لمحات وذكريات مع فضيلة العلامة الشيخ أبو الخير زين العابدين رحمه الله تعالى

 

كنت أرسلت رسالة للعم الفاضل الحاج أدهم بن خالد مكي رحمهما الله تعالى ، أرجوه أن يكتب لي بعض ذكرياته عن فضيلة الشيخ أبي الخير زين العابدين الذي خدمه في حضره ، وصحبه في سفره ، فاستجاب لي وكتب لي هذه الرسالة أنشرها كما وصلتني لعلّ فيها بعض الوفاء لفضيلة العلامة المجاهد الشيخ أبي الخير زين العابدين، وفيها أيضاً دعوة لتلاميذه ومحبيه للكتابة عنه والتعريف به .

 

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أولاً أرجو الدعاء .

أخي الكريم: لقد طلبت مني أن أحدثك عن سيدي الشيخ محمد أبي الخير زين العابدين رحمه الله تعالى .

أخي الكريم: لقد رافقته سنوات عدة، وكنت حاملاً لحذائه

إن معلوماتي عن أخبار سيدي ينقصها التاريخ ، وإني أذكر مرافقتي له، وكان يطلبني هاتفياً لبيته، وكان يقوم بزيارته لإخوانه من العلماء وغيرهم.

1 ـ طلبني مرة لزيارة المرحوم الأستاذ عمر بهاء الأميري في منزله، وكنت مستمعاً فإذا فاتني شيء أسأله بعد أن نغادر .

أذكر أنه أراه سيفاً مُذْهباً قُدِّم إليه في باكستان عندما كان وزيراً مفوضاً أو أثناء إحدى زياراته لباكستان.

2 ـ ذهبت معه لزيارة فضيلة الشيخ محمد النبهان زيارة خاصة، أذكر مرة في إحدى الزيارات، كانت لإرسال وفد إلى دمشق، وكان سيدي الشيخ غير موافق فقال السيد المنتصر الكتاني: إن لم يذهب أبو الخير لا يذهب ، ورجاه الشيخ ناجي أبو صالح قائلاً له : أخي زكاة علمك أن تسافر مع الوفد، وأظن أنه ذهب، وكان رحمه الله تعالى لهذه الملمات.

3 ـ عندما كان مدرساً في المدرسة الشرعية بحلب (الخسروية) حدثنا أنه حضر إلى الصف ليلقي درسه فوجد مكتوباً في دفتر الدوام: أن الأستاذ أبى الخير لم يحضر أو تخلف عن الحضور، وكان قد قدَّم درسه في وقت قبل موعده ، وكان الكاتب مدير أوقاف حلب أثناء جولة له وهو مدير الأوقاف حسني خولندي.

كتب بجانبها سيدي أبو الخير: كذب القائل أو الكاتب فيما كتب.

4 ـ لقد أصابته سيارة في شارع  الخندق أمام محل المرحوم الحاج توفيق داخل، وكان هذا الحادث مخططاً له.

5 ـ أُخذ من بيته وأوقف لدى المخابرات، وأطلق سراحه في اليوم الثاني. لا أذكر إن بات عندهم أو لا، وفي اليوم الثاني أو بعد عدة أيام كنت عنده وإذ برجال المخابرات على الدرج فحضر لعنده محافظ حلب المدعو محمد السعداوي وبرفقته مدير الأوقاف السيد سليمان النسر، ومعهم الشيخ محمد الشامي، (كانت زيارة اعتذار).

6 ـ هتف لي الأستاذ سليمان النسر مدير أوقاف حلب، يطلبني لزيارته، وهو من خيرة من شغل هذا المنصب، جزاه الله كل خير.

ذهبت إليه في مديرية الأوقاف ، قال لي: أخي أدهم لي عندك طلبٌ، أرجو تومِّن لي بطاقة تذكرة هوية الشيخ أبو الخير ولم يخبرني لماذا، قلت له: ادع لي بالتوفيق، أرجو من الله أن يوفقني.

 ذهبت لعند سيدي بعد أن طلبت منه الزيارة، استقبلني ـ وقد كان يتناول طعام العشاء خبز ودويركة ـ (لبن منشف).

ابتدرني بالقول: هات ما عندك ، إنني أشعر أن عندك كلام.

 أخبرته بما جرى وماذا طلب مني مدير الأوقاف؟

قال لي: لقد أرسلت الجواب إلى دمشق إلى السيد أبي اليسر عابدين، الذي طلب مني نفس الطلب .

هل تعلم أنهم يريدون شرائي (بدرس محافظة وهذا الكرسي أو هذا الدرس لا يناله إلا القليل).

إنهم يريدون أن يشتروني بهذه الوظيفة، ولم تجف الدماء على جدران وسجاد المسجد الأموي الكبير بدمشق (طبعاً رفض اعطاء الهوية).

7 ـ كان سيدي أبو الخير يأخذنا إلى نزهة أو رحلات صيفية إلى أريحا أو إلى اللاذقية، وكان يرعانا كأولاده، وفينا كبير السن كالمرحوم والدي الحاج خالد، وكان يرافقه الشيخ نجيب سالم أكبر علماء أريحا.

 كان المرحوم الشيخ نجيب في حضرة سيدي أبي الخير يغلق محله ويرافقه.

مرة قدَّم إلى سيدي فندق في الجبل لعدة أيام، وكان يقوم ليلاً يتفقدنا (مرة طبخ محشي كوسا وغيره كثير)

كان رحمه الله تعالى يشاركنا في حمل الأمتعة. أخذنا مرة إلى اللاذقية إلى غابات الفُرلُّق، وقدم لنا غداء (سمك مشوي) أحضره من مدينة اللاذقية، وانتقاه بنفسه (هو ابن انطاكية منطقة ساحلية).

8 ـ ذكر لنا سيدي أبو الخير عندما كانت تُصحَّح أوراق امتحانات الشهادة الثانوية ( البكالوريا سابقاً في دمشق) يكون مع من كان يُختار لهذه المهمة ، وإذا اختلف الأساتذة على إعراب كلمة ما يرجعون إلى الأستاذ عمر يحيى مدرس مادة العربي من قديم، وكان يقول للسائلين: ماذا قال أبو الخير؟ فإن ما قاله هو الصحيح.

9 ـ قال لي مرة: إنه عندما يقرأ ويطالع يخشى أن تسرق عينه من الصفحة المجاوره من الكتاب فيحجبها عن نظره.

10 ـ عندما ترك جامع السبيل، كان يصلي الجمعة عند المرحوم الشهيد موفق سيرجية.

في الحرمين الشريفين:

أرجو الاعتذار ثانية لأنني أغفلت التواريخ وأقدم ما ذكرته في مذكرتي الصغيرة التي كانت معي.

نبذة عن وفاة والدي الحاج خالد مكي لتأخذ فكرة عن التواريخ:

 وصل والدي إلى المدينة المنورة يوم السبت مساء 25/2/1967 هذا ماجاء في كتاب أو رسالة الوالد بخط يده رحمه الله تعالى.

 أرسل المرحوم الحاج توفيق داخل برقيةً إلى سيدي أبي الخير، أخبره بوفاة الوالد ليلة الجمعة 23 ذي القعدة 1386 الموافق 3/3/1967 ودفن في  البقيع، وقد بلَّغنا سيدي أبو الخير ذلك، وكان شديد الحزن ولم يفارقنا مدة طويلة.

عندما اتجهنا إلى الحج ، وصعدنا إلى السيارة، ولم نغادر حلب حتى أعطاني مبلغاً من المال مبلغاً كبيراً (طبقة من الأوراق النقدية ذات الخمسمائة ليرة) وأقسم سوف يترك السيارة ولا يرافقني.

 أخذت المال منه مرغماً، ووصلنا إلى دمشق وقد أخذوا منه جواز سفره أثناء التأشيرة.

صعدت الطائرة وحدي وبقيت في بيت المطوف أنتظر ، وصل إلى مكة المكرمة لم أذكر كم تأخر عني.

اليوم الأول: ذهب إلى الحرم المكي مساءً يتشرف بالطواف بالكعبة المشرفة، دخلنا من باب السلام، ووقف سيدي أبو الخير يدعو الله ويبكي بكاء ونحيباً ويدعو دعاءً لم أسمعه منه قبل، ولم ينس الشيخ أحداً من دعائه له، والحمد لله وقد تحلق حوله خلق كثير يدعو ويؤمنون على دعائه.

وكان حج سيدي في السنة التي تليها سنة 1387

اليوم الثاني: (كنا نصلي الفجر ونجلس أمام باب الكعبة تحت السدة، سدة المؤذن قريباً من جياد ) وأنا بجانبه لا أفارقه. أَسرَّ في أذني: ادع الله، إنها ساعة مستجابة، وكرر هذا القول مرتين أو ثلاثة. بعد قليل وقف رجل أمام سيدي مربوع القامة مليء الجسم بياض شعره أكثر من سواده، وكان محرماً، كما كان سيدي محرماً، فأخذ برأس سيدي أبي الخير بكلتا يديه وضمه إلى شفتيه وهو يبكي، وقال ادع لي فدعا له وما وفقه الله إليه، وتعانقا ولف كل منهما الآخر ، وأخذ يقول هذا القادم: ما الذي جاء بي من المغرب لأتبرك بك؟ وقد داوما على هذه الحالة نصف ساعة تقريباً، وانصرف وجلس سيدي ولونه لا يوصف: نور باهر وضياء ظاهر .

لما هدأ واستقر وضعه ولون بشرته سألته: من هذا يا سيدي؟ أجابني: صحَّ النسب والحمد لله ، إنه ولي من  أولياء الله من المغرب، وله نسب صحيح وزاد قائلاً: إن أولياء المغرب يمتازون بقوة حاسة شم الأولياء وسكت.

وعندما غادرنا مكاننا إذ برجل آخر مغربي، أتى وتبرك بسيدي الشيخ، انه من أولياء المغاربة، وجلس يتلمس أقدام سيدي الشيخ.

اليوم الثالث: جلسنا أمام الكعبة تحت السدة قدم الشيخ محمد علي مراد وسلم على الشيخ، وكذلك حضر الشيخ عمر ملاحفجي، وطلب الدعاء وبكى كثيراً.

بعد قليل مرَّ بنا شاب وسيم أسمر اللون وارتمى في أحضان الشيخ وأخذ يبكي بحراره، وقال: أطلب التوبة على يدك ادع لي وبقي ملتفاً به باكياً وكذلك بكى الشيخ وبعد انصرافه أسر الشيخ في أذني أنه شاب من الهند.

اليوم الرابع: ذهب الشيخ لزيارة الأستاذ الكبير الشيخ محمد العربي التباني، وقدم إلى الشيخ بعض مؤلفاته، وقد أكرمني ببعض من مؤلفاته من الكتب، وهي : (تحذير العبقري من محاضرات الخضري ، أو إفادة الأخيار ببراءة الأبرار) و(تنبيه الباحث السري إلى ما في رسائل وتعليق الكوثري) ، و(نزهة الفتيان) ، و(ثلاث رسائل).

وفي المساء ذهبت مع سيدي لزيارة السيد علوي المالكي .

الأحد كان يوم عرفة، صعدنا إلى عرفات، كانت من أجمل الأيام المباركة

إنها ليلة أعجز عن وصفها، كان سيدي قائماً داعياً باكياً يصلي ويدعو، أحيا ليلته على هذه الحالة ولم أستطع أن أجاريه القيام.

أخي الشيخ مجد: أظن أني أطلت عليك، اعذرني فإنني أنقل من مذكرتي الصغيرة لكني لا أعرف الاختصار.

نزلنا من عرفات إلى مزدلفة، صلينا المغرب والعشاء، وتوجهنا بعد صلاة الفجر إلى منى، ورجمنا بعد العصر، وكنا مرتاحين

الاثنين: أول أيام العيد نزلنا إلى مكة.

 يوم الثلاثاء: ذبحنا وتحللنا وعدنا مساء إلى منى

اليوم الثالث الأربعاء: رجمنا بعد العصر ونزلنا إلى مكة.

ذهب الشيخ إلى الحرم، واجتمع مع دكتور مصري، أحد دكاترة عين شمس هو دكتور في الهندسة، أعطى عنوانه إلى سيدي وأخذ عنوان الشيخ ورجاه المراسلة وطلب المقابلة في العام القادم.

خامس أيام العيد: ذهبنا لزيارة فضيلة الشيخ محمد نور سيف، وفي المساء زرنا السيد محمد أمين الكتبي، ورافقنا الشيخ ناجي أبو صالح .

الخميس: زار سيدي الشيخ محمد العربي التباني للمرة الثانية، ودعانا إلى طعام الغداء، وقد أجاز سيدي الشيخ إجازة في الفقه والحديث مسندة إلى الإمام مالك والإمام البخاري، وبعد الغداء طلبنا الدعاء .

مساء الخميس: في الحرم زار سيدي المحدث الهندي الكبير الشيخ يوسف البنوري.

 بعد العشاء أدينا عمره من الجعرانة، وفي الطواف قابل الشيخ أبو العينين هو مغربي وأجاز الشيخ .

الجمعة: ذهبنا لزيارة العلامة يوسف البنوري، وقدم إلى سيدي الشيخ الجزء الثاني والثالث من مؤلفه معارف السنن شرح للترمذي، وذهبنا لزيارة الشيخ حسن مشاط

صباح الأحد: زار السيد حسن اليماني، وهو من أهل القلوب وابنه ـأحمد زكي وزير البترول، ووالده فقيه كبير ولكن المرض أقعده

في المدينة المنورة :

 زرنا فضيلة الشيخ إبراهيم الختني (قيِّم مكتبة الحرم المدني).

مساء السبت: زار عبد الغفور العباسي شيخ طريقة النقشبندية .

زرنا يوم الأحد العارف بالله محمد عبد العزيز الشنقيطي، وكانت جلسة ممتعة من أحلى الجلسات، وحضر إلينا في اليوم الثاني إلى الفندق وتناول معنا الأفطار، وقد أجاز الشيخ بعدة علوم.

الثلاثاء: زرنا الأستاذ الكبير الشيخ محمد أمين الشنقيطي عالم بالتفسير، وهو أكبر علماء الجامعة الإسلامية.

 ذهبنا مع الشيخ إبراهيم الختني لبيته بعد أن عرَّفنا على معالم الحرم المدني، وكان مندهشاً ومذهولاً  من علوم سيدي أبي الخير . وسأله الشيخ إبراهيم: من شيخك؟ وعمَّن أخذت هذه العلوم؟

 أجابه سيدي: من والدي وعدَّد له ما قرأ على والده منذ الصغر

قال الشيخ إبراهيم: كفى والله هو شيخك.

الأربعاء: زار  الشيخ الجامعة الإسلامية يرافقه الشيخ محمود الطحان، وكان المنتصر الكتاني بصحبته، وقد عرَّفوا الشيخ بأنه العارف بالله والعالم الكبير.

ذهبنا لزيارة الأستاذ إبراهيم العياشي وهو عالم من الأشراف، يعمل ليل نهار لإظهار تاريخ المدينة المنورة على أكمل وجه.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. 

نشرت 2014 وأعيد نشرها 29/6/2021