الشيخ عدنان الأبرش - المعلم الداعية
عدنان الأبرش

1359ـ1425هـ

1937ـ2004م

 

اسمه ولقبه ونسبه:

عدنان بن نجم الدين أحمد بن علي .. بن محمد الكيالي، الملقب بالأبرش، نسبة إلى اللون الأشقر للجدِّ الأعلى لهذه العائلة، والذي ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولادته ونشأته:

ولد في مدينة حمص عام 1937م الموافق 1359هجرية، ونشأ في كنف والده الذي كان تلميذاً لعلماء حمص، وإماماً وخطيباً في مساجدها، وموظَّفاً في المعهد الشرعي العلمي في مسجد خالد بن الوليد ( رضي الله عنه )، وكان والده ينتقل بين القرى يعلم القراءة والكتابة والقرآن الكريم.

ظهرت على الشيخ علامات النجابة وحبُّ الدين منذ نعومة أظفاره حيث إنه كان يرافق والده وأخاه الكبير الشيخ عبد الكافي، حضور مجالس العلم وملازمة العلماء، وهكذا شبَّ وتربَّى في هذه البيئة الإسلامية التي اعتاد من خلالها على الالتزام بالمبادئ والأخلاق الإسلامية حتى كبر.

دراسته وتدريسه:

تخرَّج الشيخ في أهليَّة التعليم الابتدائي عام 1959م. وبدأ في التدريس خارج مدينة حمص ـ قز لاجوخ ـ الجزيرة، وقد لاقى من أهلها ما لاقى بالنسبة للدِين، حيث إنهم كانوا يقدسون الشيطان، والنار، والشمس، و... وعلى رُغم ذلك كانوا يحترمونه ويقدمونه، ثم درَّس في قرية الزَّرَّاعة القريبة من حمص.

زواجه وأولاده:

تزوج رحمه الله تعالى عام 1963م،في السادسة والعشرين من ابنة خاله ، وأنجب منها سبعة أولاد جميعهم ذكور، وكانت له في حياته خير معين على أمور الدنيا والدين، وكان كثيراً ما ينشغل عنها بقضاء معظم وقته في المسجد ومع طلابه ولا يعود للبيت إلا في ساعة متأخرة من الليل، وهي تحمدُ الله على ذلك .

شيوخه:

تتلمذ على علماء حمص الأفاضل، ونذكر منهم:

الشيخ عبد العزيز عيون السود، والشيخ أبو السعود عبد السلام بسمار، والشيخ محمد جندل الرفاعي، والشيخ محمود جنيد الكعكي، والشيخ أحمد الكعكي، رحمهم الله تعالى جميعأً.

والشيخ وصفي المسدي، والشيخ عبد الغفار الدروبي، والشيخ محمد علي مشعل حفظهم الله ونفع بهم.

شيوخه في المعهد العلمي الشرعي:

تلقى العلم في المعهد العلمي الشرعي في حمص 1387هـ ـ 1969م، على أيدي علماء أجلاء منهم الشيخ : عبد الفتاح المسدي ، والشيخ محمد طيب الأتاسي.

خروجه إلى القرى للدعوة إلى الله:

وكان يخرج مع رفيق دربه الشيخ عبد الباقي رمضون، والشيخ مصطفى تدبير إلى القرى حول حمص لنشر الدين الإسلامي على أهلها.

استلم الإمامة في جامع النور مدةً من الزمن، وكان رحمه الله تعالى حريصاً على إعطاء الدروس في المسجد،وكان يصحب الطلاب من المدرسة إلى المسجد بعد الانصراف يعلمهم ويربيهم،وأسَّس في هذا المسجد دعامة قوية وجمع طلاباً نجباء وحفظه قرآن أكارم، وكان لا يترك المسجد إلاَّ متأخراً، ومن طلاب المسجد الذين تخرجوا على يديه:الشيخ عبد النافع الرفاعي، والشيخ عبد المهيمن الطحان، وأخوه زهير، وغيرهم كثير.

وقد تابعوا العمل في المسجد بعد اضطراره للخروج من سورية لأسباب معروفة.

هجرته إلى المملكة العربية السعودية:

تمَّت ملاحقته في أيام الاستفتاء على الدستور السوري،وبقي متخفياً عن الأنظار مدَّة عام كامل، اضطر بعدها لمغادرة وطنه فتوجّه إلى السعودية ودخلها في 26/9/1394 هـ عام 1974م، إلى مطار تبوك، ثم قرية (حقل) الساحلية، وبعد عام تمَّ نقله إلى قرية ( حالة عمار) الحدودية مع الأردن فربَّى فيها أجيالاً وأجيالاً.

إقامته في (حالة عمار):

أمضى حياته في(حالة عمار) بأطيب حال، وأرغد عيش بين أهلها، وكأنه واحد منهم، لم يشعر يوماً بغربة فأحبهم وأحبوه، وكانت كلمته عندهم مسموعة، والحمد لله.

قضى في هذه البلدة الصغيرة مدَّة إحدى وثلاثين سنة كانت حافلة بالعطاء والمحبة، وكان إماماً لمسجدها وخطيباً ومدرساً في مدارسها، وواعظاً ومربياً ومرشداً، وكان عندما يأتي مشايخ مدينة حمص للحج أو للعمرة يذهب ويستقبلهم من الجمارك من داخل الحدود، ويكرمهم حتى إن الشيخ وصفي المسدي حفظه الله كان يقول عن بيت الشيخ: السفارة الحمصية في حالة عمار.

نشاطه الدعوي والعلمي:

نشاطه الدعوي متنوِّع ومتعدد الألوان، من خلال الدروس التي كان يبثها ليل نهار في الفقه والحديث والتفسير والتجويد واللغة العربية وغيرها.

أسلوبه في التعليم:

له أسلوب مميز في التعليم، ولذلك أحبه مدير المدرسة ومدرسوها، وله مقدرة على تقريب المعلومة لطلابه وتيسيرها وتسهيلها حتى يفهما الجميع، ويربط الدرس بالآخر، ويجعل الطلاب في مشاركة دؤوبة معه، ويحرك أذهانهم .

دروسه اليوميه:

كانت له ثلاثة دروس يومياً:في القرآن الكريم وتجويده بعد الفجر، و بعد العصر درس في تحفيظ القرآن للطلاب، وبعد المغرب درس للكبار متنوِّع خلال الأسبوع، وله درس عام في كل يوم أربعاء من كل أسبوع يقيمه في بيته لمن أحب الحضور، بالإضافة إلى المواعظ والخطب في المواسم والمناسبات الدينية، وبالأخص منها شهر رمضان المبارك، كما كان يتابع أوضاع المنطقة ويعالج المشكلات فيها.

عنايته بأولاده:

كان يتابع أولاده متابعة دقيقة، وخاصَّةً في العبادة ويسألهم: هل صليتم في جماعة؟ هل حفظتم الجزء المقرَّر عليكم؟ هل قرأتم الأوراد؟ وله في ذلك مواقف كثيرة معهم. لشدَّة شعوره بمسئوليته أمام الله تجاههم، فكان قدوة لهم في أقواله وأفعاله وأحواله.

كان يستيقظ قبل الفجر ليصلي من الليل ما أعانه الله، فإذا حان وقت الفجر أيقظ أهله جميعاً ليصحبوه إلى المسجد لأداء الفريضة يتابعهم ويشجِّعهم على اللحاق به، ويحثُّهم على أداء الفجر جماعة، و يذكر لهم ما لها من ثواب عظيم، ويتأكد بنفسه من أن الجميع أدى الصلاة، ويشجعهم على أداء النوافل بعدها.

وكان يحذر أهله ومن حوله من سوء الأخلاق، ويحثهم على حسن المعاملة مع الآخرين.

إشرافه على العمل الدعوي في المسجد:

كان يشرف بنفسه على نشاط المسجد، ويتابع كل ما يطرأ من تقدم وتقهقر، ويشجِّع على الصواب، ويكافئ عليه، ويتولَّ معالجة الأخطاء بالنصح والتوجيه، والترغيب والترهيب، وهذا عمل واسع يستغرق منه الوقت والجهد.

كانت سعادته وراحته في نشاطه في المسجد، وتراه في غاية السرور والسعادة ما دام ذلك في خدمة المسجد.

صفاته وأخلاقه:

كان يصوم الاثنين والخميس وأيام البيض والمحرم ويحرص على النوافل والأذكار والأوراد المأثورة.

كان طيِّب القلب، دمث الأخلاق، حاضر البديهة ذو فكاهة محببه إلى النفوس، يحبه الكبير والصغير ، كان كريماً جواداً، وكان بيته مفتوحاً للجميع،و كانت يده معطاءة بالخير،يحبُّ الخير للجميع.

كان الصغار يحبونه كثيراً لأنه يهديهم من الهدايا ويعطيهم ما معه من الحلوى، ويتعهدهم بنصائحه وتوجيهاته، عندما يجتمع مع أحفاده الذين حضرهم كان يعلمهم النافع من الدين، ويعلمهم الوضوء والصلاة والقول الحسن.

أحيل الشيخ للتقاعد عند بلوغه السن القانوني للتدريس 63سنة، وبقي إماماً وخطيباً وواعظاً لمسجد حالة عمار حتى وفاته رحمه الله تعالى.

كان يساعد الناس بشكل كبير في حالة عمار لمكانته عند أهلها ، وهو مهاب الجانب، وكان جميع مسؤوليها يحبونه، ولا يردون له طلباً.

وكان يردِّد دائماً:( المعاملة مع رب العالمين)، وكان حافظاً للنعمة بشكل ملاحظ فلقد ربَّى عنده في البيت بعض الطيور والحيوانات المنزلية حتى إذا زاد شيء من قوت البيت جعلها طعاماً للطيور حفظاً للنعمة، وكان يجمع الأوراق التي بها لفظ الجلالة ويحرقها في برميل أُعدَّ لذلك مسبقاً.

عندما يأتي إلى مدينة جده للحج أو للعمرة كان لا ينسى أن يزور مشايخه وأصحابه فيها. كما كان يطمئن على أحبابه ومعارفه وجيرانه، ويتصل بالهاتف على من هو بعيد منه.

يدخل السرور والبهجة في قلوب من حوله وخاصةً أهله الذين ساندوه في غربته ومحنته، وكان لطيفاً معهم.

كان آخر حياته لا ينقطع عن قراءة القرآن حتى أنه وضع في كل مكان يجلس فيه في بيته مصحفاً، وكان يختم خلال أيام معدودة قليلة. ويستغل وقته بما هو مفيد ونافع حتى مكوثه وجلوسه مع خلانه وأحبابه كثيراً ما يطرح عليهم الأسئلة الدينية النافعة، ويصوغها بشكلٍ حسن إما بشكل مباشر أو يطرحها بطريقة فكاهية على من وجد في المجلس.

كان يسافر أسبوعياً تقريباً من حالة عمار إلى تبوك(100كيلو) لملاقاة من أحبهم من إخوانه، ونخص بالذكر رفيق دربه وعمره الشيخ: عبد الباقي رمضون، والشيخ مصطفى العبسي، والإخوة آل النشيواتي، وغيرهم كثير.

مرضه ووفاته:

أصابه مرض السكري منذ 15 عاماً، وقبل موته بسنتين أصبح يشكو من آلام في وركه،وأسفل ظهره مما سبَّب له آلاماً كثيرة، فقدم إلى مدينة جدة و مكث فيها فترة يتعالج بالعلاج الطبيعي وغيره.

وفي آخر شهرين من حياته ساءت حالته الصحية، وأجريت له عمليتان جراحيتان في أسفل ظهره دونما فائدة، وأصيبت أجهزة الجسم منه بالفشل.

وفي يوم الاثنين 11رمضان 1425هـ الموافق 25/ت1/2004م الواحدة صباحاً فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها.

مبشراته ورؤاه الصالحة:

كان يرى في آخر شهر من حياته مقعده من الجنة إن شاء الله، فمثلاً كان يرى الطيور البيضاء في الغرفة، وكان يرى أناساً يلبسون ثياباً بيضاً، يرحِّب بهم ويطلب منهم أن يتفضلوا بالجلوس قربه، وكان يطلب ممن يقوم على خدمته بأن يستر عورته عندما تتكشف قبل أن يُرحِّب بالضيوف الذين لا يراهم سواه، وكان يفقد الوعي وعندما يفيق أو يأتي أحد من أهل قرية حالة عمار يسأله عن المسجد، ومَنْ يؤم المصلين؟ ومن يقوم على حلقات تحفيظ القرآن الكريم؟.

وكان يزوره في المستشفى الكبير والصغير، والقاصي والداني، وجميعهم يدعون له بالشفاء والمعافاة.

وكان يأتي إليه أولاده السبعة من جدة، إذ يتناوب في كل أسبوع واحد منهم للمكوث معه في المستشفى للقيام على خدمته وراحته.

رثاه جمع كبير من طلابه ومحبيه، في الجرائد والصحف والأنتر نت.

دفن في مدينة تبوك التي أحبها وأحبته مع أهلها رحمه الله تعالى رحمةً واسعة، وأدخله فسيح جناته، وجعله مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقاً.

* * *