاب «تاريخ فتوح الشام» المنسوب للواقدي وغيره من الكتب التي كان الناس يسمرون على قراءتها، فحظي بصحبة الكبار الوجهاء والنخبة العقلاء الفضلاء، وهو في سن العاشرة وما بعدها، يعد من صغار أولاد الحي.

فكان يجلس في مجلس سَمَر كبارهم لحسن قراءته وخِفَّة ظِلِّه (لصغر سنه)، ورفعة مقام جده ووالده في الحي.

وبعدما ترك المدرسة توجّه إلى تعلُّم الخط الحسن، فدخل مدرسة الشيخ محمد علي الخطيب بحلب، وكان شيخاً صاحب مدرسة خاصة تُعَلِّم القرآن والفقه وحُسن الخط فقط، فتحسَّن خطه بعض الشيء، لكنه لم يصبر على الاستمرار في تعلم تحسين الخط طويلاً، فترك المدرسة بعد أشهر.

فرأى جدُّه ووالدُه، وكان قد صَلُب عوده، أن يتعلم حِرْفَةً أو صَنْعَةً، وقالا له: صنعة أو حرفة في اليد أمان من الفقر. ولم يكن في ذلك الوقت فقيراً، ليسر أسرته ولله الحمد، لكن جده ووالده أرادا أن يكون بيده حرفة خشية تحول الأيام وتقلبها على الكرام، فتعلم حرفة الحِيَاكَة: النَّوْل اليدوي، ولم يكن هناك نول آلي، وأحسَن المعرفة بهذه الحرفة، وقد تعلمها أخواه عبد الكريم وعبد الغني من قَبله رحم الله الجميع، وكانت هذه الحرفة تُدِرُّ مورداً حسناً يُفْرَح به، فتعلمها رحمه الله وادَّخر بعض الليرات الذهبية العثمانية، فكانت له خاصة، ونفقته وعيشه متكفل به أبوه تمام التكفل رحم الله الجميع، وبقي في هذه الحرفة عاملاً ناجحًا لنحو سنتين أو ثلاث.

ثم بدا لجده ووالده أن يتعلم التجارة، فاختارا له أن يتعلم التجارة والبيع والشراء عند صديقَيْهما التاجر (عبد السلام قُدُّو) التاجر في سوق الطَّيْبية قرب باب الجامع الكبير الشمالي، فجلس عنده، وكان تاجراً يبيع القمصان والملابس المصنوعة بالجملة والمُفَرَّق، وأمضى عنده نحو سنتين وزيادة عليها، وكان رجلاً ديناً مستقيماً عفيفاً يشتري من عنده النساء والرجال، فاستملح وجود والدي عنده لصغر سِنِّه، فكان والدي رحمه الله يراقب حال بعض المشترين أو المشتريات الذين يُخْشى أن تكون منهم أو منهن سرقة لما يستعرضنه للشراء.

ثم انتقل من عنده إلى تاجر آخر من أصدقاء جده ووالده وبعض أرحامه، وهو (الحاج حسن التَّبَّان) رحم الله الجميع وأسكنهم فسيح الجنان، وكان تاجرًا بالجملة والمفرق في متجره في (سوق الجُوخ العَرِيض) من أسواق مدينة حلب المسقوفة.

فتعلم منه ما زاده معرفة بالتجارة وعرضها للمشتري من الرجال أو النساء، وبقي عنده ثلاث سنين، ثم رأى جده ووالده أن يستقل بالتجارة وقد قارب السادسة عشرة، فأدخلاه شريكاً في العمل دون المال مع التاجر (الحاج محمد دُنْيَا) الذي كان تاجرًا بسوق الزَّهْر المتفرع من شارع (بَانْقُوسَا)، فشاركه نحو سنتين، وكان يتولى عنه البيع أكثر النهار، ويقوم بشراء ما نفِد من البضاعة من متاجر الجملة من تجار المدينة في (خان الكُمْرُك) وغيره.

ثم لما بلغ والدي التاسعة عشرة، أراد طلب العلم بالدخول في المدرسة الخُسْرُويَّة التي أنشأها الوزير العثماني الصدر خُسْرُو باشا رحمه الله، والتي سميت بعدما ضَعُف شأنها: الثانوية الشرعية.

فلم يرضَ جدي في بدء الأمر، فشَفّع والدي عنده بعض معارفه من الوجهاء، فقالوا لجدي: ينبغي أن تُشَجِّعه لشرف هذا الأمر فسمح له.

ثم إن والدي لما أراد الدخول في المدرسة الخسروية قبلوه أول الأمر ثم رفضوه لأن عمره 19 سنة، فشَفَّع صهرَه الحاج محمد سالم بيرقدار رحمه الله لدى بعض أصدقائه، وكان مديرَ الأوقاف في حينه، فكلَّم المسؤولين في لجنة القَبول فقبلوه، وكان الوالد والشيخ عبد الوهاب جَذْبَة رحمهما الله يتنافسان على القَبول، فمن يُقْبَل يبقى الآخر إلى السنة التالية، فقُبل والدي، وكان بينهما مودة، وكان الشيخ عبد الوهاب يُلَقِّب والدي بالأصمعي لما يراه من اشتغاله بعلم اللغة.

وكان هناك رجل فاضل في الحي اسمه محمود سَلْحَدَار يحرِص على إقراء القرآن في المنزل وختمه كل يوم، وتسمى (رَبْعَة) ويعطي من يفعل ذلك ليرة ذهبية، فكان والدي في أثناء دراسته في الخسروية يشارك في هذه القراءة.

وقد دَرس والدي رحمه الله في الخسروية ست سنين من سنة 1936م إلى سنة 1942م، وكان متفوقاً على أقرانه في تلك السنوات الست.

ثم انتقل إلى الدراسة في الأزهر الشريف فدخل كلية الشريعة في الجامع الأزهر بمصر في عام 1944م، وتخرّج في عام 1948م حائزاً على شهادة العالمية من كلية الشريعة.

ثم درَس في «تخصص أصول التدريس» في كلية اللغة العربية بالجامع الأزهر أيضًا لمدة سنتين وتخرَّج سنة 1950م، مع حصوله على إجازة في علم النفس.

ثم عاد بعد ذلك إلى موطنه.

وقد أمْلقَ والدي رحمه الله بعد وفاة والده رحمهما الله تعالى حتى مرَّ به يوم وهو لا يملك إلَّا اللباس الذي عليه، كما أنه منع نفسه من الفاكهة في أثناء الطلب بمصر حتى يشتري بثمنها كتباً عوضاً عنها.

* مذهبه:

كان رحمه الله حنفياً، متقناً للمذهب الحنفي الذي نشأ عليه ودرَسه على عدد من المشايخ ولا سيما الفقيهان الشيخ مصطفى الزرقا والشيخ المفتي أحمد الحجي الكردي الحنفي مفتي الأحناف في حلب، كما كانت له قراءات ومطالعات فردية كثيرة يغوص فيها في أعماق الكتب ويُوَشِّي على صفحاتها ملاحظاته وآراءه.

وكانت له مشاركة قوية واطلاع جيد على المذهب الشافعي، وهما المذهبان السائدان في بلاد الشام.

قال تلميذه الكبير الشيخ محمد عوَّامة حفظه الله في «الاثنينية» : وأحفظ لفضيلته مواقف عديدة كان ينبه فيها السائل إلى فروع دقيقة في زوايا حواشي الفقه الشافعي.

ثم إنه شارك مشاركة قوية في الفقه الإسلامي عامة، ورفد ذلك منه اشتغاله الطويل بتدريس أحاديث الأحكام، ولذلك يرى القريب منه سعةَ صدر في الأحكام، وسماحة، لا تساهلاً  في الفتوى والتطبيق، لكنه يكره تتبع الرخص، والأخذ بشواذ الأقوال. اهـ.

قلت: كان الوالد رحمه الله يكره تتبع الرخص والأخذ بشواذ الأقوال كما ذكر الشيخ محمد عوَّامة حفظه الله، كما أنه لم يكن حرفياً متعصباً للمذهب الحنفي، بل كان يكره ذلك جداً ويَعيبُه، وله في ذلك مواقف عديدة في خروجه عن المذهب الحنفي منها ما كان بيني وبينه، ومنها ما حصل أمامي، وقد أخرج رحمه الله في ذلك رسالتين: «رسالة الألفة بين المسلمين» لابن تيمية، و«رسالة الإمامة» لابن حزم، في موضوع الاختلافات الفقهية.

وقد سُئِل رحمه الله في «الاثنينية» السؤال التالي: إن هناك دائماً خلافات بين العلماء على مسائل فقهية، وكل واحد منهم ينتمي إلى مذهب من المذاهب الأربعة، ولا يريد أن يحيد عن فتوى مذهبه إلى درجة التشبث به، مما جعل الأمور الفقهية والفتاوى فيها أكثر تعقيداً، فما رأي فضيلتكم في ذلك؟

فأجاب: أولاً التشبث بالمذاهب الفقهية والتعلق بها، هذا واجب على كل من لم يكن من أهل الاجتهاد والمعرفة التامة بحكم الشريعة وفروعها وأصولها، فهذا ما أوجبه الله عزَّ وجلّ: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، أما التشبث والتيبس في أمر المذهب الواحد، فهذا ليس بواجب في الشرع، فيسوغ لِيَ أن أتعلم هذه المسألة أو أعمل في هذه المسألة بالمذهب الحنبلي، وإذا وجدت مسألة أخرى أعمل بالمذهب الشافعي، وإذا وجدت في هذه المسألة شدة أو صعوبة في المذهب الحنبلي أن أنتقل وأعمل بها في المذهب الحنفي، كل هذا معناه أَخْذُها بهدي الله عزَّ وجلّ وبهدي نبيّه صلَّى الله عليه وسلَّم وما كان هناك افتراق بين هؤلاء الأئمة، فكل واحد من هؤلاء الأئمة حرص كل الحرص أن يكون اجتهاده أقرب إلى كلام الله وكلام رسوله ما قَدِروا على ذلك، فلذلك نجدهم إذا وصل الواحد منهم إلى حكم من الأحكام في هذا اليوم، ثم وجد الحكم بعد أيام أو شهور أو سنين، ولاح له وجه آخرُ في المسألة ووجد المسألة على وجه آخرَ، يتحول عنها ولا غَضَاضة، وإذا لم يعلمها يقول: لا أعلمها ولا غضاضة، لماذا؟ لأن الشريعة عنده أغلى من وجوده.

فالإمام مالك رضي الله عنه جاء إليه رجل من العراق بأربعين مسألة، فقدَّمَها إليه وسأله عنها، فأجابه الإمام مالك رضي الله عنه بست مسائل، فقال له الرجل: يا أبا عبد الله أنا طويت الأرض ومشيتُ الفَيَافيَ والقِفَارَ إليك وأنت عالم المدينة، أريد أن أعرف هذه المسائل كلها، فبماذا أرجع للناس وأقول لهم؟ قال: قل لهم قال مالك: لا أدري! لا يضيره أن يقال عنه: قال: لا أدري، لأن الدين عنده أغلى من أن يخجل في سبيله.

فالتمسك بالمذهب من حيث هو إذا كان على عصبية أو غيرِ معرفة، فهذا من النقص في الإنسان، ولا يصح للإنسان أن يعتقد أنه إذا كان والده حنبلياً ينبغي أن يكون حنبلياً، أو شافعياً أن يكون شافعياً، يمكن أن يكون هكذا وهكذا وهكذا، وهذا من س2عَة الإسلام، لأن اتباع أي مذهب هو اتّباع للكتاب والسنَّة، وهذا الاجتهاد ظني، فيجوز للإنسان أن يأخذ به من قول هذا العالم أو قول هذا العالم، أما التعصب والتحزب فهذا ليس من مبدأ المسلمين، ليس من مبدأ الإسلام وليس من مبدأ الفقه، لذلك الإمام أبو حنيفة رحمه الله خالفه أصحابه ودونوا خلافاتهم بوجوده ولا حرج، لأن هذا دين الله ينبغي الاجتهاد في تحصيل الأصح منه، فلذلك هذا الَّذي يقال فيه تعصب أو تحزب، أو تمسُّك ببعض المذاهب ولا يحيد الإنسان عنها، هذا من النقص النفسي، فينبغي للإنسان أن يعدِل عنه ويكون واسع الصدر، واسع الرأي، واسع القلب، يقدِّر كل إمام بفضله وكرمه وعلمه ومقامه العظيم...، فليس أحد من الأئمة أفضل من الآخر، وكلهم من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مقتبس وملتمس، والله أعلم. اهـ كلامه رحمه الله تعالى.

وإلى الحلقة القادمة من الترجمة، ونتناول فيها أبرز شيوخه رحمه الله تعالى.