الشيخ علي الجدا

عندما تدخل إلى مسجد زيد بن ثابت فترى رجلاً عاديّاً لا يلفت الأنظار نحوَه

(كأنّه جُبِلَ من طينة نورانيّة شفَّت عن أن تُرى) ثمَّ لا تلبث أن ترى كوكبة من الشباب والرجال اجتمعوا إليه ليتحلّقوا حوله ثم لن يأخذ الوقت أكثر من دقائق حتى ترى أنظارَهم تعلَّقت به وعقولَهم لا يلتفتون عنه وهو يبسِّط لهم العلوم كأنّه الأمُّ الرؤوم تسقي ولدها الماء القراح وتلقمه أطايب الطعام ولذائذه بل ولا تتركه حتى تتيقَّن أنَّ الذي أعطته إيَّاه قد انسابَ في عروقه ودمه ثمَّ ترى ذلك الرجل ينفق ساعات من وقته مع الذين لم يسعفهم الحظُّ في التعلُّم فغدوا أمِّيين تماماً – ولك أن تتخيل صعوبة دورات محو الأمية التي كان يتهافت عليها أعداد من الرجال والشباب – لينجح فيها نجاحاً باهراً وهو صامد مثابر كلُّ ذلك بعد أن ينهي عمله في المحاسبة مفضِّلاً هذا الجهد على راحته وهو الخطاط الماهر وخرّيج كلّية الاقتصاد والتجارة من جامعة دمشق

فلن يكون هذا الرجل إلا الشيخ والمربِّي الفاضل والمحاسب الأمين الأستاذ علي الجدَّا الذي أفضى إلى بارئه بعد صبر على المرض .

 

رحمك الله أستاذنا الطيِّب … … … …

 

لقد كان رحمه الله من الرعيل القديم في جامع زيد بن ثابت الأنصاري

التزم حلقات العلم عند العلَّامة الراحل الشيخ عبد الكريم الرفاعي دون توقُّف

ثم صار مدرِّساً في معهد الفرقان للعلوم الشرعيَّة وكان يدرِّس في مسجد عبد الرحمن بن عوف ثم عاد للتدريس في جامع زيد مع عودة العمل إليه أوائل تسعينيَّات القرن المنصرم ليبقى مثابراً مدة تجاوزت السبعة عشر عاماً متواصلة دون انقطاع أو غياب وكان عضواً في لجنة تدريس قسم العمَّال وشارك في التدريس في جميع الدورات العلميَّة العماليَّة كان رحمه الله طيِّباً متواضعاً عفيفاً لطيفاً وفي حديقة بيته قبر السيدة عاتكة أمّ البنين التي تنسب إليها منطقة قبر عاتكة في دمشق رحمك الله أستاذنا الشيخ علي . . .

 

كم سنفتقد ظلَّك الذي كان يخيِّم على عدد كبير من طلَّاب جامع زيد

وسنفتقد إنجازك الجليل المصاحب لهدوئك وإنكارك ذاتك وتواضعك الجمّ

رحمك الله فقد خلَّفت أولاداً نشهد بأخلاقهم الطيِّبة أسأل الله أن ينفعهم بصلاحك وأن ينفعك بدعواتهم وأن ينفعك بدعاء طلَّابك الصالحين المخلصين وأن يجمعك بمشايخك وخاصة شيخنا عبد الكريم لئن فقدناك……. فقد فقدنا رجلاً علماً من أعلام مسجد زيد قال عنه أحد مشايخنا الأفاضل :

 

 ( رحم الله أستاذنا وأخانا الشيخ علي عملت معه أكثر من ثلاثين سنة أخذت منه دروساً راسخةً رأيت فيه الثبات على طلب العلم فقد قرأ على الشيخ عبد الكريم رحمه الله تعالى ثم بعده قرأ على شيخنا الشيخ محمد عوض رحمه الله وكان ﻻ يقطع درسه مع الشيخ نور الدين قره علي مع إخوانه مثل الشيخ سعيد كوكي والشيخ محمد أبي الخير حمصي وغيرهم وقرأ على سيِّدنا أبي الحسن محيي الدين الكردي الفقه الشافعيّ وقرأ الكتب الستَّة على الشيخ عبد الرزاق الحلبي وقرأ عليه أيضاً تفسير القرطبيّ كاملاً ومع هذا العلم الغزير والثبات الراسخ ﻻ تكاد تأبَه له أنَّه من علماء إخواننا وأمَّا في العطاء فقد رأينا منه الثبات وحسن التعليم والأداء وكان الطلاب يتسابقون ويتنافسون في حضور دروسه مع مقدرة عاليةٍ على تبسيط العلوم أما أخلاقه فترى فيها الهدوء وخفض الصوت والالتزام حتَّى مع من هم في مستوى طلابه أو أقرانه وهذا ما يلزمنا في أعمالنا من أجل أن تستقيم وتنجح رحم الله الشيخ العالم الخفيّ وعوّضنا خيراً ).أ.هـ .

 

سيِّدي أبا أيمن …. أسأل الله أن يُعليَ مقامَك ويرفعَ درجاتِك وأن يجمعك بأخيك الودود الذي كنت تحبُّه ويحبُّك وكنتما تلتقيان كلَّ يوم جمعة سيِّدي الوالد الشيخ محمَّد سعيد كوكي رحمكما الله وجمعكما أيضاً مع أخيكما الشيخ محمد أبي الخير الحمصي رحمه الله وجمعكم جميعاً مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم سيِّدي الحبيب إلى قلبي عليك رحمات الله عليك رضوان الله عليك مغفرة الله عليك شآبيب رحمة الله تنهال على قبرك الذي ضم جثمانك الطاهر ولثم جبينك الأغرّ وإنّا لله وإنّا إليه راجعون …