الشيخ محمد الحربلي رحمه الله

 

 

 

      اسمه ونسبته:

هو الشيخ الصالح الورع الزاهد الأديب الشاعر الفاضل السيد محمد الحربلي الصيادي، ويكنى بأبي أحمد، ويرجع نسبُه إلى الشيخ الصياد. 

والحربلي نسبة إلى قرية حربل شمال حلب، جاء جدٌّ من أجداده منها إلى حلب، كما قال الشيخ محمد ويس الهَمَل.

 أو كان له جدٌّ ذو شأن فمرض ونحل فقيل: الحرُّ بلي كما قال هو، ولعله كان يلاطفُ بهذا أصحابَه.

 ولد في باب النيرب في حلب، ونشأ في أسرة فقيرة.

 

شيوخه:

 أخذ العلم والسلوك عن شيوخ عدة، منهم:

1) الشيخ أحمد المصري أبو نجيب.

 وكان الشيخ أحمد يقول: نجيب ليس بولدنا، ولدنا محمد. 

ومرة سمع الشيخُ محمد شيخَه المصري يمدح الرئيس المصري جمال عبد الناصر فخرج ولم يعد إليه.

 وكان الشيخ أحمد يقول: وددتُ أن أعرف ما الذي أغضبه.

2) الشيخ أحمد القلاش.

 وكان –أي القلاش- يضع عمامتَه على رأسه ويقولُ له: أنتَ أحقُّ بها.

3) الشيخ عبد الرحمن السَّبْسَبِي الحموي الرفاعي: 

حدثني الوالد عن الشيخ محمد أنه قال: كنت أبحث عن شيخ من آل البيت أسلك على يده، إلى أن سمعتُ بالشيخ عبد الرحمن السَّبْسَبِي في حماة فسافرتُ إليه، وسلكتُ على يديه.

 وحدثني الوالد أن الشيخ عبد الرحمن قال: سلّكت محمد الحربلي بعد امتناعٍ، ووجدته رجلًا من الرجالات، وأوصاني به السيد أحمد الرفاعي وقال: سلم لي عليه.

{ قلت: لعله يقصد في الرؤيا}.

4) الشيخ محمود الشقفة الحموي.

 أخذ الطريقة عنه وصحبه بعد موت الشيخ عبد الرحمن السَّبْسَبي.

 

مكتبته ومعرفته:

     وقد كوّنَ الشيخ محمد مكتبةً جيدةً، وكان كثيرَ المطالعة في كتب الأدب والتصوف، ويحفظ أشعارًا وقصصًا كثيرةً يذاكِرُ بها، ويقول الشعر الفصيح والشعبي(الموال). 

وكان له معرفة بالعروض، وقال لي الوالد: كان لو عُرِضَ عليه مئة بيتٍ عرف الخطأ ولو كان غامضاً من أول مرة، ويقول للعارِض: راجع البيت كذا.

 

    شيء من أخباره:

من أخبار الشيخ محمد الحربلي أنه استعار كتاب "بوارق الحقائق" من الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وكان الشيخ عبد الفتاح اشتراه – مخطوطًا- من مجموعة كتبٍ جاءتْ من حماة .

    وينقل الوالد عن الشيخ محمد الحربلي أنه أُنشِدَ في النوم - وهذا في ظني مما بقي في ذاكرتي-: 

كنْ رأسَ حزبي ناظماً لعصابتي. 

ثم رآه في كتب الشيخ محمد مهدي الرواس.

     ومِنْ لطائفه أنه كان يمشي في السوق فسمعَ رجلًا رأى امرأةً فقال: سبحان الله، 

 

 فقال : تسبيحُ الفسَّاق في الأسواق سبحان الخلاق . 

      

عمله وورعه وحياؤه:

     عمل الشيخ محمد في ضمان الكروم. 

      واشتغل "سمّانًا" عند عفيف أبو أدان في "الصفصافة". 

       ثم عمل في مكتبة في "السويقة"، ومِن ورعه أنه جاءت إلى المكتبة كتبٌ من حماة فيها كتاب: "المعارف المحمدية في الوظائف الأحمدية" المنسوب إلى أحمد الصيّاد، فلم يشتره بنفسه، وبعث مَن اشتراه له، خشية أن يخصم صاحبُ المكتبة من ثمنه حياءً منه.

     ثم اشتغل في" الطورنو" لتصليح الماكنات في شركة النسيج لصالح الساهر.

وكان فقيرًا صابرًا راضيًا، متجملًا، يقول الوالد: دعوتُه مرة إلى الغداء فتأخر، فسألتُه فقال: انتظرتُ ثوبي إلى أن جف.

وكان حيياً جداً: كان أحدُ أبنائه يدخِّن ويضع " الباكيت" على الرَّف، ويسأله هو عنه – وهو يعلم- فيقول: هذا لجدِّي. فيسكت عنه.

وكان قليل الكلام، لا يجادل، وإذا تكلَّم جذب سامعيه وأمتعهم.

وكان مرة في مجلسٍ وتكرَّر منه: قال بعضُهم، وأنشد بعضُهم...فظنَّ أحدُ الحاضرين (بعضَهم) هذا رجلًا بعينه فقال: ما أوسعَ علمَ (بعضهم) هذا!! وكانت طرفة ضحك لها مجالسوه.

 

له أعمال علمية:

1) منها ترجمة موسعة للشيخ محمد أبي الهدى الصيادي، اختصرها سليمُ الحمامي في صدر كتاب: "ضوء الشمس في قوله صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام على خمس" المطبوع في دمشق.

2) تخريج أدعية "حزب الفرج" للسيد أحمد الرفاعي، وسمّاه الشيخ عبد الحكيم سليم عبد الباسط: "الطرف الأدعج في تخريج أدعية حزب الفرج".

3) تصحيح كتاب: "جلاء الصدا في سيرة إمام الهدى" لابن جلال اللاري المصري، نسخة السيد شاكر آل غلام الرفاعي في سامراء.

 وهذه النسخة استعارها الوالدُ من السيد شاكر المذكور، وجاء بها إلى حلب، وقرأها الشيخ محمد، وصحَّح كثيراً من عباراتها، وكتب في آخرها: 

"تم تصحيح ما أمكن منه بالرجوع إلى الكثير من كتب السادة الرفاعية، ولم أتمكن من تصحيح كثير من العبارات المحرفة. وأنا الفقير إليه تعالى خادم السادة الرفاعية رضي الله عنهم محمد بن السيد أحمد الحربلي الصيادي".

   وقد أعاد الوالدُ هذه النسخة إلى صاحبها. ثم صَوَّرتُ عنها نسخةً بعد سنين.

4) تحقيق كتاب: "أزهار الحديقة" لأبي الهدى الصيادي، بالاشتراك مع الشيخ عبد الحكيم سليم عبد الباسط.

5) ديوان شعر. 

6) وله "تقاريظ" على عددٍ من الكتب الرفاعية لعله أدرجها في الديوان المذكور، وقد أخذه الشيخ عبد الحكيم سليم عبد الباسط ليطبعه، ولم يُطْبَعْ.

 

كتب ذكر فيها:

كان الشيخ عبد الحكيم سليم عبد الباسط يقدِّرُه ويحبُّه، ويعرضُ عليه أعماله، ويستأنسُ برأيه، وقد لا يأخذ به.

 1- وقد ذكرَهُ في مقدمة تحقيقه لكتاب: "بوارق الحقائق" المطبوع سنة 1387هـ - 1967م ص10- 11.

      2- وأثبتَ رسالةً منه مؤرخة بـ 4 من شعبان سنة 1387هـ في آخر كتاب: "المجموعة النادرة لأبناء الآخرة" التي جمع فيها: 

"الدرة البيضاء". 

و"برقمة البلبل". 

و"الحكم المهدوية الملتقطة من درر الإمدادات النبوية".

و"فذلكة الحقيقة في أحكام الطريقة" 

وأربعتها تنسب إلى السيد محمد مهدي الرواس. انظر ص 305.

 ويذكر هنا أنَّ "الدرة البيضاء" و"برقمة البلبل" أخذهما منه. انظر مقدمة "بوارق الحقائق" ص 11 .

      3- وأثبتَ رسالةً أخرى مؤرخة بـ 13 من جمادى الأولى سنة 1989هـ  الموافق 27/ 7/1969 في آخر كتاب: "معراج القلوب إلى حضرات الغيوب" ص 633- 636.

      4- ورسالةً مؤرخةً بـ 19/11/1390هـ الموافق 15/1/1971 في آخر كتابٍ جمعه هو-أي الشيخ عبد الحكيم سليم عبد الباسط- سمّاه " زاد المؤمن القوي". انظر ص 193-196.

       5- وذكره في آخرِ كتاب: "الفلذة الخضراء" -وهذا آخر مؤلفات الشيخ محمد أبي الهدى الصيادي-، إذ وصلتْ إليه هذه الرسالة عن طريقه. وهي نسخةُ الشيخ عيسى البيانوني، كتبَها في شعبان سنة 1347هـ.

 

أنموذج من شعره:

   من شعره تقريظُه (ديوان) الشيخ بكري رجب ، بقصيدةٍ أرَّخ فيها طبعَه، فقال:

      ديوان بكرٍ غدا كالموردِ الشبمِ            ديوانُ بكرٍ حكى نوراً على علَمِ

     لقد حوى من فنونِ الشعرِ أحسنَها       لاسيما مدح خير العرب والعجمِ

      فيه من الوعظِ  والإرشادِ ألطفُه        وألطفُ الشعرِ يحوي ألطفَ الحكمِ

     جزاك ربُّ السما يا بكرُ خيرَ جزا        ودمتَ بين رجال العلمِ كالعلَمِ

     يا طالبَ الأدبِ العالي هلَّم  فذا           ديوانُ فضلٍ يحاكي رقةَ النسمِ

     قد تمَّ طبعاً ألا انظرْ أرِّخوهُ  إلى          ديوانِ بكرٍ حلا للذائقِ الفهِم

 1391هـ / 1971م

وفاته:

أصيب بعدة أمراضٍ منها تشمُّع الكبد، وقضى مأسوفاً عليه، وعلى أدبه الغزير، ولطفه الكبير، وجمال حديثه، وحسن مجالسته.

 رحمه الله، وغفر له، ورضي عنه، فقد كان من نوادر أهل الفضل في حلب، ولو تابع دراستَه واشتغالَه بالعلم، والعمل في مجالاته، وكُفِي أمر المعاش، لعُدَّ من كبار العلماء  والأدباء.