الشيخ محمد محمود الصواف

توفي في 12 ربيع االآخر 1413هـ، عن ثمانين عاما العالم الداعية الخطيب الشيخ محمد محمود الصواف.

ولد الشيخ ـ رحمه الله ـ في مدينة الموصل شمال العراق في أوائل شوال عام 1333هـ "حوالي عام 1915م"، ومنذ نشأته أظهر الشيخ حرصا على طلب العلم وحبه فتتلمذ على يد عدد من شيوخ السلف وعلى رأسهم الشيخ عبد الله النعمة الذي أجازه عام 1936م، وعندما أسس الشيخ النعمة "جمعية الشبان المسلمين" كان الشيخ الصواف أصغر أعضائها سناً.

وسافر الأستاذ الصواف إلى الأزهر الشريف بالقاهرة في بعثة علمية لدراسة علوم الشريعة، ثم عاد إلى بغداد عام 1946م بعد أن حصل على درجة الأزهر، وفي بغداد عمل أستاذا في كلية الشريعة، ثم أُبعد عن التدريس بعد أن لاحظ حاسدوه تأثيره على الطلبة الذين التفوا حول أستاذهم الذي كان يحمل فكرا دعويا يتميز عن غيره من الأساتذة، ونقل للعمل مفتشاً في وزارة المعارف.

 

وفي بغداد عاد الشيخ إلى عمله الدعوي بحماس أكبر، وكانت قضية فلسطين قد بدأت تظهر كقضية عالمية ساخنة وقضية العرب الأولى، وعندما صدر قرار تقسيم فلسطين في عام 1947م أنشأ الأستاذ الصواف برعاية علامة العراق الشيخ أمجد الزهاوي ـ رحمه الله ـ "جمعية إنقاذ فلسطين" وصار يجوب مدن العراق الواحدة بعد الأخرى يعدّ كتائب المجاهدين لقتال عصابات اليهود، ويجمع الأموال للجهاد، وكان ـ رحمه الله ـ ذا صوت جهوري وخطيبا مفوَّها، فلم يكن أحد يستمع إليه إلا وشده إليه، وقاد الشيخ المظاهرات في بغداد مرفوعاً على أكتاف مؤيديه يهتف لنصرة أرض الإسراء والمعراج، ولم يكن أهل العراق وقتها معتادين على رؤية شيخ بالجبة والعمامة الأزهرية يقود المظاهرات ويخطب خطباً سياسية ويعمل لقضية فلسطين.

وعندما قام الشيوعيون والقوميون بثورتهم وأطاحوا بالنظام الملكي أصبح الإسلاميون وعلى رأسهم الشيخ الصواف هدف النظام، فقد اقتحم الشيوعيون جمعية إنقاذ فلسطين التي أسسها الصواف وسرقوا ونهبوا معظم محتوياتها قبل أن يشعلوا النار في المبنى، ولم تقف أحقادهم عند ذلك، بل اقتحموا مسجد أبي حنيفة في بغداد، حيث كان الشيخ الصواف يلقي درساً دينياً وأطلقوا النار داخله، ثم اعتقلوا الشيخ بتهمة إطلاق النار، وقد ذاق الصواف ـ رحمه الله ـ من ألوان العذاب على أيدي الشيوعيين ما لا يتحمله بشر فكان يؤخذ بعد المغرب ولا يعود إلا مع الفجر وهو متورم القدمين وآثار التعذيب على جسده، وكانوا يقولون له: "سنفعل بك كما فعل عبدالناصر بالإخوان" ويوهمونه بأن الحكومة قد أصدرت أمراً بقتله.

وحكمت عليه محكمة عسكرية بالسجن، وظل في سجن "بعقوبة" قرب بغداد إلى أن استدعاه عبدالكريم قاسم، وأطلق سراحه بعد أن اطمأن على حكمه من الشيوعيين، ثم قرر الشيخ الصواف الخروج من العراق، فغادر إلى دمشق متخفياً، ثم توجه إلى المدينة المنورة واستقر به المقام في مكة المكرمة أستاذاً بكلية الشريعة فيها.

وفي زمن حكم الملك فيصل ـ رحمه الله ـ انتدبه مبعوثاً خاصا له يحمل رسائله إلى الحكومات العربية والإسلامية، وقد ألّف ـ رحمه الله ـ كتابه "رحلاتي إلى الديار الإسلامية" الذي جمع فيه مذكراته عن زياراته إلى الدول المسلمة في إفريقيا وآسيا ومقابلاته مع رؤساء وزعماء تلك الدول.وكانت تربطه بأستاذنا الشيخ علي الطنطاوي صداقة متينة ، وكتب عنه في ذكرياته وأثنى عليه الثناء الطيب ، وقدم له كتابه: " المسلمون وعلم الفلك" ، وفجع بوفاته وحزن عايه حزنا شديدا.

وكنت ألقاه كل يوم بين المغرب والعشاء في صحن الحرم المكي بعمامته بين الركنين وأجلس إليه وأساله وألقى منه كل حفاوة وترحيب، وأهداني مجموعة من كتبه ، وكان كثير السؤال عن أحوال سوريا في أحداث الثمانينيات، شديد التأثر على أحوال المسلمين .

مؤلفاته :

المسلمون وعلم الفلك، المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام والمسلمين، رحلاتي إلى الديار الإسلامية، القيامة رأي العين، تعليم الصلاة، الصيام، زوجات النبي الطاهرات، إضافة إلى بعض الكتب التي تناولت تفسير بعض سور القرآن الكريم.

وفاته:

في يوم الجمعة 12 ربيع الآخر 1413هـ الموافق 9 أكتوبر 1992م كان الشيخ محمد محمود الصواف على موعد للقاء ربه في مطار اسطنبول وهو يستعد للعودة إلى جُدة .ونقل جثمانه إلى مكة المكرمة ، ودفن بالمعلاة رحمه الله وأثابه رضاه.