الشيخ الداعية أحمد محمد قطيع

احد مؤسسي الحركة الاسلامية في ادلب 

(1929 – معاصر)

 

هو الأستاذ الداعية والمربي القدوة أحمد شيخ محمد قطّيع الذي يعتبر من رواد الحركة الإسلامية في إدلب وفي سورية ، تنوعت خبرته ومعارفه فهو متضلع في علوم اللغة العربية، والشريعة والحقوق ، وهو شاعر ، بالإضافة إلى كونه مصلحاً يهتم بالقضايا الاجتماعية وإصلاح ذات البين، وهو من عائلة ذات وجاهة ومكانة مرموقة ساعدته في مجال الإصلاح .

المولد والنشأة :

– والأستاذ أبو محمد من مواليد مدينة إدلب – سورية عام 1929م. ونشأ هذا الأديب الحقوقي أحمد قطيع في كنف والده الشيخ محمد قطيع ؛ الذي بقي عشرين سنة لا يجيد القراءة ولا الكتابة ، وعندما طُلب للخدمة في الدولة العثمانية عام 1885م قال له والده القاضي عمر العالم قطّيع قل لهم : أنا طالب، والدليل عند الامتحان يكرم المرء أو يهان ، فأعطوه مهلة ستة أشهر تعلم فيها العربية والمواريث حتى أصبح مرجعاً فيها بمدينة إدلب ، وعندما اجتاز الامتحان بنجاح وضعوه رئيس طابور ، وترعرع الأستاذ أحمد في ظل هذه الأسرة والبيئة السنية المسلمة المحافظة ..

أما والدته فهي السيدة (( زلوخ محمد كامل )) من سرمين ، وابن أخيها هو الدكتور عبد الرزاق كامل الذي يحمل دكتوراه في الكيمياء .

 توفيت والدته وعمره سبع سنوات .

وله عدد من الإخوة :

عمر : وهو أكبر إخوته ، درس حتى الصف الثالث ، وهو شاعر .

مصطفى :  كان يعمل سماناً، ودرس حتى الصف الثالث، ثم ترك 

وأحمد : وهو صاحب الترجمة .

وعبد القادر : يعمل في الزراعة ..وجميع أفراد الأسرة من الذين عملوا في الزراعة .

ثم تزوج والده بامرأة ثانية بعد وفاته زوجته الأولى زلوخ كامل،  وأنجب منها :

وجيه ، وسامي : فهو أصغر منه بأربعة عشر عاماً ، وشقيقه الشيخ سامي قطيع أشهر من نار على علم .

وعبد الرزاق : ويقيم الآن في تبوك ، ويحمل شهادة في الفيزياء وله اختراعات بديعة.

حياته العلمية : 

درس أحمد شيخ محمد قطيع بالمدرسة الابتدائية الثانية عام 1935م وبعد إتمام الخمس سنوات فيها حيث لم يكن التركيز على التعليم سوى الابتدائية انتظر عامين بعدها ذهب إلى حلب، وأكمل دراسته الاعدادية والثانوية في الخسروية في حلب حيث تخرج فيها عام 1950م .

وفي أثناء الدراسة في الثانوية الشرعية كان يقود المظاهرات، ويلهب مشاعر الجماهير ضد فرنسة، فلاحقته السلطات الفرنسية، وحكمت عليه بالإعدام، وهو ما يزال في الصف الثامن، فأخذه مدير الثانوية (نعمان سخيطة ) إلى القنصل الفرنسي في دمشق، فأصر القنصل الفرنسي على تنفيذ الحكم، فقال له الأستاذ نعمان : عندنا طالب هنا هو ممثل الطلبة فهل تأذن لنا بإدخاله ، فأدخله فلما تكلم الشاب أحمد أندهش القنصل من بلاغته وفصاحته ، فأخبره الأستاذ نعمان بأن هذا هو الطالب المطلوب، فعفا عنه .

ومن غرائب هذه المرحلة من الدراسة أنه كان يصلي الفجر كل يوم في المسجد، ثم يمشي مسافة لا بأس بها ، ثم يحضر درساً أو درسين بعد صلاة الفجر، ثم يذهب إلى المنزل فيفطر، ثم يلتحق بالدراسة النظامية .

بعد حصوله على الشهادة الثانوية درّس فترة في ثانوية المتنبي والخنساء بإدلب أثناء دراسته الجامعية .

 

شهاداته الجامعية: 

دخل كلية الحقوق في دمشق، ثم تخرج في كلية الحقوق – الجامعة السورية سنة 1954م ؛ وحصل على الإجازة منها .

حصل على شهادة اختصاص في الحقوق العامة من الكلية المذكورة ذاتها سنة 1955م .وفي عام 1954م كان الأستاذ في السنة الثالثة حقوق وكان متفوقاً في جميع المواد يحصل على الدرجة التامة ، ولكنه حصل على 90 بالمئة في الحقوق الرومانية لأنها درسها بنفسه ولم يتلقى دروساً فيها من أحد .

وبعد أن قدم الاختبار فيها أحضر له المعلم سبعة دكاترة وراح يسأله وهو يجيب ثم التفت الدكتور وقال لهم هل رأيتم من نباهة هذا الطالب فقالوا : لا .

تخرج في كلية الآداب – الجامعة السورية بدمشق قسم اللغة العربية وآدابها حيث أعفي من شهادة الثقافة العامة لحيازته على إجازة الحقوق. 

حصل على شهادة دراسة عالية في تاريخ العرب والإسلام عام 1956م. 

حصل على شهادة دراسة عالية في علوم اللغة العربية عام 1957م. 

حصل على شهادة دراسة عالية في آداب اللغة العربية عام 1958م. 

شيوخه وأساتذته :

وقد نهل العلم على أيدي العديد من العلماء منهم :

-محمد السلقيني : وقد درسه في الثانوية الشرعية، وكان الأستاذ وفياً له يقبل يده وعندما كان عمره 63 سنة كان يقيم في السعودية، فسمع أن شيخه محمد السلقيني قد حضر في موسم الحج ، فدعاه إلى بيته ، وأكرمه، وكان يقول له : يا شيخ محمد : هل تذكرني ؟؟ 

فيجيب الشيخ محمد : وهل مثلك ينسى يا ولدي .

-مصطفى الزرقا : الفقيه المشهور ، صاحب المدخل الفقهي العام ، وكان الأستاذ أحمد يحب الشيخ الزرقا، ويجله ، ويبادله الشيخ مصطفى حباً بحب، وسأله الأستاذ أحمد يا شيخ مصطفى هل تذكرني ؟؟ 

فقال مصطفى الزرقا : وهل أحد ينساك ، أو ينسى شجاعتك حين أخذت الكرسي من بين يدي، وضربت أحد الشيوعيين على رأسه حين أساء ، وتهجم على الإسلام ..وكانت المعركة بين الإسلاميين والشيوعيين على أوجها .

أقرانه وزملاؤه :

كان الأستاذ أحمد قطّيع ممن لازم الشيخ نافع الشامي بالرغم من أنه أصغر منه بكثير، وكان دائماً يرافق الأستاذ حكمت المعلم قائد الحركة الإسلامية في إدلب ، ومن أصدقائه المقربين ثابت حسن كيالي ابن مفتي إدلب ، ومن زملاء الدراسة المتوسطة الأخ أنور عبيد الذي درس معه المرحلة المتوسطة، ثم ترك الدراسة، واشتغل في السمانة، وكان الشيخ أحمد قطيع يجلس عنده، ويتناول الشاي مع أصدقائه ، ثم اجتهدوا ، فاشتروا له الإبريق والكاسات وقليلاً من السكر ، فكلما حضروا قالوا له أين الشاي ؟؟ إنه ليس لك منة علينا فالإبريق لنا ، والكاسات لنا ، ويعيدون هذه العبارة كل يوم ، فعلق أنور عبيد إبريق الشاي في سقف الدكان وفي داخله الكاسات، وقال لهم لقد مات الإبريق شنقاً ، فاذهبوا فادفنوه ، فبدأوا يضحكون ، وكان الأستاذ أحمد وفياً لأصدقائه كما كان وفياً مع معلميه .

ومن أبرز تلاميذه :

زكريا سنبل : الذي كان من الطلاب المتفوقين ولكن والده توفي عام 1960م، فترك الدراسة ليعيل أسرته، وسجل في قسم الجغرافيا في كلية الآداب، وكان يدرس اللغة العربية والفرسية، وهو لا يملك سوى الثانوية، وكان شاعراً، أعدم في سورية عام 1980م، وقد قيض الله بعض الإخوة يجمعون شعره .

-رياض نعسان أغا : الوزير في الحكومة السورية .

أعماله والوظائف التي تقلدها : 

مارس مهنة المحاماة لدى المحاكم المختلفة في سورية منذ تخرجه في كلية الحقوق عام 

1954م إلى سنة تخرجه في كلية الآداب عام 1958م. 

درَس اللغة العربية في ثانويتي الكواكبي؛ والغزالي في حلب. 

درَس اللغة العربية والتربية الإسلامية في ثانويات إدلب الرسمية والأهلية.

كان مديراً في ثانوية المتنبي بإدلب من عام 1963م .

ثم صار نقيباً للمعلمين في محافظة إدلب .

وعين مقررا للجنة التربية والتعليم في أيام الوحدة بين سورية ومصر. 

كان ممثلاً لمادة اللغة العربية في اختبارات الشهادة الابتدائية والمتوسطة والثانوية حتى عام 1980م . 

كما دعي لتمثيل اللغة العربية في مؤتمر اليونسكو في دمشق عام 1980م. 

درَس اللغة العربية والتربية الإسلامية في ثانوية الخرج-المملكة العربية السعودية أحد عشر عاماً. 

خلال اقامته بالسعودية تم تكليفه من وزارة المعارف بإلقاء محاضرات دورية في التربية وتعليم اللغة العربية والتربية الإسلامية على المعلمين في منطقة الخرج والرياض . 

وقام بإعطاء دروس نموذجية للمعلمين والموجهين التربويين ؛ وقد نقلت تلك الدروس على قناة التلفزيون السعودي.

وعمل موجها اختصاصيا في مادة اللغة العربية في مدارس التربية النموذجية بالرياض في المراحل الثلاث لمدة ثلاث سنوات. 

كما عمل في التوجيه لمادة التربية الإسلامية في مدارس التربية النموذجية بالرياض ومراحلها الثلاث مدة سنتين. 

رغب إليه السيد (حسن شربتلي) ليتعاقد معه مستشاراً قانونياً في جدة ؛ ولكن تعاقده مع وزارة المعارف حال دون ذلك.

دُعي للتدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية في الرياض لتدريس مادتي اللغة العربية والتفسير عام 1965م. 

زواجه أسرته :

تزوج من ابنة خاله مفيدة عبد القادر كامل ، وأنجب منها أربعة أولاد وهم :

-محمد أحمد قطيع : وهو دكتور ، وقد سجن لمدة /16/ سنة في سورية من عام 1980 – حتى عام 1996م، وكان سنة أولى في الجامعة، فلما خرج من السجن أكمل الدراسة، وتزوج وعنده سبع بنات .

-سعد : مهندس زراعي، وهو بار بوالده يمرضه، ويعتني به الآن في إدلب ولديه ست بنات وثلاثة أولاد .

وأنس : وهو مهندس في الحاسوب والاتصالات، ويعمل في الحرس الوطني في السعودية .

ويمان : وهو دكتور مختص بالعلاج الطبيعي من أمريكا، ومحاضر في جامعاتها، وتزوج من امرأة أمريكية ، وله منها عدة أولاد .

المؤلفات: 

1-" موسى والعبد الصالح" من سورة الكهف: دراسة تحليلية وبيان عظمة القصص القرآني والربط بينها وبين فن القصة في الأدب الحديث والرد على المتصوفة. 

2-"مفهوم الدستور في نظر الإسلام": معنى الدستور في عرف القانون وفي نظر الإسلام في ضوء أركانه ومبادئه وضروراته وقد أودعت الجامعة الأمريكية ببيروت نسخة منه ليكون مرجعاً في الحقوق الدستورية. 

3-"الشاعر بدر شاكر السياب": ماله وما عليه ونهايته المؤمنة. 

4-دراسة مسرحية "الإزار الجريح" لسليمان العيسى. 

5-"المال في نظر الإسلام": بالاشتراك مع مفتي إدلب الأستاذ :محمد ثابت الكيالي رحمه الله . 

6-مقالات حول القضاء في الإسلام: نشرت في مجلة الوعي الكويتية. 

7-مقالات في مجلة " العمران" السورية عن الثقافة ومراحلها في محافظة إدلب. 

8-مقال حول كتاب "نحو وعي لغوي" للدكتور مازن مبارك نشرته إذاعة لندن في حينه. 

9- دفوع قانونية نشرت في مجلة القانون السورية ليستأنس بها في المحاكم المختصة.

ثناء العلماء والشعراء عليه :

غادر الوطن الحبيب سورية عام 1980م ، وتوجه إلى السعودية هرباً من طغيان حافظ أسد؛ وساح في البلدان .

وما زال شيخنا الحبيب يتفجر نشاطاً وحيوية، ويعيش معه أحد أولاده ( سعد ) يرعاه، ويقوم على خدمته ....

ولا يستطيع أي إنسان أن ينكر فضل شيخنا الحبيب على الحركة الإسلامية فهو أحد أعمدتها .. وقد تعرض للإهمال والنسيان ...

وقد أطلقتُ صيحة وفاء للأستاذ الداعية ، فاستجاب لرغبتي شقيقه الشيخ سامي قطّيع - حفظه الله- ؛ وكذلك فعل الأخ الفاضل السباق لكل خير الشاعر الإسلامي جميل جانوي، فذكر ما يعرفه عن فضيلة الشيخ حفظه الله ؛ وأثنى على سجاياه وسماته الحميدة؛ فقال :

(( أخي الأستاذ عمر، بناءً على رغبتكم في تزويد من لديه معلومات عن الأستاذ أحمد قطيع، فإني أرسل لكم هذه السيرة الموجزة عنه، مكتفيًا بما لدي من معلومات عنه، وبالتأكيد هناك معلومات أكثر عن هذا الرجل الفذ.. وقصة هذه المعلومات أني عاكف الآن على تأليف كتاب سميته (سفْرُ الوصال فيمن يعرفني، وأعرفه من الرجال) ، فأخذت هذه السيرة من كتابي هذا.

أرجو أن يكون فيها تلبية لبعض ما طلبتم:

أحمد قطّيع: أبو محمد، مدرس اللغة العربية وآدابها، من إدلب، ولد حوالي سنة 1929م، درس المرحلة الابتدائية في إدلب، وأكمل دراسته في الخسروية في حلب، وتخرج منها سنة 1950م، بعد ذلك درس في ثانويتي الخنساء والمتنبي، ثم أكمل الدراسة الجامعية فحصل على شهادة عالية في الحقوق، وأخرى في علوم اللغة العربية.

كان إلى جانب تعليمه للغة العربية وآدابها، يُعَلّم الخلُق الرفيع، والأدبَ الجم بسلوكه وأفعاله وأقواله، بحر زاخر بمفردات اللغة وأمثالها وحكمها، ونكاتها، وأحاجيها، سريع البديهة، حاضر الجواب المفحم، ذو حجة بالغة، درّس سنواتٍ طوالاً في ثانوية المتنبي في إدلب، وتخرج على يديه أجيال، كلهم يعرفون فضله وأثره الكبير، العلمي، والتربوي، ولن أنسى تلك العبارات الجميلة والمنتقاة في وصفه والثناء عليه، التي كنت أسمعها كثيرًا من أحد طلابه ؛ وهو صديقي الأستاذ أحمد عز الدين ، رحمه الله.

ارتقى منبر الجمعة في جامع الفرقان، وكانت لخطبه جاذبية مميزة، وحضور مدهش، كانت معرفتي الأولية به في إدلب، يوم كنا نذهب للتصحيح، التقيت به مرّة في مكة في شارع أجياد، في خريف 1982م، بعد غياب طويل ربما يصل إلى ست سنوات، فعرفني وسلّم عليّ بالاسم، وبعد أكثر من سبعة عشر عامًا رأيته في الرياض، فبادرني هو وذكّرني بذلك اللقاء، قويت صلتي به في الرياض بواسطة الأستاذ محمد أمين شاكر الذي كان الأستاذ أحمد يُكن له جزيل الحب والاحترام والتقدير، لدرجة أنه كتب بحقه أبياتًا جميلةً من الشعر، حروف أوائلها تؤلف اسم الأستاذ محمد أمين، وقد أطلعني عليها الأستاذ محمد أمين – رحمه الله - و أُوردها كما نقلتها مكتوبة بخط الأستاذ أحمد الجميل:

مُهداة إلى أخي محمد أمين شاكر شفاه الله :

مَنْ فارسٌ قدْ نأى منْ زحمةِ القلَقِ 

جَوادُه ما كبَا في حلْبــــــــــةِ السّبـــــــــَقِ

حـرٌّ أبيٌّ بـــــــــــــــــــــزوغُ الشّمسِ مَـطْلعُــــهُ 

إيمانُـهُ ضـــــــاعَ بالنِّسْرينِ والعـــــــبـَقِ

مَنْ لي بإخــلاصـــــــــــــــــهِ واللـهُ يحرسُـــــــهُ

مسدّدَ الخطْوِ في تَسْيـَاره الألـــــــــــــــقِ

دا لـهُ الليلُ والآلامُ قـــــــــــــــــدْ هبـــــــطتْ

عند الصباحِ فلمْ يضْجرْ ولم يضِقِ

أتتْ إلى جسْمه الأُمْلودِ واسْتعرت

بينَ الحنــــــايا وما زالـتْ إلى الغسقِ

ما لجَّ مــنْ ألمٍ ، والصَّبْــــــرُ رائــــــــــــــدُهُ 

أكْرمْ به مؤمناً في حَوْمــــــــةِ الأرقِ

يمشي على سَنـنِ الإسْلام منْ قدَمٍ 

ونهـجُه مع حـــــبِّ الله في نسَـــــــــقِ

نحـا طريقَ النّهـى والقلْبُ يُسْعِفــــــــهُ 

مرْحى له ولِقَلْبٍ في النُّهى خَفِـقِ

شفــاه ربــــــــــــيَّ والأيـــــام مُقْــبــــــلةٌ 

عليهِ بالخيرِ والإحْسانِ والغــــــدق

آمــين يا خير مسْؤولٍ نلــــــــــوذ بـــــــهِ

أنتَ المُرجّى، وربُّ النّجمِ والفـــلقِ

كــــــريمُ فضْـلِكَ يا رحمـــــــــنُ مُرْتقَـبٌ

نجَّيْتَ نوحاً من الطّوفان والغـــــــــــرقِ

ربّـاهُ رحمتُـكَ المِعْطاءُ في سعـــــــةٍ

فامنُنْ أيا خالقَ الإنْسان من علَقِ

5/رجب/ 1416 

أحمد محمّد قطّيع

وقد كان الأستاذ محمد أمين يطلب مني أن نزور الأستاذ أحمد في بيته الكائن في حي الرّيان على شارع عنيزة، وفي كل مرة كان الأستاذ أحمد يتحفنا من كنوزه الأدبية والتربوية، ما يُبهج النفس، ويسمو بها. 

ومن نافلة القول التحدث عن كرمه واحتفائه بضيوفه، فكان في كل مرة يقدم لنا ما لذ ؛ وطاب من الحلوى والشعيبيات الإدلبية الصنع، وكثيرًا ما كان يذكر فضل زوجته أم محمد في صنع تلك الحلوى.. 

عاش طيلة حياته يكره الظلم والاستبداد ، وقد لاحظت عليه أنه كان يسعَد بهلاك الطغاة الذين ساموا عباد الله الخسف وسوء العذاب، وسرعان ما يأتي بالأمثلة والشواهد من التاريخ على هلاك طغاة سبقوا، وكان هو أول من اتصل بي هاتفيًا وأخبرني بهلاك طاغية سوريا ويقول:

لم يعتبر الحاضرون بما أصاب السابقين..

و كان يُثني على الدكتور خالد الجريسي. سمعت ذلك منه مرارًا.

اجتهد في أمر الرجوع إلى سوريا، ووجّهت إليه انتقادات من بعض محبيه، عاد نهائيًا إلى سوريا حوالي سنة 2005م، وسمعت أنه مرض، وأصبح لا يستطيع النطق بالكلام العادي، لكنه ينطق بالقرآن كما كان يتلوه أولاً، ويؤم الناس في الصلاة الجهرية، أخبرني بذلك أخوه الأستاذ سامي قطيع، وأخبرني ابنه أنس أنه يستطيع أن ينطق بكل ما كان في ذاكرته قبل أن يمرض، فمثلاً لو نطقت بأول بيت للشعر، وكان يحفظه، لأكمله بسرعة، لكن إن أراد شيئًا من حاجاته اليومية التي يريد قضاءها فإنه يقول: يا الله.. يا الله.. ثم يكتب لأهله أو يشير إليهم فيعرفون ما يريد.. 

أرسلت له رسالة بالجوال أخبره بوفاة الأستاذ محمد أمين ؛ فرد عليها متأسفًا وداعيًا للأستاذ بالرحمة. 

والأستاذ أحمد متزوج من سيدة فاضلة، وله عدة أولاد أكبرهم محمد، وفيهم التوأمان أنس وسعد، واليمان الذي هو في أمريكا.

اعتقل ولده المجاهد محمد لمدة ستة عشر عامًا، ثم أفرج عنه، كان يدرس في كلية الطب حين اعتقل، وأكمل الدراسة بعد الإفراج ، ونال الشهادة، وشرع في دراسة التخصص. 

ومما يُسعدني أن أختم الحديث ،هنا، عن الأستاذ أحمد قطيع بهذه الأبيات التي قلتها فيه حين اطلعت على قصيدته في الأستاذ محمد أمين شاكر، وهي على منوالها في أنّ كل بيت فيها يبدأ بحرف وأن هذه الحروف تؤلف اسم أسْتاذنا الفاضل شافاه الله وعافاه:

هدية متواضعة إلى الأستاذ أحمد محمد قطيع

أميــرٌ لِلْقَصِيــــــدِ ولِلْكَــــــلامِ         وَبَـدرُ فيْ دَيَاجِــيْــــــــــــــــرِ الظَّـلامِ

حكِيْـــمٌ في مُوَاجَهَـــــــــــةِ الرَّزَايَــا      ولَيْـثٌ في مُقَـــــــــــــــــارعَـةِ الّلئـَـامِ

مُنـَـارٌ قلبُـهُ بكتَابِ صِـــــــــــــــدْقٍ     وحُـبّ المُصْطَفَـى خَيْرِ الأنَـامِ

دَلِيْــــــــلُ التّائهيـنَ بلَيـْلِ جَهْلٍ       وقائـــــــــــــــــدُهُم إلى بَرّ السَّـــلامِ

مُجِـدٌّ في الفَضَـــائِلِ والمعَالي         ويَسْعـــــــَى للتّـآلفِ والـوِئَــــــــــــامِ

حِمـاهُ في حِمَى الرّحْمن بـَاق         وأنْفُ عــــــــــدُوّهِ بَينَ الرّغَـــــــــــــامِ

مَطَـايَـاهُ بِمثل الريْحِ تَمْضــــــــي إلى      شـــــــــــــــرَفِ المَكَـانةِ والمقَـــامِ

دروبُ المجْــدِ يطرقُهَــا بحزم        ولمْ يأبَه بأهْــــــــــــــــــوَالٍ عِـــــــــــــــظَـــامِ

قِرَاهُ للضُّيـوفِ يكونُ سَـحَّـًا   كَسُقْيا الأرض من جُودِ الغمـامِ

طَمـوحٌ يَنْشُـدُ العلْيـاءَ يَسمُو   بعِــــــــــــزِّ النَّفْـسِ ليس بِمُسْتضَــــــــامِ

طبيبٌ للقُــلوبِ إنِ اعْترتهْـا      خُطُـــــــــوبٌ مِنْ هُمـوم أو سِقَـامِ

يجـودُ بِمَـا لديـهِ مِنْ عُـلــــــومٍ       ويَـرويْ كلَّ ظامئَـــــــــــــةٍ وظَامِـي

عَمِيْــدٌ للعُـروبـةِ لا يُبـَــــــارَى     تَضَــوعَ مِسْـكُهُ مُنْـــــــــــــــذُ الفِطَـامِ

وكتب الاستاذ الداعية مصطفى غزال؛ يقول :

(( حياك الله ، وأكرمك مولاك أخي الكريم الأستاذ عمر محمد العبسو إذ ذكّرتني بأستاذي الحبيب أحمد قطّيع الذي كان مدرسنا الأدب العربي في ثانويّة المتنبي في إدلب عام:(١٩٥٧ ) ومن الطرائف الّتي سمعتها منه أو عشتها فقد حدثنا في جلسة خاصّة بأنة عندما تقدّم للامتحان الشّفوي في جامعة دمشق؛ وكان الممتحن الدكتور أمجد الطّرابلسي إذ طلب إليه إعراب كلمة في النّص الّذي كان يقرأه فأجابه پإعرابها فلم يوافق الدّكتور على ذٰلك فأصرّ الأستاذ أحمد على موقفه ؛ وأشار إلى المرجع الّتي وردت فيه فأحضر المرجع وتبين منه أنّ ما أورده الأستاذ أحمد هو الصّح وقد حاذ على درجة قدرها (٨٥،)وقال له الدّكتور هٰذه الدٰرجة لم تُعط لطالب قط قبل ذٰلك .

وقد طلب إليّ والأخ أحمد موسى رحمه الله مرافقته إلى مدينة حماه ليلقي في مسجد السّلطان محاضرة واجتمع خلق كثير في مقدّمتهم الشيخ محمّد الحامد والأستاذ عبد الرّحيم المصري ونعسان عرواني وأستاذ في اللغة العربيّة يُدعى عبد البديع وقد حلّق الأستاذ أحمد في محاضرته الإرتجاليّة الّتي استمرّت لأكثر من ساعة وإثر ذٰلك تمّت جلسة في الجامع وبدأ كلّ من الحاضرين يُبدي إعجابه بما سمع ومنهم الأستاذ عبد البديع إذ قال : ( لقد أحسنت الإصغاء طوال فترة المحاضرة ولم أستطع أن ألحظ عليك يا أستاذ أحمد لو خطيئة واحدة. في اللغة العربية وقد سمعت منه قصة طريفة تنمّ عن ذكائه المفرط إذ قال: ( كنت في الثانوية الشّرعية في حلب فراح آستاذ العربيّة يستمع من الطّلاب إلى قصيدة شعريّة أُعطيت في درس لم يحضره وبالطّبع لا يعرف عنه شيئا ؛ وقال لأستاذه في الحصّة التّالية سأُسمعك إيّاها وكان بين الحصّتين بعض الوقت فبدأ في حفظ القصيدة وعندما حان موعد الحصّة طلب منه الأستاذ سماع القصيدة فقال له الطّالب الأستاذ أحمد هل تُريد سماعها من الأول حتٌى النّهاية أم من نهايتها حتّى المقدّمة .....

وكتب الاستاذ خليل محمد يصف استاذه؛ ويصور اخلاقه واسلوبه في التربية : 

(( الأستاذ أحمد قطيع عميد العربية في محافظة إدلب بل في الشمال السوري. 

كان أستاذا رزينا مهيبا محترما من الجميع يعشق الطلاب درسه لغزارة علمه وحرصه عاى إفادتهم ولا سيما في النحو والتعبير. 

ومع جلال قدره وهيبته كان صاحب طرفة ، ومما يروى عنه أنه ذهب للحلاق وطلب مقصا بعد جلوسه على كرسي الحلاق، فتعجب الحلاق من طلبه، وسأله لماذا المقص؟ فقال :أراك تقص في الهواء أربع مرات والخامسة في شعري فأنا أقص عنك في الهواء وأنت تقص شعري! !!

ومما يروى عن طرافته كذلك أنه سافر إلى حلب، فطلب السائق أجراً أكثر من المطلوب بأربعة أضعاف، وعند وصوله وقف أمام السيارة، وكتب رقم السيارة على ورقة ووضعها في جيبه، وأسرع السائق خائفاً يسأله عن تصرفه، وأرجع له المبلغ الزائد وظنه من المخابرات، وألح في معرفته، ولماذا سجل رقم السيارة، فقال له:

أنا أحمد قطيع مدرس لغة عربية، وسجلت رقم سيارتك حتى لا أركب معك ثانية! 

ومن تعليقاته على ورقة امتحان لطالب كسول، وقد كتب على ورقته :

خذ الصفر ولا تبالي 

فإن الصفر من شيم الرجال 

فرد عليه الأستاذ أحمد قطيع :

خذ الصفر المكعبي 

تأبى العروبة الغبي 

والأستاذ أحمد طلب منه غير مرة تدريس مادة النحو في جامعة حلب لكنه كان يرفض دائماً بسبب الاختلاط في الجامعة. 

كان طلابه يتشوقون لتوقيعاته وتوجيهاته على دفاتر الإنشاء بعد تصحيحها. 

تم تحويله من وزارة التربية والتعليم إلى مؤسسة الأعلاف فقال :

خدمت الآدميين سنين طويلة، ولم ينتفعوا لعلي أنفع الحيوانات في الأعلاف !!

خلاصة الأمر إن الأستاذ أحمد قطّيع علم على رأسه نار ، علماً وتربية وأخلاقاً حفظه الله ورعاه.

وهو خطيب مفوه يخطب في المساجد محتسباً ، فقد خطب في المسجد الحمصي بدلاً من الشيخ المحدث نافع الشامي ، واستلم خطبة دائمة ، ومن منا لا يذكر جامع الفرقان في خطبة الجمعة . وكان الناس يحتشدون لسماع مواعظه وخطبه .

ومن صفاته أنه كان شديد النباهة عظيم الذكاء ، قوي الملاحظة، وقد حفظ قصيدة أبي تمام :

السيف أصدق أنباء من الكتب   في حده الحدّ بين الجدّ واللعب 

في خلال الفرصة بين الدرسين /15/ دقيقة وهي تقع في /75 / بيتاً وقد أسمعها للأستاذ طرداً وعكساً ، فاندهش المدير والأساتذة من قوة حفظه، وأستاذنا حريص على تطبيق تعاليم الدين، وكان حليماً ، طويل البال، يساهم ويحل مشكلات مدينة إدلب، بحكم خبرته الشرعية ودراسته في الحقوق ، وكان متواضعاً، نزيهاً ، وقد أدى فريضة الحج مع الأستاذ الداعية حكمت المعلم ، وعادل سفلو بالسيارات ثم حج مرتين أثناء إقامته في السعودية . 

اللهم اجعل شيخنا الداعية المربي ممن طال عمره، وحسن عمله .

اللهم أطل في عمره، وانفع المسلمين بعلمه .

مصادر الترجمة :

1-معلومات قيمة من شقيقه الأستاذ سامي قطيع – مقيم في الخرج في السعودية بتاريخ يوم الأحد 2 محرم 1438ه / 2 تشرين الأول 2016 م .

3- رسالة من الشاعر الإسلامي جميل جانودي تفضل بإرسالها .

3- صفحة عمر محمد العبسو – على الفيس وتعليقات الإخوة ومعارف الشيخ وبناته على المنشور .