العالم اللغوي الأستاذ محمود فاخوري – رحمه الله

1933 – 2016م

 

 

(يا أيتها النفس المطمئنة * إرجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي) (الفجر 27 – 30).

 

قضى الله أن يسترد أمانته، إنتقل الأستاذ محمود فاخوري من دار الدنيا إلى الدار الآخرة مساء يوم الأربعاء 17 رمضان 1437هـ الموافق 22/06/2016م، بعد صراع مع المرض، هتفت قلوب محبيه له بالرحمة والمغفرة، وسأل أصدقاؤه وطلابه ربّ السماء أن يرفع مقامه في جنان الخلد مع النبيين والشهداء، فقد خدم لغة القرآن، وجاهد بقلمه ولسانه، وأنار تراثنا اللغوي والأدبي، ووقف مدافعاً أمام حملات تشويه اللغة، فقد كان منارة علم وفكر ومعرفة.

 

جمع العالم الباحث المربي الأستاذ محمود فاخوري – رحمه الله – أصالة حماه والتصاق أهلها بالدين والتراث والاعتزاز بالقيم والمبادئ العربية مع وداعة أهل حلب وطيب معشرهم وبسمة قلوبهم وعشقهم للمعالي ونسيجهم الأسري المتدين.

 

نشأ عالمنا في حماه، وبعد دراسته الجامعية في دمشق، بدأ عمله في حلب كمدرس للغة العربية في أواخر خمسينيات القرن الماضي، فترة طويلة مدرساً في ثانوية المأمون، ثم انتقل إلى التدريس في الجامعة.

 

صفاته وأخلاقه:

الأخلاق العطرة نسيج في نفسه، طلابه الذين درسهم في المرحلتين الثانوية والجامعية، يفتخرون بأن الأستاذ محمود فاخوري درّسهم، وينساب ذكرهم كنسيم الصباح رقراقاً جميلاً، يذكرون متعة العلم والأدب والأخلاق، وتتوالى الذكريات الحلوة من طلابه، والأصدقاء الذين تعرّفوا على عالمنا يذكرونه بكل مودة وحب، إجماع معارفه على احترامه ، فقد كان يشجع كل راغب في التعليم، ولا يتضايق من كثرة الأسئلة التي ترد عليه، فكانت ابتسامته لا تفارق وجهه، رحب الصدر، يضع البسمة والفكاهة في نفوس أصدقائه ومحبيه، الهدوء والحكمة من سجاياه، يتذكر طلابه ويسأل عنهم، متواضع في حديثه ومعاملاته، يصغى إلى متحدثه بكل صدر رحب، أحبه كل من عرفه.

فقيدنا العالم الباحث:

كان منارة أضاءت سماء حلب، وامتد نورها إلى بلدان أخرى، منارة علم وفكر وسعة اطلاع، منارة أضاءت دروب تلاميذه بالعلم،وحبّب لطلاب العلم اللغة العربية التي كرّس لها كل حياته، فقد كان مدرسة عامرة بالخير، كان أستاذاً لكل من رغب أن يكون لفظه صحيحاً ولغته متينة وكتابته جميلة، كان قامة كبيرة بالعلم، فقد كان معلم الأجيال، والموسوعة المتنقلة، يعطي العلم والجواب الصائب لكل سائل فهو خير مرب، وخير باحث في علوم اللغة العربية، عالم متميز في أدبه وذوقه، عالم محقق لتراث اللغة، وهو قدوة في الرقي والوعي والنبل، علم من أعلامالعطاء ومن أبرز من تحدّث في علم العروض. ترك فقيدنا في العقول أعمق الآثار، خدم لغة القرآن وأعطاها كل جهده، وكان ملء الأسماع والأبصار.

 

نادي التمثيل العربي للآداب والفنون:

هذا النادي محطة كبيرة في مسيرة فقيدنا الأستاذ محمود فاخوري – رحمه الله – استلم رئاسة هذا النادي لسنوات طويلة، وأعطاه من جهده ووقته، حتى بدا منارة أدبية في الصرح الثقافي لمدينة حلب. حاضر في النادي أدباء حلب وشجع فقيدنا الأقلام الشابة والمواهب الخجولة، وأزهار الأدباء والشعراء، أخذ بيد هواة الأدب واللغة إلى قمم النجاح، فقد كان مدرسة أدبية.

 

النادي غرفة صغيرة في الطابق الثاني لمحطة نقل الركاب، مليئة بالكراسي القديمة غير المريحة، فيها نافذة واحدة، في صدر الغرفة طاولة خلفها ثلاثة كراسي، في الوسط يجلس رئيس النادي وعلى يمينه المحاضر، وفي اليسار يجلس أمين سر النادي الأستاذ محمد هلال دملخي حفظه الله.

 

هذا النادي بجهود فقيدنا ومحبة الأدباء له، جعل النادي موئلاً للأدباء وللشعراء ولمحبي اللغة العربية، كان النادي مدرسة يتخرج منها الأدباء الهواة، وقد استقام أدبهم، واستقبلت المطابع إنتاجهم وإبداعهم.

 

يوم السبت مساء كل أسبوع، كان موعد اللقاء الأدبي في النادي، تمتلئ كراسي الغرفة بمتذوقي الأدب، وقد يقف بعض الحاضرين أمام باب الغرفة ليستمعوا لكلام الحاضرين.

 

كانت الندوة الأدبية الأسبوعية مدرسة للأدب والنقد والمعرفة، بعد انتهاء المحاضر، يتقدّم من أراد من الحاضرين الاستفسار عن فكرة أو نقد فكرة عرضها المحاضر، وفي نهاية المحاورات بين المحاضر والحاضرين، يقدِّم فقيدنا بأدب وذوق رأيه بالمحاضرة ويكون ذلك مسك الختام.

 

#دراسته_ومشاركاته_العلمية_والأدبية:

تخرج من كلية الآداب بدمشق عام 1958م، كان الأول على دفعته، حصل على الماجستير عام 1975م من الجامعة اللبنانية بإشراف العالم الشهيد الدكتور الشيخ صبحي الصالح، الحرب اللبنانية منعت فقيدنا عن إكمال أطروحة الدكتوراه.

 

- بدأ التدريس في جامعة حلب 1966م.

- عضو مجمع اللغة العربية.

- رئيس نادي التمثيل العربي للآداب والفنون منذ عام 1990م.

- عضو الهيئة الاستشارية للموسوعة الإسلامية الميسرة.

- عضو اللجنة المحكمة لمدة خمس سنوات في مجلة التراث التي يصدرها اتحاد الكتاب العرب.

- عضو جمعية البحوث والدراسات.

- عضو مجلس إدارة الجمعية السورية لتاريخ العلوم عند العرب.

- ندوات ومحاضرات وإشراف على أمسيات أدبية وتحكيمها في دور الثقافة.

- عام 1985م عمل في المركز الوطني للأبحاث العلمية في باريس في تحقيق كتب ورسائل من التراث العربي.

- عام 2000م شارك في ندوة عن الشعر العربي في القرون الوسطى في إيطاليا.

- عام 2001م شارك في مؤتمر الشعر الأندلسي والموشحات.

- عام 2002م عين مندوب اتحاد الكتاب العرب في تركيا وحتى عام 2008م.

- ألقى العديد من المحاضرات في دول عربية وأوروبية .

- كتب مقدمات لمجموعات كبيرة من الكتب والمؤلفات.

 

تكريمات الفقيد:

- أكثر من خمسة عشر تكريماً حاز عليها الفقيد من نوادي ومواقع أدبية منها:

- تكريم جامعة حلب كلية الآداب 2000م.

- تكريم نادي التمثيل العربي للآداب والفنون 2000م.

- تكريم معهد حلب للموسيقى 2001م.

- تكريم نادي عشتار الثقافي 2006م.

- تكريم أعلام اللغة العربية بدمشق 2009م.

- تكريم أسبوع اللغة الأم 2010م.

- تكريم الجمعية العربية للآداب والفنون 2010م.

 

مؤلفات الفقيد ومشاركاته الإعلامية:

كان موسوعة متنقلة، الأسئلة التي تنهمر عليه من محبيه وطلابه كثيرة، وكان يروي غليل كل سائل كثير من الأدباء أو الشعراء، كانوا يعرضون عليه إنتاجهم فكان مرشداً وموجهاً ومصححاً، كان كحديقة الأزهار تعطي رائحتها وجمالها لكل ناظر متمتع..

- يرجع سر موسوعية الفقيد لنهمه وعشقه للقراءة، إذ كان يقرأ كل يوم ما لا يقل عن عشر ساعات إلى 15 ساعة أحياناً.

- بلغت أعماله من تأليف وتحقيق وحده ومشاركاً أربعين كتاباً: أذكر من مؤلفاته:

1- المعين في الأدب العربي الحديث، حلب 1963م.

2- المعين في النحو والصرف، حلب 1963م.

3- المعين في الدراسة الأدبية 1964م.

4- سفينة الشعراء في علم العروض وعلم القوافي والأوزان المحدثة، حلب 1970م.

5- صفوة الصفوة لابن الجوزي، القاهرة 1973م.

6- مسلم بن الحجاج القشيري، بيروت 1979م.

7- دروس في اللغة العربية، حلب 1979م.

8- الأغراض الشعرية عند الأخطل، حلب 1979م.

9- منتخبات من نصوص قديمة، حلب 1981م.

10- موسيقى الشعر العربي، حلب 1981م.

11- في الأدب العثماني، حلب 1981م.

12- سيرة ابن سيناء، حلب 1982م.

13- أو محجن الثقفي حياته وشعره، حلب 1982م.

14- دروس ونصوص في اللغة العربية وآدابها، حلب 1982م.

15- مصادر الدراسة والبحث في المكتبة العربية، حلب 1989م.

16- مهاجر في زمن الورد.

17- خواطر مرحة.

18- المغرب – معجم لغوي للمطريزي، حلب 1979م.

19- روض الأخبار لابن الخطيب الأماسي، بيروت 2000م.

 

- كما ألف فقيدنا معجماً ضخماً في النحو شرح فيه الأدوات النحوية والشواهد الإعرابية، سمّاه (المعجم الفريد في النحو) وهو معجم مهم في النحو وشواهده، أنجزه عام 2012م مشاركة مع ابنه تميم فاخوري.

- لكن ظروف الأزمة الحالية أخّرت طباعته، وهو الآن قيد الطبع.

- نشر الفقيد في صحف ومجلات محلية وعربية عديدة منها مجلة بحوث جامعة حلب – الجماهير الحلبية – الثورة – تشرين – الضاد – الأسبوع الأدبي – الموقف الأدبي.

- كان للفقيد دروس إذاعية في اللغة العربية بإذاعة حلب وفي إذاعة دمشق وفي إذاعة مونت كارلو.

- كان للفقيد مشاركات في إعداد بعض الكتب المدرسية في سورية وفي بعض البلاد العربية.

 

كلمات تأبين وحزن للفقيد من أصدقائه ومحبيه:

- قال الأستاذ الأديب الباحث محمد قجة: العلّامة الباحث الأستاذ محمود فاخوري، ترك بصماته اللافتة في عمله أدبياً ولغوياً ومحققاً وباحثاً.. وتبقى ذكراك الطيبة حية فينا.

- قال الدكتور حسين الصديق: خسرتك حلب وسورية والأمة كلها أيها المعلم الكبير.

- قال الدكتور عبد السلام الراغب: عاش في خدمة دينه ولغة قرآنه معلماً وذائداً وكاتباً ومجاهداً بقلمه ولسانه أمام حملات التشويه والتشكيك في تراثنا اللغوي والأدبي.

- قال الأستاذ ناهد كوسا: موت محمود فاخوري وقع واضح من الحزن والأسى، عمَّ حلب وتردد صداه في أقطار المعمورة... قصص ترسم شخصية نبيلة خدمت مهنتها بجد وإخلاصن معلم قلَّ أن يجود الزمان بمثله.

- قالت الأستاذة سها جلال جودت: الخالدون لا يرحلون... ستبقى في قلوبنا.. ستبقى المنارة المضيئة التي أنارت دروب تلامذتك بالعلم وحب اللغة العربية التي كرَّست لها كل حياتك.

- قالت الدكتورة ملاك سباعي: أستاذي وأستاذ كل الأساتذة، خسرنا الأستاذ والمعلم والأدب والصديق.. خسرناك يا عملاق الأدب، رحمك الله أيها النبيل.. تعازينا لمدينة حلب.. ومدينة حماه، بل نقدِّم التعازي لوطننا.

- قال الأستاذ تميم قاسمو: المعلم الذي لم ينس.. ولن ينسى، كان لوفاة المرحوم الأستاذ محمود فاخوري وقع واضح من الحزن والأسى عمّ حلب، وتردد صداه في أقطار المعمورة.

- قال الدكتور إبراهيم الشبلي: عهدناك أستاذاً فاضلاً وعالماً جليلاً نذرت عمرك في خدمة اللغة العربية وعلومها، نشهد أنك صاحب فضل في ميدان العلم واللغة والبحث والتحقيق.

- قال الأستاذ الشاعر سيد عشاق العاصي عبد الغني أحمد الحداد: كان حياته ملء الأسماع والأبصار، بما قدّم من علم وعطاء، ترك في العقول أعمق الآثار.

بصمت قد مضى لله لكن  سيبقى رغم آلام المغيب

محمود السجايا.. لم يفارق  أحبته.. مقيم في القلوب

سيبقى ذكره السامي خلودا  ويبقى الذكر.. فوّاح الطيوب

وللفصحى مناحات عليه  فيا لله من هذا النحيب

رعاها.. واحتفى.. أعلى لواها  وكان عنده أغلى حبيب

 

كلمة أخيرة:

- رحل فقيدنا في صمت، كان علماً من أعلام العطاء والبحث والدراسة والتحقيق يقصده طلاب الدرسات العليا في مشاريعهم وفي أطروحاتهم، فيجدون عنده الصدر الرحب، يرشدهم ويوضح لهم الطريق، كان مثالاً للسماحة والتواضع والأخلاق.

- رحل فقيدنا.. والأحزان تتشابك في حلب، أصوات الأسى، منعت كثيراً من محبيه من المشاركة في تشييع معلم الأجيال الذي أضاء سماء حلب بالعلم والأخلاق.. فقد كان مدرسة عامرة بالخير.

- ظلّلت جنازة الفقيد.. الدعوات الصالحات من قلوب محبيه وطلابه، رفع الأحبة أيديهم إلى السماء سائلين رب الكون الرحمة والمغفرة للفقيد الذي قدَّم للغة القرآن سنوات عمره كاتباً ومعلماً ومجاهداً. شعر أحبة الفقيد بالراحة والسعادة وهم يشيِّعون الفقيد، فكانت تتراءى لهم أنّ السماء امتلأت بالملائكة الأخيار وهي تسأل ربها الرحمة للفقيد. ويرتفع صدى القلوب وهو يكرر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له.. ويستبشر أحبة الفقيد.. أنّ معلم الأجيال سيبقى ذكره متألقاً منيراً.. الرحمة والمغفرة للفقيد.. وأسكنه المولى فسيح الجنان.. و إنّا لله وإنّا إليه راجعون ..