الشيخ علي الدقر - الشيخ علي الدقر

رجال من التاريخ

الشيخ العارف علي الدقر وجهاده ضد الفرنسيين في الشام


جريدة السبيل

صفحات مشرقة يكتبها الشيخ علي الطنطاوي:

رحم الله الشيخ علي الطنطاوي الذي عرفه أكثر الناس متحدثا في الإذاعة والتلفزيون، وعرفه بعضهم كاتبا ذا أسلوب سلس رقراق لا يتلبث بقارئه قليلا أو كثيرا دون مراميه.
وإن له فصلا من كتاب يتحدث عن المجاهد الشيخ علي الدقر جديرا بأن يقرأه الناس أيامنا هذه لما يجدون فيه من صورة العالم المجاهد التي يود المنافقون والذين كفروا أن تطمسها الأيام طمسا.
هذا الفصل الشائق هو ما اخترناه لقرائنا الكرام إحياء لذكرى شيخين جليلين وتبيانا لمنهج في العلم والجهاد نحتاجه كل حين.

الرجل الذي هز دمشق من أربعين سنة هزة لم تعرف مثلها من مئتي سنة، وصرخ في أرجائها صرخة الإيمان فتجاوبت أصداؤها في أقطار الشام، واستجاب لها الناس يعودون إلى دين الله أفواجا يبتدرون المساجد ويستبقون إلى حلقاته، وأعانه عليها زميله وصديقه الشيخ هاشم الخطيب، وملأ ذكرهما البلد وشغل أهلها، ودخل أثرهما كل دار، وصارا حديث الناس، فمن لم يكن معهما متحمسا لهما كان عليهما متحمسا في عدائهما.
وإذا كان من القراء من لم يسمع باسم الشيخ علي الدقر قبل الآن، فإن اسمه عندنا على كل لسان، وهو في الشام علم الأعلام، وإذا كان من المصلحين من طارت (شهرتهم) في الآفاق، فإن الشيخ علي ممن عرفوا في بلادهم وجهلوا فيما وراءها، وهو تلميذ الشيخ بدر الدين الحسني، ما طالت قراءته عليه، ولا بلغ بين تلاميذه مبلغ الشيخ محمود العطار، فضلا عن أن يبلغ في العلم منزلة الشيخ البدر أو يدانيه، ولكنه أعطي من التوفيق في العمل والعمق في الأثر ما لم يعط مثله الشيخ بدر الدين، ولا غيره من مشايخ الشام في تلك الأيام.
لقد أمضى شطرا من عمره لا يدري به أحد وشطرا لا يجهله فيه في دمشق أحد، ولقد سمعنا به أول مرة سنة 1344 ونحن طلاب في المدارس الثانوية، وكان من اوائل (المواد) في منهج دعوته ترك المدارس الحكومية، والإقبال على طلب العلم الديني، فكنا نذهب إليه لنسمع هذه الدعوة العجيبة، ولا نستطيع أن نجهر بإنكارها خوفا من مريدي الشيخ المؤمنين بها الذي يبطشون بخصومها، ثم نال منا كلام الشيخ، وأثرت فينا مواعظه، فجعلنا نذهب لنستمع إليها نخرج من المدرسة، فنكتب دروسنا على عجل ونسأل أين درس الشيخ اليوم؟؟ فإذا عرفنا مكانه أسرعنا إليه.
نقعد في الحلقة قبل موعد الدرس بساعة، إذ نخشى من كثرة الازدحام ألا نجد إن تأخرنا مكانا، لأن (الشيخ علي) كان يدرس في مسجد صغير عند باب الجابية في دمشق فكان يمتلئ كله، ويقف الناس على أبوابه وأمام نوافذه، ولم يكن في الدرس علم غزير، ولكن كان فيه شيء لا يجده سامعه عند ذوي العلم الغزير؛ فيه الموعظة التي تخرج من القلب لتقع في القلب فتحرك فيه خامد الشعور، وتثير فيه كامن الإيمان، فيه ما يملأ بالدموع الأماقي، ويبكي من الخشوع العيون، فيه ما يقيم ويقعد ويلين أفئدة كانت أشد من الصخر، ويستخلص من أيدي الشيطان نفوسا كان قد تملكها وتحكم فيها الشيطان، فيه ما يشعر حاضره أنه انتقل من هذه الدنيا إلى مجالس الجنان.
فيه ما لا أستطيع أن أعرف القارئين به، لأنه شيء يرى ولا يوصف، ويذاق ولا يعرف، وكان الشيخ يُسأل من أين يأتي بهذا الكلام الذي يلقيه على الناس، ومن أي كتاب ينقله، فما كان يجيب، ولو أجاب لقال: إنه ينقله من الصلاة في ظلمات الليالي، والمناجاة في هدأت الأسحار، ومن حلاوة الإيمان التي يذوقها في ساعات الخلوة بالله، والتوجه إليه، والقيام بين يديه، من هناك يملأ هذه (البطارية) التي يعيش أهل الدرس ساعة على ضوئها.
ولم يكن في سيرة الشيخ علي قبل تلك السنة حادث يستحق التسجيل، فلقد كان أبوه من سراة التجار، وكان له أخوة أكبر منه يشاركون بأهم أعماله ويعاونونه في تجارته، على حين كان يتبع هو العلماء، ويحضر الدروس، ويقرأ على الطريقة الأزهرية التي لم نكن نعرف طريقة لطلب العلم غيرها، وهي أن يأخذ الشيخ نسخة من الكتاب، ويأخذ كل تلميذ نسخة، فيقرأ لهم ويشرح أو يقرؤون عليه ويفسر، لا عمل له إلا بيان قصد المصنف رحمه الله تعالى، وتوضيح عبارته، أما تلخيص الموضوع والكلام فيه والإلمام بجوانبه وأمثال هذا مما يهتم به الطالب اليوم فلم يكن من همهم، فإذا ختموا الكتاب شرعوا في غيره، فلا يدرس طالب العلم علوما ولكن يقرأ كتبا.
كانت هذه طريقة العلماء جميعا، وهي التي سلكها الشيخ علي، ولم يظهر عليه نبوغ في علم من العلوم يسترعي الانتباه، ولكنه ظهرت عليه بوادر الصلاح، وحضور القلب، وأنه إن وعظ لم يأت بألفاظ حلوة تقرع الأذن، ثم لا تجاوزها، بل بمعان تصل إلى القلوب قبل أن تصل الألفاظ إلى الآذان.
وانتهى من طلب العلم، واكتفى بما حصل منه، وقعد يدرس في المسجد الصغير عند باب الجابية في دمشق (المعروف بجامع السادات)، ويحضر درسه نفر كانوا لقلتهم تتسع لهم أسدة المسجد، فكان الشيخ يقرأ فيها لا ينزل منها.
وكان أبوه يحتاج إليه لمعاونته في أعماله الكثيرة وتجارته الواسعة، وكان مقياس صلاح الرجال عنده القدرة على الأعمال وعلى اكتساب المال، فلما رأى ما انتهى إليه تألم وشكاه إلى صديق له بقال أمام المسجد، وقال له: ما أدري والله من أين يعيش؟ وكيف تكون حاله بعدي؟!
واستمر الشيخ علي في درسه، وكانت أيام الانتداب في الشام، وقد بدأ الفساد يدخل إلى البلاد، والشيخ لا يدري بشيء، لأنه لا يعرف من دنياه إلا داره ومسجده وكتابه وصلاته، وجاءه من قص عليه خبر ما جد في البلد من التكشف، وكان كل الذي جد أن امرأة واحدة معاونة مديرة دار المعلمات سارت في الطريق مكشوفة الوجه، وخبر المدارس التي تعلم علوما ما سمع بها الشيخ وما عرفها من علوم الكفار، وأن مدرسيها من الذين تعلموا في بلاد الإفرنج أو على أيدي الإفرنج، فعظم عليه الأمر، وفكر ليالي طوالا.. ماذا يعمل؟
وظهر أثر هذا التفكير الطويل في دروسه، فلم يعد يقتصر على شرح عبارة الكتاب، بل صار يتكلم من عنده يرقق القلوب ويذكر بالآخرة، ويدعو إلى الإصلاح، فكثر المستمعون حتى ضاقت عنهم السدة، فنزل إلى أرض المسجد، ثم ضاق عنهم المسجد، فصار يدرس في (جامع السنانية) الكبير.
وكان لصفاء قلبه يقول: نحن نحن ما تبدل فينا شيء، فلماذا هذا الإقبال؟
وتسابق الناس إليه، وازدحموا عليه كما ازدحموا على زميله في الدعوة الشيخ هاشم رشيد الخطيب، وأشهد لقد سمعته مرارا، فوجدت أن عنده ما يدفع إلى هذا الازدحام، ولم يكن في دروسه (كما قلت) علم غزير، ولكن كان فيها من روعة التذكير وشدة التأثير ما ليس له نظير.
كان يخشع هو فيخشع السامعون، ويبكي فيبكون، وربما قال كلاما (عاديا) تسمعه كل يوم فتحس منه كأنك لم تسمعه من قبل.
وعظم الإقبال عليه، فما تبدل شيء، وما اغتر، ولا تعاظم، وكان من أجمل أخلاقه أنه لا يمد يده إلى أحد، وأنه كان يعطي ولا يأخذ، لم تستهوه الدنيا، ولم يفتنه المال، ولم تغرره المناصب وبقي على ما كان عليه.
وكان غنيا من جهتين؛ غنيا بماله الذي ورثه عن أبيه، وغنيا بقلبه، وهو هو الغنى. ورب رجلٍ يملك من الأموال ما لا تأكله النيران، وقلبه قلب فقير، وفقيرٍ لا يملك قوت يومه وبين جنبيه نفس ملك.
وكان أقرب الناس إليه التجار وأبناء القرى، لا سيما قرى حوران، وحوران قصر عظيم في جنوبي الشام على حدود البلقاء (الأردن) كانت فيه قديما مملكة الغساسنة، ولكنه كان يعيش يومئذ في (جاهلية) مزدوجة، ففيه الجهل الذي هو ضد العلم، والجهل الذي هو ضد الحلم، وكان كثير من أهله يعيشون عيشة من لم يدر أن رسولا بعث وقرآنا نزل.
فعمد الشيخ إلى كل بلدة أو قرية يأخذ من أولادها من يعلمه ويفقهه في الدين، فيلازم الشيخ سنوات يعود بعدها إلى بلده معلما ومرشدا، فأحيا الله به تلك الديار وردها إلى شرعة الإسلام.
ولم تمر على دعوته شهور حتى تجاوبت أصداؤها في أقطار الشام كلها، وأحس بها القاصي والداني، واعترف بقوتها العدو والصديق، ولكنها عنيت بالمظهر أكثر من عنايتها بالجوهر، وقامت على إصلاح (الخارج) قبل إصلاح (الداخل)، فتسابق الرجال إلى لف العمائم على الطرابيش حتى لم يبق في البلد (شاش)، وأسرع النساء إلى اتخاذ الإزار الأبيض بدل الملاءات السود حتى فقد من السوق القماش، واستراح الحلاقون من (العمل) في وجوه الرجال، فعطلت الشفرات وعملت الأمشاط.
ثم مل العامة من هذا كله، وفترت حماستهم، وذهبت حدة هذه الدعوة من نفوسهم، وزال بريقها في عيونهم، فانصرفوا عنها وكان أثرها فيهم كحريق القش اليابس يلتهب في دقيقة لينطفئ بعد ساعة، ولكن النار التي أوقدها الشيخ لم تنطفئ، ولئن خبت عند العامة ولم يبق لها لهيب ظاهر، فلقد بقيت في الخاصة خفية، ولكنها دائمة كنار الفحم الحجري بطيء اشتعالها بطيء زوالها. ذلك أن الشيخ لما رأى إقبال أولاد القرى عليه من حوران ومن البلقاء ورآهم غرباء في دمشق لا نادي لهم فيها خاف عليهم الفساد، وأشفق عليهم من التعب، وكان في دمشق غرف كثيرة في المساجد موقوفة على طلبة العلم قد تسلط عليها ناس ليسوا من أهل العلم، ولا من طلابه يتخذونها مجالس للتسلية أو بيوتا للسكن أو مخازن لعروض التجارة، فاستخلص منها ما استطاع استخلاصه، فأسكن فيه هؤلاء الطلاب، ثم رأى أن هذا كله لا يكفي، وأن طلبة العلم في حاجة إلى مسكن قائم ومورد دائم، فألف من هؤلاء التجار الذين يحفون به جمعية سماها (الجمعية الغراء لتعليم أولاد الفقراء)، وهو اسم غريب، ولكن العبرة بالمسمى لا بالاسم، وعملت هذه الجمعية عملا عظيما ففتحت مدارس للصغار ومعهدا علميا للكبار.
وكان في دمشق مدرسة كبيرة بناها نائب الشام على عهد المماليك الأمير تنكز، وكان في الأصل في ظاهر دمشق فصارت اليوم لب البلد.
وكانت الدولة العثمانية قد جعلت منها مدرسة حربية ثم ورثها الفرنسيون لما اغتصبوا الحكم في الشام، فاستعان الشيخ علي بالشيخ بدر الدين الحسني على جعل المعهد فيها.
وكان الشيخ بدر الدين (كما هو معروف) شيخ دمشق أمره فيها، الأمر لا يخرج عليه حاكم أو محكوم، وكان لا يمشي إلا إلى مسجده ومدرسته، فلما استعان به الشيخ علي قال: امش يابا.
وكانت كلمته لكل من يخاطبه من كبير أو صغير (يابا)، فمشى معه الشيخ علي وتلاميذه من ورائه، حتى دخل الشيخ المدرسة، فأسرع إليه مديرها وكان ضابطا فرنسيا كبيرا يستقبله ويكرمه ويسأله عما يأمر به فقال له: (والترجمان يترجم): يابا، هذه مدرسة دينية، وفيها مسجد، وأنتم ما لكم فيها حق فأعطوها للشيخ علي يجعلها معهدا علميا.
فقال له الضابط: كما تأمر، لكنا نحتاج إلى مهلة حتى نفتش عن محل ننتقل إليه، وننقل إليه متاعنا.
قال الشيخ: طيب يابا.
ولم يمر شهر حتى استلمت الجمعية الغراء المدرسة، وكانت واسعة الرقعة تصل بين شارع النصر وميدان المرجة، ولكنها مخربة قديمة البناء، فشرعت الجمعية بتجديد بنائها، وجمعت لذلك الأموال الكثيرة وقدم جلها أعضاء الجمعية، واشتغلت في ذلك سنين حتى أعيد بناء المدرسة كلها، ورجعت كالعروس بعد أن صارت كالعجوز.
وأنا أحب (والكلام عن الشيخ علي وشيخه البدر) أن أعرض للقراء صفحة مطوية من تاريخ الشيخ بدر الدين، هي رحلته في سنة 1924م مع الشيخ علي الدقر والشيخ هاشم الخطيب من دمشق إلى دوما إلى النبك إلى حمص إلى حماة إلى حلب هذه الرحلة التي طافوا فيها بلاد الشام (سورية) كلها، وكانوا كلما وصلوا بلدة أو قرية خرج أهلها على بكرة أبيهم (كما كان يقول أجدادنا) لاستقبالهم بالأهازيج والمواكب، ثم ساروا وراءهم إلى المسجد، فتكلموا فيه، ووعظوا، وحمسوا، وأثاروا العزة الإسلامية في النفوس، وذكروا بالمجد الغابر، وحثوا على الجهاد لإعلاء كلمة الله، فكانت هذه الرحلة هي العامل الأول والمباشر لقيام الثورة السورية التي امتدت سنتين وأذهلت ببطولتها أهل الأرض.
والثورة كما نعرف نحن وقد رأيناها رأي العين، ويعرف كل شامي أدرك تلك الأيام قد قامت في الغوطة قبل أن تقوم في الجبل (جبل الدروز)، وقد بدأت بخروج طلبة العلم بدافع الجهاد ومن أوائل من خرج إليها شيخ من تلاميذ الشيخ هاشم لا يزال حيا، فاسألوه فعنده الخبر اليقين هو الشيخ محمد إسماعيل الخطيب، ومن هؤلاء الذين خرجوا وعملوا العجائب البطل الشهيد حسن الخراط (وقد كتبت عنه فصولا طوالا في مجلة الناقد التي كانت تصدر في دمشق سنة 1930م)، وكان حارسا ليليا أميا قاد عصابات المجاهدين، ووقف بهم في وجه فرنسا يوم كانت فرنسا أقوى دولة برية في أعقاب الحرب الأولى وغلبها، واحتل دمشق ثلاثة أيام.
وكانت معارك (جسر تورا) تهتز بأخبارها أسلاك البرق وأمواج (اللاسلكي)، وتتناقلها أكبر جرائد العالم، فهل تعرفون ما جسر تورا؟
جسر قديم على نهر عرضه خمسة أمتار كانت تقف وراءه المئات من الثوار تحتمي بحيطان البساتين وبشجر الزيتون والمشمش وترد بالبنادق العثمانية العتيقة حملة فيها عشرة آلاف ومعها المصفحات ويقودها جنرال!
وليس الكلام عن الثورة، ولكن قلت ما قلت لأبين أثر الشيخ بدر الدين الحسني وتلميذيه علي وهاشم في قيامها.
وبعد، فإن حركة الشيخ علي لم تقف، ولا تزال بعد موته قريبا مما كانت في أواخر حياته، فمعهده لا يزال قائما، ومن طلابه الذين ينهجون نهجه ويتبعون أثره اثنان من علماء الشام، الشيخ حسن حبنكة، وله معهد ضخم يبث فيه العلم وينشر روح الاسلام، والشيخ عبدالكريم الرفاعي وعنده مئات ومئات من الطلاب، وهو قائد من أفضل قادة الجبهات الإسلامية إخلاصا وعلما وعملا وعفة يد ونزاهة نفس وحسن خلق.
وكان سر نجاح الشيخ علي صلاحه وعبادته وورعه، وأنه موقن بما يدعو إليه يقيم الحق الذي يراه على نفسه وأهله قبل أن يقيمه على الغريب، وكان من منهجه أنه إذا جاء رمضان وقف دروس العلم، وانصرف إلى العبادة وتلاوة القرآن وذكر الله بالقلب واللسان معتكفا هو وتلاميذه في المسجد تاركين الدنيا وراء بابه قلوبهم مع الله وألسنتهم رطبة بذكر الله يعيشون في جنة من جنان الخلد، ولكنها في الدنيا فيكون لهم من رمضان مدد روحي وذخر يدخرونه زادا للسنة كلها.
وكان الشيخ علي كالشيخ بدر الدين جميل الصورة ناصع البياض أزرق العينين حلو التقاسيم له لحية بيضاء كبيرة تزيده جمالا، وكان كلاهما يتخذ العمامة التجارية من القماش الهندي المطرز لا العمامة البيضاء عمامة العلماء.
قلت: إن والد الشيخ شكاه مرة إلى صديق له بقال عند باب الجابية، وقال له: ما أدري كيف يعيش هذا الولد؟ وكيف يصير إذا كبر؟
وعمّر هذا البقال حتى بلغ الشيخ ذروة مجده، وازدحمت عليه الألوف، وأقبلت عليه القلوب، وكان يوما في دكانه، فرأى الشيخ خارجا من المسجد ووراءه الحشود من أرباب العمائم، فذكر ما قاله الأب واستغرق في الذكرى حتى غاب عن حاضره، وعرته حال روحية غريبة، فنزل من الدكان, واتجه إلى مقبرة (الباب الصغير)، وصرخ بأعلى صوته:
يا أبا صادق! يا أبا صادق! ارفع رأسك فانظر ابنك علي كيف صار!ِ