ترجمة الشيخ عبد القادر قويدر العربيلي الشافعي

 

ترجمة مسندِ بلاد الشام في القراءات العشر الكبرى من طريق طيّبة النشر .. عبدالقادر قويدر العربيلي الشّافعي .. والمعروف بـ عبدُه صماديّة ..

وقدْ اعتمدتُ في ترجمته على ما كتبه فضيلة الشيخ العلّامة : د. مجد مكي ،،ولم يكنْ لي دورٌ سوى إعادة صياغة الترجمة وتزيينها بما يُناسبها من ذكر الأسانيد والطرق .. فإن أصبتُ فهو توفيقٌ من الله ، وإن أخطأتُ فمن نفسي والشيطان ، والله المستعان ..

 

ولد - رحمه الله تعالى - في قرية عِربيل ( قرب دمشق ) عام 1900 م ..

توفّي أبوه ولم يتجاوز السادسة من عمره ، 

فكفلته أمه واخته الكبرى ، فأخذا يرعيانه ويحفظّانه القرآن ،

حتى ختمه كاملاً على عمر صغير جداً حتى أنه قال " لا أعلم متى حفظت " ..

 

رحل إلى دمشق ، والتحق بالمدرسة الباذرائية ، كانت بيتاً لأحد أمراء صلاح الدين ، ثم تحوّلت إلى مدرسة شرعية في القرن 13م .. هناك حيث التقى بالشيخ المقرئ توفيق البابا عام 1924م وعمره 24 عاماً .. فحفظ على يديه متن " الطيّبة " في القراءات العشر الكبرى وقرأ عليه بمضمنها إلى سورة البقرة .. وكان يقرأ عليه لا يُفارقه ، حتى أن الشيخ توفيق سافر إلى بيروت فأخذ الشيخ عبدالقادر معه .. وأثناء إقامته في بيروت ، التقى بالشيخ عبدالله أفندي بن السيد سليم المنجد ، والذي تلقّى القراءات العشر الكبرى على الشيخ حسن موسى شرف الدين المصري الأزهري ، وهو قرأ بالقراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرّة على المتولّي شيخ الإقراء بالديار المصرية ، وبالقراءات العشر الكبرى من طريق طيّبة النشر على أحمد الخلوصي والشهير بحافظ باشا ، إذ كان يعملُ مشيراً لسلطنة العثمانية العليّة في مدينة دمشق ،ولم يكن هناك أحد مجاز بها على مستوى سوريّة غيره ، ولعلّي أفرغُ له ترجمةً في منشورٍ آخر ..

فتلقّى الشيخ العربيلي متن " الطيّبة " عام 1926م عن الشيخ عبدالله المنجد ،وحفظ المتن ( على صعوبته لمن يعرفه ) في خمسة أشهر فقط ( من صفر إلى جمادى الآخرة ) ،ثم بدأ عليه ختمات بالإفراد للقرّاء العشر ، فابتدأ برواية قالون حتى ختم برواية اسحاق ..فأجازه الشيخ عبدالله المنجّد بالقراءات العشر الكبرى من طريق طيّبة النشر ..

 

وقد نبغ الشيخ العربيلي بالقراءات وبقوّة استحضاره للأوجه ..فأرسل الشيخ المنجد للشيخ الضبّاع شيخ الإقراء في الديار المصرية أن يجيزه متابعةً،فاستجاب له الضبّاع وأجاز الشيخَ العربيلي بالقراءات الأربعة عشر ( وهي القراءات العشر الصغرى والكبرى والأربع الشواذ الزائدة عليها ) مكاتبةً بعد أن أرسله يختبره ولم يلقَه أبداً .. و أحبه الشيخ عبد الله المنجد ورعاه رعاية الآباء للأبناء واهتم بتعليمه ..

 

بلغ الشيخ العربيلي رتبة عاليةً من النضوج العلمي القرآني لم يضاهيه أحد ،فأشار عليه الشيخ المنجد بالبدء بالإقراء في بيته في قرية عربيل ..فاستجاب لذلك الشيخ قويدر ، فكان مرجعاً لأهل القرية والقرى المجاورة لها ..وكان خاله آنذاك إمام جامع القرية ، فحين توفّي استلم الإمامة والخطابة عنه ..مع مكانته ووجاهته في المجتمع ، يأمر وينهى ، يعقد ويفسخ ، ذو رأي سديد ولبّ رشيد ..

 

ذاع صيته واشتهر بإقرائه من طريق طيّبة النشر ، وهو طريق ما كان في الشام أحد يعرفه ..فازداد عليه إقبال الناس حتى بلغ عدد الحفظة في قريته لوحدها أكثر من 80 حافظاً على يديه ..وكانَ يُقْرئ من طريق النشر بمضمن تحريرات الإزميري وهي مع شدتها متقناً حافظاً لها ..فتلقّى عنه هذا الطريق النادر حينها شيخ قراء مدينة حمص : عبدالعزيز عيون السود ،وشيخ قراء بلاد الشام محمد كريّم راجح ، والشيخ حسين خطّاب ، والشيخ شكري اللحفي وغيرهم..وتزاحم عليه الناس لطلب القراءة عليه من هذا الطريق ، حتى أنه توفّي قبل أن يكملوا لكثرتهم .. 

 

إلى عام 1949م ، حيث أصيب بالإنتان ( للأطباء : هو ما يسمّى بـ septicemia )وهو مصطلح يشير إلى استجابة جميع اعضاء الجسم لحالة التهابية نتيجة اصابة بكتيرية عنيفة ..فيصاب بحمّى عالية ، وتزايد ربات القلب والتنفس ، ويؤثر على وظائف الأعضاء الحيوية .. ومع شدة ذلك عليه ، لم يتوقف عن الإقراء وتلقين القرآن والقراءات العشر ،حتى قيل أنه ذهب بنفسه ليحلل في المختبر، وبعد النتيجة تعجّب المخبري أنه نفسه صاحب العيّنة ، إذ بلغ من شدّة توغّل الاصابة في الدم إلى ما تجعل صاحبها طريحاً في الفراش لا يتحرّك ..حتى توفّي بعد أشهر قليلة من الاصابة عام 1949م وعمره قريب الخمسين عاماً فقط ..

 

رحم الله الإمام صاحب الفضل بنشر القراءات العشر من طريق طيّبة النشر في سوريّة ..

ورضي الله عنه وأرضاه .. وجمعنا به في الفردوس الأعلى ...