محمد أبو يزن الشامي‎

 

 

ولد في دمشق سنة 1986 (أصله من بلدة شمال دمشق)، وكان متفوقا في المدرسة ومع ذلك أصر على أن يدخل كلية الشريعة، رغم معارضة والديه. ووصل إلى مرحلة ماجستير في الفقه المقارن (لم يتمه بسبب اعتقاله). وكان يطلب العلم خارج الجامعة، فحضر دروسا عند عدد من العلماء أشهرهم شيخ القراء كريّم راجح. وكان أديبا ينشد الشعر على السليقة، واسع الاطلاع.

 

كانت صدمته شديدة بحال المشايخ. كيف لا وهو يحمل هم الأمة في قلبه؟ يرجع للبيت من درسه ويبكي وحده من حال المشايخ وتقصيرهم. ثم اعتقل في فرع فلسطين بتهمة "السلفية الجهادية" حيث أفتى لبعض الأخوة. وعند انطلاق الثورة، أفرجوا عنه، ليخرج للإمارات.

 

من هناك كان يتلقى الأسئلة من أصحابه القدامى، ويتصل بي فنناقشها ونجيب عليها. ثم رأيت أن ندون الأجوبة، فأسسنا ما أسميناه بمجلس الإفتاء، وانضم لنا الشيخ عدي وآخرون. ثم رآى أبو يزن أن ينزل بنفسه لسوريا (دون علم والديه)بمساعدة أخيه، فاختار أكثر شخص يتحرى عن كل قضية ويسأل به، فانضم له الشيخ. فكانت هذه حركة الفجر في "الباب" شرق حلب.

 

وكان هناك من يرسل له الأسئلة الفقهية من كتائب مختلفة من شمال البلاد إلى جنوبها، لكنه لاحظ أن أحد هؤلاء يسأله عن تفصيل كل أمر صغير أو كبير.

 

فالشيخ اعتبر هذا دلالة على ورع الأخ، فاختار الانضمام إلى فصيله. وكان هذا هو حركة الفجر الإسلامية في ريف حلب. وأصبح أبو يزن الشرعي العام فيها. وكان اسم الكتيبة في مدينة الباب: كتيبة شيخ الإسلام ابن تيمية.

 

وهناك التقى بكثير من الكوادر النادرة مثل أبي أيمن الحموي الحلبي، ومثل أبو حمزة الرقي، ومثل أبي سارية الشامي، وغيرهم.

 

والحق أن تلك الحركة جمعت خيرة الكوادر، سواء من الإسلاميين أمثال أبو أيمن الحموي، أبو حمزة، أبو سارية الشامي، أو شباب الحركة أنفسهم. وكان الشيخ مجرد شرعي يقدم الفتاوى.

 

أيام حركة الفجر، كان يخطب في مسجد كبير في مدينة الباب، فيأتي بالدرر. لكن بعض العوام لم يكن يفهم لغته العالية. حتى مرة دخلنا الجمعة، فسألني أن أخطب، فاعتذرت أني غير محضر لخطبة، فخطب الشيخ أيمن خطبة جميلة. وبعد الصلاة أتاه رجل عامي كبير بالسن فقال أنت خلي خطبتك للجامعة، وخلي هذا (يعني أبو أيمن) يخطب بدلا منك. والشيخ يضحك.

 

 

 

ساهم بإنشاء الهيئة الشرعية بحلب، فتورط برئاستها، واستنزفت وقته وأرهقته. وانضمت الفجر للأحرار، فزادت مسؤولياته، إلى أن أصبح أمير حلب ونائب أمير الحركة.

 

مرت على أبي يزن حادثتين أثرتها به كثيرا، أولهما ظهور #داعش وما تسببت به من انحسار الثورة، والثاني اغتيال أبي خالد السوري الذي كان يعامل أبو يزن معاملة الأب لابنه. فحصلت عنده مراجعات فكرية رائعة تهدف إلى إرجاع الثورة شعبية كما كانت، وبث الروح بها من جديد.

 

لم يكن سهلا على قيادات أحرار الشام أن يتراجعوا عن مفاهيم حملوها سنين وقاتلوا عليها وسجنوا من أجلها، مع علمهم بأن الكثير سينشق عنهم بسب التراجع عنها، ومع ذلك كانت مصلحة الأمة فوق مصلحة التنظيم. واختار أبو يزن الأمة.

 

كان رحمه الله مرحا، حلو المعشر، آية في الذكاء، رحيما على الناس. لم ألق أحدا في مثل علم أبي يزن وأبي عبد الملك.

 

آخر فترة سنتين كان مرهقا لأقصى ما يمكن أن يتحمله الإنسان، يحمل هم الأمة الإسلامية كلها، وتجد شغله الشاغل إصلاح البين وتوحيد الكلمة. ومع ذلك تجده مبتسما متفائلا معنوياته عالية تصل إلى السماء.

 

وفوق هذا تجد له فوائد تدل على تأمل عميق في القرآن والسنة. ومع ذلك لا يجد وقتا ليشرح أفكاره، إلا عبر تغريدات قصيرة الألفاظ عميقة المعاني.

 

 وأنقل شهادة أبي مارية القحطاني: " لم أجد طالب علم في كوادر الأنصار والمهاجرين في بلاد الشام أعلم من الشيخ أبي يزن فيمن قابلتهم، وهذه شهادة".

 

هذه قصة صاحبي، الذي سرنا معا، وتعاهدنا أن نبقى في هذا الطريق، ثم ناداه الله واصطفاه، وبقيت وحيدا... غير أني باق على هذا الطريق بإذن الله، وسأكمل ما بدأناه سويا بعون الله تعالى.

 

لم أقابل أحدا من قادات الثورة بمثل معنويات وصبر أبي يزن. تجده محاصرا وتحت القصف وفي أسوء الظروف، ومع ذلك تجده واثقا بنصر الله ومعنوياته للسماء. وكان كثيرا ما يردد مقولة ابن تيمية: بالصبر واليقين، تنال الإمامة في الدين

 

وأخبرني صاحبه الشيخ عدي: كان أبو يزن الشامي يُنشد كثيرًا :

 

لعمركَ ما الرزية فقدُ مالٍ .. ولا شاةٌ تموت ولا بعيرُ

ولكنّ الرزيةَ فقدُ حُرٍّ .. يَموتُ بمَوته خلقٌ كثيرُ

 

لكن اطمئن يا شيخنا، نحن سائرون على هذا الدرب حتى النهاية بإذن الله.

 

أولم نمضِ على الدرب معًا *** كي يعود الخـير للأرض اليباب

فمضينا في طريق شائك *** نتخلى فيه عن كل الرغـاب

قد تعاهدنا على السير معـًا *** ثم عاجلت مُجيبًا للذهـاب

حيـن ناداك ربٌّ منعمٌ *** لحيـاة في جنـان ورحـاب

قد تركت القلب يدمي مثقلاً *** تائهًا في الليل في عمق الضباب

غير أني سوف أمضي مثلما *** كنت تلقاني في وجه الصعاب

سوف تحذوني دماء عابقات *** قد أنارت كل فجٍ للذهـاب.