مرعي حسن صالح

في يوم رحيلك يا أخانا العزيز مرعي حسن صالح نبكي فيك المروءة والخلق الكريم والغيرة الشديدة على هذا الدين...

يقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إني لأرى الرجل فيعجبني فأسال: أله حرفة؟ فإن قيل: لا! سقط من عيني).

وإذا اقتبسنا من النور الذي اقتبس منه سيدنا الفاروق نقول كذلك بما تقتضيه حالنا وتتطلبه احوالنا : إني لأرى الرجل فيعجبني مظهره، أو تبهرني ثروته، أو تروق لي شهادته، أو تعظم في عيني مكانته، أو يسحرني منطقه، أو يدهشني علمه وثقافته، فأسأل: أيغار على الإسلام؟

أيألم لألم المسلمين ويفرح لفرحهم؟

أيبذل وسعه في نصرة دين الله واحقاق الحق؟

أيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟

فإن قيل: لا سقط من عيني.

وقد أرى الرجل لا حظَّ له من غنى، إذا حضر لم يكد يلتفت إليه، وإذا غاب لم يفتقد، غناه في قناعته، وعزته بربه، وشرفه بدينه، آخرته أكبر همه، ومبلغ علمه، تملأ جوانحه الغيرة على الإسلام، لا يدَّخر وسعاً في ارضاء ربه، قد أتعب جسمه فيما يريده دينه... إن مثل هذا الرجل أُجِلّه وأكبره واقدره حق قدره، إن مثله في مجتمعنا قليل قليل...!

ومن هنا كان حزننا الشديد لفقد العالم العامل فضيلة الأخ العزيز مرعي حسن صالح (أمطر الله قبره بشآبيب رحمته) الذي وافاه الأجل المحتوم يوم الأحد 4/شعبان/1406 الموافق 13/4/1986 أثر مرض عضال لم يمهله إلا قليلاً، وقد شيعته مدينة الموصل، فشيعت عالماً من علمائها الأفاضل، وأحد أبنائها البررة الذين نذروا أنفسهم لله ولدينه ولخدمة أبناء أمتهم، وأخلصوا النصح لله ولرسوله وللمؤمنين.

وإذا كان هناك ما يمكن أن يقال في هذا الصدد: فهو كون هذا الرجل العالم العامل هو من القلائل الذين أخلصوا لهذا الدين والدعوة إليه...كان واعظاً في القرى والأرياف، ولعله الوحيد ممن عرفنا من الوعاظ المتجولين من كان يطوف القرى والأرياف بين الموصل والشرقاط، على قدميه في أكثر الأحيان وفي السيارات على حسابه الخاص ـ على قلة مرتبه الشهري ـ يعظ الناس ويعلمهم الإسلام وأحكام الشريعة، والأمر الآخر هو أن موت العالم العامل أصبح في هذا الزمان كارثة؛ لأن مكانه يظل خالياً لا يملؤه أحد: إن ملأه غيره بجسمه، فلن يسد فراغ الإخلاص والغيرة، ويعطي ما كان يعطيه الفقيد رحمه الله تعالى... وقد خلت الساحة من هذا الصنف النادر، لانصراف الناس عن الدراسات الدينية في المساجد على أيدي العلماء، وفي المدارس الرسمية الإسلامية، وغالبية من يدرس فيها لا يرغب بعد التخرج  في العمل في مديرية الأوقاف ـ واعظاً وخطيباً وإماماً في المساجد، لذلك خلا الميدان من العلماء والوعاظ.!

فإذا بكيته، فإنما أبكي فيه المروءة والخلق الكريم.. أبكي فيه الغيرة الشديدة على هذا الدين، أبكي فيه اخلاصه، وأبكي فيه الصبر الجميل على لأواء الحياة ومشقاتها من غير أن يشغله الكدح من أجل لقمة العيش عن العمل للإسلام، أو ينسيه حق الله عليه.

أبكي فيه النفس الكبيرة التي استصغرت العمل الكبير في جنب الله! أبكي فيه التعفف والتجمل، حتى لقد كان يحسبه الجاهل بحاله غنياً من التعفف! ابكي اتعابه جسمه في سبيل الله، فقد عيِّن رحمه الله تعالى واعظاً في ناحية الزاب قبل ما يقرب من عشرين سنة، فهاله ما رأى من جهل الناس بدينهم، فكان يصل الليل بالنهار في الوعظ والإرشاد،، متنقلاً بين القرى وكثيراً ما كان يفرغ جيبه لضآلة راتبه الذي كان ثمانية دنانير، وحق أطفاله وأهله عليه، فيعجز عن دفع أجرة السيارة فما يفت ذلك في عضده، فينتقل على رجليه بين القرى، مستعذباً ذلك في سبيل الله حتى أنشب المرض مخالبه في قلبه الكبير، وأشرف على الموت لولا لطف الله، واضطر إلى الانتقال بوعظه إلى جوامع الموصل... وظل يغالب الأوجاع والأسقام صابراً محتسباً حامداً لله على كل حال!

 

------------------

المصدر: مجلة التربية الإسلامية بغدادـ العدد 11 من السنة 27: (1406هـ -1986م).