الشيخ خير الدين إسبير - عالم شاعر أديب مربي
محمد خير الدين إسبير

عالم، شاعر، أديب، مربي

(1311ـ1391هـ/1893ـ1971 م)

 

نسبه ومولده:

هو الشيخ الفاضل الشاعر الأديب المربي القدير الأستاذ محمد خير الدين بن الشيخ محمد بن الشيخ مصطفى إسبير الحلبي الحنفي، من أسرة علم وفضل..

ولد رحمه الله في محلة ( الملنيدي ) بحلب عام 1893 م.. ونشأ فيها وتعلم.

دراسته:

تلقى علوم القراءة والكتابة والفقه والتفسير والحديث، على والده، إمام جامع المحلة.

كما لازم علامة حلب الكبير الشيخ محمد نجيب سراج الدين، رحمه الله، وكان يستشيره في مهمات أموره، ثم لازم من بعده ولده البار الشيخ العلامة المحدث عبد الله سراج الدين، رحمه الله، وكذلك لازم الشيخ الصالح مصطفى الدار عزاني الهلالي، رحمه الله، أكثر من خمسة عشر عاماً، وكان يُقرِّبه منه، ويقول له: أنت ولدي في الروح.. كما عاصر شيخ مشايخ القراء بحلب السيد أحمد أبو التيج المدني (1285ـ 1368)رحمه الله.

أعماله:

أسس في العشرينيات مدرسة أهلية عرفت باسم ( دار الفلاح الإسلامية ) بجامع السلطانية أمام باب القلعة. وقام بإدارة المدرسة بصفوفها الأربعة، وعلَّم فيها مدة خمسين سنة تقريباً من عام1923حتى عام1971 م، وخاصة علوم الحسابات التجارية ( الدوبيا ).. وكان يعاونه فريق من الأساتذة، منهم المقرىء الشيخ عثمان المصري، والشيخ عمر الباذنجكي، والشيخ العلامة اللغوي الأديب المعمر أحمد القلاش، والشيخ الشاعر الأديب الفقيه بكري رجب البابي الحلبي، وكان الشيخ محمد أسبير يعطي الراغبين بعد التخرج دروساً خاصة في علم الحسابات التجارية ( < SPAN style="COLOR: blue">الدوبيا ) إذ كان المدرس البارع فيها.

فكانت له الأيادي البيض على أجيال متعاقبة، وتخرَّجت على يديه نخبة كبيرة من علماء حلب العاملين.، وكان من طلابها الشيخ الفاضل الجليل عبد الله سراج الدين، فإنه درس فيها سنتين، تعلم خلالهما القرآن الكريم وشيئاً من التجويد والفقه والنحو، ثم انتقل إلى المدرسة الخسروية. وغلب على الشيخ محمد أسبير،الأدب والشعر.

كان أديباً ذواقاً للشعر العربي، حقَّق مكانة متميزة في الأوساط الأدبية والاجتماعية.

واشتغل بعلم الحساب ( الدوبيا ) وكان فيه لا نظير له.

إجازاته:

وقد أجازه الشيخ يوسف داده الحلبي بالحديث المسمى: حديث الرحمة المسلسل بالأولية، وحديث المصافحة، وأجاز الشيخ محمد خير الدين أسبير، بهما الشيخ المحدث عبد الله سراج الدين الحسيني الحلبي.

شعره:

نظم الشعر في سن مبكرة، وتناول في شعره معظم الأغراض الشعرية، ولا سيما الإلهيات والنبوات، والمديح والوصف والرثاء والإخوانيات والنصائح والوصايا، وغير ذلك..

أما المديح: فقد مدح كثيراً من العلماء والأدباء، ومنهم: الشيخ العلامة أبا العباس الرشيدي، وذلك عندما زار حلب، في سنة ( 1350 هـ )، ومدح شاعر حماة والعاصي بدر الدين الحامد.

كما مدح الشيخ القارىء المقرىء أحمد أبا التيج المدني، وهنأ العلامة المحدث الشيخ محمد راغب الطباخ مؤرخ حلب رحمه الله، وذلك عندما عين مديراً للمدرسة الخسروية.

والشيخ يوسف المولوي، والفنان أحمد الفقش، وهنأ الأستاذ ساطع الحصري، بمولوده ( خلدون )، كما هنأ أستاذنا الفاضل أحمد مهدي الخضر، بوزارة الأوقاف ( 1962 م )،ومدح المنشد الحاج نعمان حبوش، وقرظ كتاب: ( الإمام الحسين : من المهد إلى اللحد )، لمؤلفه الأستاذ عبد الرحمن بن الشيخ الفاضل عبد الجواد البوادقجي الحلبي.

وأما الرثاء: فقد رثى شيخه العلامة الجليل محمد نجيب سراج الدين، رحمه الله تعالى، بقصيدة بلغ عدد أبياتها ( 23 ) بيتاً،كما رثى ولده البكر ماجد، وكان وحيداً، عندما توفي، وكان والده في استانبول، و رثى ابنتيه مجيدة وحميدة، ورثى والده المتوفى سنة ( 1328 هـ )، وكذلك والدته المتوفاة سنة ( 1349 هـ )، وأخاه عبد الرحمن، ورثى خاله الشيخ الصالح محمد غنوم شيخ الطريقة السعدية، المتوفى سنة ( 1339 هـ ).

كما رثى صديقه الشيخ يوسف المولوي شيخ الطريقة المولوية، وصديقه الشيخ أحمد الحربلي، وصديقه العلامة الرشيدي الشيخ أحمد سراج الدين الترمانيني، وغيرهم، رحمهم الله تعالى.

إنتاجه الأدبي:

له ست مجموعات شعرية، هي:

1ـ نسمات الصفاء في ذكريات الأخلاء.. ( إخوانيات ).

2ـ نفحات مسك في روضات نسك.

3ـ المحفوظات الأخلاقية للناشئة الإسلامية، وهي مجموعة قصائد وأناشيد أخلاقية وتهذيبية وتربوية للناشئة قرظها عدد من العلماء والأدباء.

4ـ آفة السفور والصهيونية في العالم الإسلامي.. وهي قصيدة طويلة : قال في مقدمتها:

ثم اطلع عليها صاحب المواقف السامية فضيلة العالم الأديب والشاعر اللبيب أحد مدرسي معهد العلوم الشرعية بحلب الأستاذ الكريم الشيخ بكري رجب فأثنى عليها، وقال:

إنها قصيدة نضال حر، وكفاح نزيه، في هذا الزمن الذي لم نر أشد منه تهتكاً وإلحاداً.

وقد انتدب أيده الله لشرحها فكساها حلة خضراء من بيان شرحه البليغ فعسى أن تنال من أرباب الذكاء والإنصاف آذاناً صاغية وقلوباً واعية وأن ينفع الله بها من يريد هدايته إلى الصراط السوي.

5ـ ذكريات البقاع المقدسة.. قصيدة طويلة عن مكة والمدينة والبقيع، فقد حج واعتمر أكثر من مرة..

6ـ الحقائق الجلية في قلائد الهمزية، وهي ملحمة، زاد عدد أبياتها عن ( 1100 ) بيتاً، وجعل لكل موضوع منها باباً، وقد اطلع على هذه القصيدة الكثير من العلماء العاملين والأدباء المنصفين في حلب الشهباء وغيرها، فنالت غاية الاستحسان.. وقرظها عدد من العلماء والأدباء، منهم:

فرضي حلب وشيخ قرائها الشيخ محمد نجيب خياطة رحمه الله، ومما قال:

"وبعد؛ فقد أطلعني الأخ الأستاذ السيد محمد خير الدين أسبير على نظم الهمزية التي سمَّاها:" الحقائق الجلية في قلائد الهمزية" فنزَّهت بمحاسن رياضه الناظر فرأيته ملك بشعره المشاعر كيف لا وهو شعر أرق من النسيم وألذ من العافية للسقيم تنقل فيه من غزل إلى توحيد ومن أدب إلى مديح ومن مواعظ إلى أخلاق.

لله در مصنف أبدى لنا الخُلُقَ المتين

أبياته مزدانة بحلاوة اللفظ الرزين

أبحائه قد زُيِّنت بحلى الشريعة واليقين

قد صاغه حسَّاننا فعَّلا على الدرِّ الثمين

لا تستقلوا قدره فالدين حلياه المبين

حقاً إنه لا يستغني عنه مسلم حيث جمع فيه الدين والأخلاق، فلم يبق باباً إلا ولجه، ولا ظريف معنى إلا استخرجه، بهمة قعساء، وجدٍّ قوي، ونشاط علي.

لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها

فجزاه الله خيراً على ما أسداه، ونفع به من حواه، وصلى الله على سيدنا محمد ومن والاه".

كما قرظها العلامة المحدث الشيخ عبد الله سراج الدين رحمه الله بقوله:

"وبعد، فقد أطلعني الأستاذ الكريم السيد محمد خير الدين إسبير المحترم، على ديوانه المسمى:

( الحقائق الجلية في قلائد الهمزية ) فَسُرَّ له قلبي وانشرح له صدري، لما انتظمه من أنواع المحامد والثناء والضراعة والدعاء لرب الأرض والسماء، ولما تضمنه من آداب وعظات وإرشادات وذكريات ينتفع بها اللبيب ويعتبر بها الأريب ".

كما قرظها قاضي حلب الممتاز الأستاذ الشيخ عبد الوهاب التونجي فقال:

"... وتتجلى روح الأستاذ الخيِّرة النيِّرة في ديوانه الجديد فهو نفثة من نفثات الروح التي خبرت المجتمع فوصفته وصفاً واقعياً تجلى في مختلف المواضيع التي طرقها، فللأستاذ الكريم جزيل الشكر وعظيم الأجر".

كما قرظها شعراً، صديقه، ( فتى أريحا وشاعر الفن والعاطفة والروح ) المربي الفاضل الأستاذ أحمد الجسري رحمه الله.

كما قرظها العلامة الشيخ الخطيب الأديب القاضي المفتي الأستاذ محمد الحكيم رحمه الله بقوله:

"وبعد؛ فقد اطلعت على القصيدة الغراء لناظمها الأستاذ المربي الكبير الشيخ محمد خير الدين أسبير، وهي

( الحقائق الجلية في قلائد الهمزية ) فوجدت فيها أثر الجهود السامية، والتتبعات الطيبة الراقية، لصائغ عقودها الأستاذ الفاضل، وإذا بها من جملة مساعيه التربوية في هذه الحياة المليئة بالكفاح، وكان كفاح الأستاذ مجيداً ونضاله عظيماً، خصوصاً وقد أفاض في الكلام عن الحب الإلهي والحسن السرمدي، وأشاد بالقرآن الكريم وببلاغته وفصاحته، وتكلم عن بعض أهدافه ومقاصده، ثم تعرض بعد ذلك إلى البحث في هدي الإسلام، وشيء من مآثر محمد خير الأنام، ثم أفاض في الآداب والحكم فأجاد، ولا عجب لأنه المربي القدير والأستاذ الكبير، ولا ريب أن النفع بها سيكون عظيماً للإخلاص في العمل والصدق في المنهج.

أسأل الله أن يديم نفعه ويكثر من أمثاله ".

وقرظها ابن عمه، الأديب الكاتب عبد الله البكري من دمشق.

رحلاته:

سافر الشيخ رحمه الله إلى مدينة استانبول للتجارة، كما سافر إلى بيروت، ودمشق، وزار محدث الشام العلامة الشيخ الأكبر محمد بدر الدين الحسني، رحمه الله تعالى، في دار الحديث بدمشق، ودعاه لزيارة مدينة حلب، بقصيدة يقول في مطلعها:

بـقـدومـكـم تتشرف iiالشهباء بـقـدومـكـم تتشرف iiالشهباء
أشـرقـت بدر الدين في iiعليائه وقـد اسـتضاءت منكم iiالفضلاء

( دار الحديث ) زهت بكم iiآثارها وسـتـقـتـفـي آثارها iiالنجباء

وقد لبى الشيخ المجاهد البدر الدعوة، وقدم إلى حلب، فاستقبله الآلاف من المسلمين، واستقبله الشاعر بقصيدة مطلعها:

بشروق ( بدر الدين ) لاح هناؤنا واسـتـأنـسـت بقدومه iiشهباؤنا

وبـيـارق البشرى لقد رفعت iiله وبـنـور مـظهره زهت iiعلياؤنا

وتـعـطرت هذي الربوع بطيبه وتـلألأت بـسـنـائـه iiأرجاؤنا

كما سافر الشيخ عن طرق البحر، إلى مدن القاهرة والإسكندرية وطنطا، في مصر، وذلك في سنة

( 1343 هـ ) لإصلاح دفاتر تجارية في الإسكندرية، عجز عن إصلاحها بعض المحاسبين،.. وفجأة توقفت الباخرة، وفي أخطر مكان، ففزع الركاب، إلى أن وصلت باخرة الإنقاذ، وأخذت تشدها بالحبال إلى الإسكندرية طوال الليل، وبهذه المناسبة نظم الشاعر قصيدة يناجي فيها ربه، أن ينقذهم من هذه الشدة.

صفاته:

كان رحمه الله متواضعاً مخلصاً، مربياً فاضلاً، محباً ومجلاً للعلم والعلماء، يلبس عمامة بيضاء على طربوش أحمر، ويلبس نظارة، وهو ذو لحية بيضاء قصيرة.

ثناء العلماء عليه:

قال عنه الشيخ الفاضل عبد الوهاب التونجي قاضي حلب الممتاز رحمه الله تعالى:

"الأستاذ محمد خير الدين أسبير، معلم ومربي عدد كبير من أبناء هذا الجيل، فله فضل كبير في تعليم الحساب التجاري لعدد من أبناء البلد، وتعليم القرآن الكريم لرواده، ونشر القراءة والكتابة به كل من تتلمذ عليه، وهو فوق فضله وصلاحه، قد دأب منذ زمن طويل على نظم الشعر الإسلامي والأخلاقي، في كل مناسبة من المناسبات وله في ذلك جولات كثيرة ".

ويقول الشيخ العلامة المحدث عبد الله سراج الدين رحمه الله تعالى:

ثم التحقت بمدرسة جامع السلطانية أمام قلعة حلب بإدارة الشيخ محمد إسبير، وكانت مدة الدراسة عنده أربع سنوات، منها القرآن الكريم والعلوم الدينية والحساب والنحو.. وكان الشيخ محمد إسبير من جملة أساتذتي ثم صار يحضر دروسي مواظباً".

وقال عنه ابنه البار الأديب الإسلامي عبد المنعم أسبير حفظه الله:

"سيّدي الوالد رحمه الله، شاعر إسلاميّ، ومربٍّ له شهرته في مدينة حلب السّورية، ففي العام)1344هـ ) أسس مدرسة( دار الفلاح الإسلامية )وقام بإدارتها ودرّس فيها مع أساتذة آخرين المواد العربية والإسلاميّة كما درّس بنفسه مادة الحساب التجاري وأصول إمساك الدفاتر التجارية التي اشتهر بها في زمانه، ثم أغلقت المدرسة في العام( 1388 هـ ). وقد ألّف عدة دواوين صغيرة كان آخرها ديوان: ( الحقائق الجليّة في قلائد الهمزية) الذي ختم يه أعماله الأدبية الإسلامية، قبيل رحيله عن حياة زاخرة بالعلم والتعليم وقرض الشعر الإسلامي". ومن أولاده أيضاً: المحامي محمد فاتح أسبير، والأستاذ عبد الهادي أسبير.. وغيرهم.

وفاته:

توفي ـ رحمه الله تعالى ـ عام 1391=1971عن ثمانية وسبعين عاماً.

وقال هذه الأبيات باسمه لتكتب على قبره بعد وفاته رحمه الله:


( بمحمد خير ) الورى iiمستشفع يوم النشور من الخطايا iiوالذنوب

فعسى بتسميتي ومحض iiمحبتي أحظى بما يرضاه علام iiالغيوب

وأفوز في غرف الجنان iiبفضله بـين النعيم وبين أحباب iiالقلوب

وقال أيضاً:

بـمـحـمد خير الورى iiمتوسل فهو الوسيلة في دياجير الخطوب

وبـحسن تسميتي وخالص iiنيتي أرجو رضا مولاي غفار iiالذنوب


المراجع :

معجم أدباء حلب في القرن العشرين للشاعر أحمد دوغان.

مئة من مشاهير حلب للأديب عامر رشيد مبيض.

رابطة أدباء الشام ـ حوار مع ولده الأستاذ عبد المنعم أسبير عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية.

الحقائق الجلية في قلائد الهمزية، للشاعر.

نسمات الصفاء في ذكريات الأخلاء، للشاعر نفسه.

كتاب إعانة المجدين في تراجم أعلام المحدثين الحلبيين، المجلد الثاني، مخطوط، للشيخ أحمد محمد السردار. كتاب صفحات من حياة الشيخ عبد الله سراج الدين رحمه الله تعالى. لمؤلفه الدكتور نور الدين عتر.