محمد شاكر الحنبلي

 

محمد شاكر الحنبلي

( 1293 - 1378 هـ)  ( 1876 - 1958 م)

Mehmet Şakir. Hanbelizade

تمهيد:

لقد كانت الدولة العثمانية ذات أثر كبير في نشر العلم وتطويره، وخصوصاً في المدراس الراقية الاختصاصية التي انتشرت في إسطنبول، فقد درس في هذه المدارس كثير من رجالات الفكر والسياسة من مختلف الأقاليم التي كانت تقع تحت حكم الدولة العثمانية، وقد أصبح لهؤلاء الناس أدوار بارزة في بلادهم ومدنهم قبل زوال الدولة العثمانية وبعد انتهاءها. وكانت هذا الشخصيات المتخرجة صاحبة القرار السياسي والعلمي النهضوي بسبب رٌقي تلك المدارس والجامعات التي درسوا فيها، ومن أبرز هذه الشخصيات المتخرجة من احدى هذه الكليات، الحقوقي الكبير والعالم محمد شاكر بن راغب الحنبلي الدمشقي الذي كان أحد المؤثرين في السياسة والقانون في سوريا، وسأسلط الضوء في هذه المقالة على حياة هذا العالم والحقوقي الذي قد لا يعرفه كثير من شباب اليوم.

اسمه ونشأته:

فهو محمد شاكر بن محمد راغب بن مصطفى النابلسي أصلاً الدمشقي مولداً ونشأة، كان والده من رجالات دمشق المعروفين بالعلم وفن القضاء، وعندما توفي كان نائباً في قضاء السليمية.

ولد في دمشق سنة 1293 هـ - 1876م، ودرس في المدرسة الرشدية في دمشق قبل أن ينتقل إلى إسطنبول لإكمال دراسته فيها في المدرسة المُلكيّة، وهو بمثابة مدرسة عليا أو كلية حقوق متخصصة في تخريج الموظفين المدنيين والاداريين في كل دوائر الدولة، ودخل قسم الادعاء وتخرج منه شهر آب من عام 1898م، وكان من أشهر مدرسيه في هذه المدرسة الشيخ محمد ذهني أفندي رحمه الله.

مناصبه:

تنقل المترجم له في العديد من المناصب في إدارة الدولة سواء في عهد الدولة العثمانية أو بعدها حتى وافته المنية، ويمكن تقسيم تقلده للمناصب إلى قسمين قبل انتهاء الدولة العثمانية، وبعد انتهاء الدولة العثمانية.

- قبل انتهاء الدولة العثمانية:

فبعد تخرجه من المدرسة الملكية عُين موظفاً في المالية في ولاية سوريا (بحسب التقسم العثماني آنذاك)، ثم تنقل بين الوظائف الإدارية في ذلك العهد حتى أصبح عضو المجلس الإداري لولاية سوريا.

وما بين الأعوام 1902- 1912م، أصبح قائم مقام العديد من النواحي في دمشق، منها: حران والزبداني وعجلون والقنيطرة وبير آجك.

ثم عاد إلى إسطنبول في عام 1912م، وأنشأ مع عبد الحميد الزهراوي  جريدتي الحضارة والقلم فيها، وأصبح محرراً لجريدة "الغاشمة؟؟؟" el-Aşıme. ثم عُين بعدها مدرساً للغة العربية في ثانوية غلطة سراي "المكتب السلطاني".

ثم أصبح مديراً لقسم المؤسسة العلمية في وزارة الأوقاف الهمايونية في الشهر العاشر من عام 1914م. وفي السنة التي تليها عاد إلى الشام وعمل متصرفاً لمدينتي عكا ثم حماه، وعزل عام 1916م في شهر تشرين الأول.

عاد إلى دمشق وافتتح مكتباً للمحاماة فيها، ثم أصبح رئيساً للجنة الإحصاء في دمشق.

- بعد انتهاء الدولة العثمانية:

بعد اعلان استقلال سوريا عن الحكم العثماني، وإنشاء أول حكومة مؤقتة فيها بقيادة الأمر سيد الجزائري أصبح محمد شاكر الحنبلي وزيراً في تلك الحكومة عام 1918م، قبل دخول الأمير فيصل إلى دمشق، وبدأ التدريس في كلية الحقوق المؤسسة حديثاً في دمشق.

وعند دخول الملك فيصل دمشق أصبح مديراً للمراسلات العامة للحاكم العسكري، ثم رئيساً لهيئة التفتيش في وزارة الداخلية في أيلول عام 1919م، وفي نفس السنة المذكورة صار متصرفاً لمدينة دمشق، وأثناء ذلك كان يُدرس الحقوق الإدارية والأساسية وأحكام الأراضي والأوقاف في كلية الحقوق، وذلك في أيلول عام 1922م.

ثم انتحب عضواً للمجلس النيابي في عهد الانتداب الفرنسي، ثم انتخب نائباً للرئيس في نفس المجلس.

ثم أصبح وزيراً للمعارف في حكومة الداماد أحمد نامي عام 1926، وعند تشكل الوزارة برئاسة الشيخ تاج الدين الحسني عام 1930م أصبح وزيراً للمعارف لفترتين في الوزارة المذكورة، ثم أُحيل إلى التقاعد عام 1936م. وكانت هذه آخر مناصبه السياسية الرسمية.

ولكن بعد انقلاب حسني الزعيم، صدر مرسوم بتأليف لجنة لوضع الدستور وكان محمد شاكر الحنبلي عضواً من أعضائها مع أسعد الكوراني وصبري العسلي.

وفاته:

وبعد زمن الانقلابات التي عصفت بسوريا في ذلك الوقت اعتزل الحياة السياسية وتفرغ للكتابة والتأليف، ونشط في الدفاع عن حقوق سورية وفلسطين حتى توفاه الله عام 1378هـ - 1958م. ودفن في دمشق في مقبرة باب صغير.

أخلاقه:

ولم تذكر أكثر كتب التراجم شيئاً عن أخلاقه وصفاته، ولكنه كان حليماً رقيق المعشر، كما ذكره تلميذه خالد العظم، وذكر الشيخ علي الطنطاوي في كتابه تعريف عام بدين الإسلام أنه قرأ عليه ووصفه: "الأستاذ الحقوقي العالم شاكر الحنبلي".

مؤلفاته وآثاره العلمية:

كان للمترجم له العديد من الكتب المؤلفات العلمية الحقوقية في أغلبها، وبعض الترجمات من اللغة التركية العثمانية، أذكرها على التوالي بحسب التاريخ:

- قانون الجزاء الجديد عام 1909، ترجمة من التركية.

 - تلخيص التاريخ العثماني المصور عام 1913، ترجمة من التركية.

 - الحقوق الإدارية  وهو جزآن، عام 1928.

 - موجز أحكام الأراضي والأموال غير المنقولة عام 1928.

 - في أحكام الأوقاف بمشاركة الأستاذ محمود نحاس عام 1929.

 - الذيول الجديدة والمواد المعدلة من قانون الجزاء الجديد عام 1929، ترجمة من التركية.

 - أصول الإدارة الإسلامية عام 1936.

 - قرار أصول المحاكمات الشرعية - 1936 – ترجمة من التركية.

 - أصول الفقه الإسلامي وهو كتاب جامعي مختصر - 1948.

وما توفر من شعره قصيدة وحيدة، وهي معارضة نظمها على قصيدة للشاعر فارس الخوري في وصف مسبحة انفرط عقدها وتناثرت، وكان أن تعرض المترجم لنفس الموقف بعد ذلك بسنوات، فنظم على وزنها مذكرًا صديقه الخوري ومداعبًا له، والقصيدة فيها طابع طرافة وظرف، فهي من شعر الملح والطرائف، يغلب عليها طابع السرد، وتمتاز بدقة التفاصيل وبعض الصور الطريفة، وهي على الوزن الشعري الحديث، يقول في مطلعها:

شيخ الشباب

فـي مـجلس الأشـيـاخ أصغـيـنـا إلى شـيـخ الشبــابْ

أعـنـي «أبـا الـحسن» الـمـجـاهِدِ ذا الـحديث الـمستطـــاب

بجهـاده ونضاله وثبـاته قَهَر الصعــاب

مِن جهـره بـالـحقِّ قــد ذاق الـتشــــرُّد والعذاب فهـو الـوفـيُّ لصحـبه

وهـو الأبُّي عـن الكِذاب فكلامُه وبـيـانُه حـلـوٌ يسـيل له اللعاب

وحديثه مهـمـا تكرْر واستطـال حـلا وطاب.

الخاتمة:

فهذه النبذة القصيرة عن المترجم له محمد شاكر الحنبلي تعطينا صورة مهمة عن نموذج من رجالات العلم في أواخر العصر العثماني، هذا العصر الذي اشتهر بعلمائه الكثر الذين لم يتركوا باباً من أبواب العلم إلا وطرقوه، ونلاحظ من هذه السيرة أن المدارس العليا والتي كانت بمثابة كليات في إسطنبول كان لها أثر كبير في صناعة وتأسيس رجالات الدولة والمجتمع في مختلف البلاد التي كانت تابعة للدولة العثمانية العلية، فقد قامت تلك المدراس بالجمع بين طريقتي العلم القديمة والحديثة فأخرجت رجالاً متميزين كان لهم أثراً كبيراً في النهضة العلمية والسياسية والقانونية والإسلامية في القرن العشرين، حتى بعد انفصال تلك البلاد عن الدولة العثمانية وزوالها، وأستاذنا المترجم له رحمه الله كان صورة من صور أولئك الرجال الذين كان لهم الأثر الكبير في تاريخ سوريا الحديث مثلاً.

فكل من مر على تلك المدراس وعاش في تلك الفترة التي توصف بالتخلف زوراً، كان مثالاً حياً لأرقى رجالات العلم في العالم كله وليس في بلادنا فقط. فرحم الله المترجم له وغفر له وجعل ما قدمه من علم لهذه الأمة مستمراً في ميزان حسناته.