وفاءً لكَ يا شيخ شكري

 

 

هناك أناس تعيش في ضجيج وتموت في ضجيج، وهناك أناس تعيش في صمت وتموت في صمت لا يعلم بها إلا الله منهم الشيخ شكري اللحفي!

لقد مات الشيخ "شكري اللحفي" منذ يومين فأحببت أن أروي قصتي معه.

 

عرفته منذ أن كنت صغيراً، رجلاً هادئاً مبجّلاً يعلوه الوقار، شفتاه دائمة التحرك في ذكر الله وقراءة القرآن، كان لا يغادر دكّان السمان "الشيخ يوسف أبو ديل" رحمه الله في حي الشاغور منطقة القراونة بدمشق.

 

كان بيتُنا مقابل دكّان "الشيخ يوسف"، وكنت أشتري من عنده مأكولاتي المفضلة جميعها مثل:

 

(السكر المطعّم، والقضامة المغلّفة بالسكر، وراحة الشطّي مطّي وغيرها)، وكان الشيخ "شكري اللحفي" رحمه الله يقوم بالبيع نيابة عن الشيخ يوسف إذا كان مشغولاً.

 

هكذا عهدته منذ أن كنت صغيراً بوجه المشرق الوقور وصوته الخافت بالكاد يُسمع.

 

وعندما أصبحت شاباً وسافرت إلى الولايات المتحدة وعدت إلى سوريا عدة مرات لزيارة الأهل في الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم، ذهبت وزرت الشيخ شكري مراراً في بيته الواقع في الشاغور جانب مستوصف الرعاية عدة مرات، واستقبلني في بيته المتواضع في قبو البناية والمؤلف من غرفتين على الغالب وتكلم معي كالعادة بصوته الخافت والبسمة لا تغادر شفاه.

 

كان الشيخ شكري مثالاً للورع والسيرة الحسنة، فلقد عاش حياة بسيطة زاهداً في الدنيا ومغرياتها التي لو شاء لكان واحداً توّدُ أكثر المحطّات الفضائية أن تنال شرف إستضافته، ولكنه أبى إلا أن يكون خادماً للناس لا سيدهم، فلا يحب أحداً أن يقف له إذا حضر مجلساً، بل كان يسارع في القدوم ليكون أول الحاضرين كي يتجنّب وقوف الناس له إذا دخل عليهم متأخراً!

 

كان الشيخ شكري يسقي الناس في المساجد ضيافة وتقرباً لله حتى ظنّ البعض أنه يعمل خادماً في المساجد دون أن يدروا أن الذي يسقيهم الماء بالطاسة النحاسية هو الفقيه والشاعر والزاهد وجامع قراءات القرآن السبع في دمشق.

 

ومما ذُكر عن زهده أنه إبّان التكريم الذي أقامته وزارة الأوقاف السورية لشيوخ قرّاء دمشق في آذار عام 2006م، تصدّق بالجائزة المُهداة له كاملة وقيمتها نصف مليون ليرة سورية، أي ما يُعادل عشرة آلاف دولار آنذاك.

 

رحمك الله يا شيخ شكري وجمعنا بك في فردوسه الأعلى، فمهما تحدثنا عنك لا نوافيك حقك.