الشهيد علي بن عبد الهادي الأحمد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:

 

إن أبناءنا وشبابنا اليوم يمثلون الجيل الذي تجاوز عقدة الخوف، فإنهم قد شبوا عن طوق الجزع والذعر، وهم الذين يحوّلون الليل نهاراً بمقاومتهم للباطل ومقارعتهم للطغيان، وإن دماءهم هي كالماء التي تروي الأرض قبل زراعتها  لأنه إذا ارتوت الأرض قبل أن تزرع ودفنت البذرة فيها فإنها تؤتي أكلها الطيب، وإن أرض الشام اليوم تشرب من دماء شهدائنا لتروي غراس الأمل لتغدو أشجاراً عظيمة يتفيأ بظلالها البائسون من اختراق جدار الأمل، وليحيا عليها جيل مؤمن قرآني نبوي فريد تسعد بهم البشرية، ويعمرون الأرض، ويقيمون فيها العدل والحق بعون الله، وينمو الأمل الباسم في فجر بعد ليل بهيم.

 

ومن تلك الثلة الطيبة التي ارتدت رداء المجد، وصنعت من الفخار أعظم تاج الشهيد الحبيب أبو الليث علي بن عبد الهادي الأحمد -تقبله الله- الذي كان يتَّسم بالشجاعة والإقدام والجرأة والحماسة المتقدة، وحب المغامرة من أجل إعلاء كلمة الله.

 

الولادة والنشأة:

 

ولد علي في الأول من كانون الثاني سنة 1993 في قرية الحردانة في ضواحي تل الضمان جنوبي مدينة حلب  في أسرة كريمة الأصل والنسب، فأبوه عبد الهادي الأحمد، وأمه فطومة بنت الحاج علاوي الحميدي، شقيقة الأستاذ المربي المجاهد أبو حمزة عبد الناصر الحميدي حفظه الله، وينتهي نسب أبويه إلى سيدنا عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه.

 

عاش علي طفولته في قريته الصغيرة، وترعرع في كنف أسرته المتواضعة ودرس الابتدائية في قريته، وتابع دراسته الإعدادية والثانوية، وحصل على الشهادة الثانوية مع بداية الحراك الثوري السوري.

 

مواكبته لركب الثورة:

 

 واكب علي الثورة منذ بدايتها في أيامها الأولى، ولم تكن منطقته تنظم المظاهرات، فكان يأتي الى حلب ليشارك المتظاهرين في مظاهراتهم السلمية، وكان له نشاط ثوري في بستان القصر، وفي جامع بدر، وجامع عمار بن ياسر في السكري، وكانت له مساعي حثيثة لتحريك الشارع في بلدة الضمان، وكان هو أول من حرك التظاهر في تلك البلدة واشتبكوا مع  المجرمين الشبيحة عدة مرات.

 

 التحاقه بركب المجاهدين:

 

يذكر أن الشيخ عبد الرحمن زين العابدين رحمه الله، رأى ذات مرة فتية خرجوا في مظاهرة سلمية في حلب في خمسينيات القرن الماضي، وهتفوا: يسقط يسقط فأشار إليهم الشيخ ليتوقفوا عن الهتاف، وكان الشيخ صياداً ماهرا،ً فأشار ببندقيته إلى طير على إحدى الأشجار فقنصه فوقع على الأرض ،ثم قال لهم الشيخ: هكذا يسقط! وهكذا نظام الأسد لم يفهم لغة اللسان فاضطر الشباب لمحاورته بالسنان! وفتحت أبواب الجهاد في بلاد الشام فانضم علي إلى ركب المجاهدين، واستعذب الغبار في سبيل الله، والسير في ذروة سنام الإسلام، وامتشق سلاحه، وأخذ بعنان فرسه مع أبناء خاله المجاهد الأستاذ عبد الناصر الحميدي، وجاهد معهم في الله حقَّ جهاده فلم يترك ولم يذر جبهة من جبهات حلب إلا وقد وضع فيها قربة إلى  الله وضربة في صدر العدو، ومازال يتقلب مع إخوانه المجاهدين وخاصة مع ابن خاله الشهيد المجاهد أبو مجاهد -تقبله الله- من معركة الى أخرى في الشيخ نجار، وفي حلب القديمة والكندي، وبعد استشهاد ابن خاله شارك في تحرير مطار منغ العسكري وغيرها من الجبهات.

 

كرامة الاستشهاد:

 

حقاً كان أبو الليث فارساً لا يبارى وأسداً لا يهدأ، ولا يعرف الراحة يلقي بنفسه بين أحضان الموت لعله يرزق الشهادة، فكانت له يد طولى في معركة اللواء ثمانين، وأصيب في هذه المعركة، وبعد أربعة أيام يعود إلى المعركة مرة أخرى هذا الفارس المتعطش لبذل الدماء لتكون شلالاً دافقاً بالعطاء، وقال لأحد إخوانه المجاهدين: إن لم نتوجه إليهم هناك سيأتوننا الى عقر دارنا ويقاتلوننا ويقتلوننا فلنتوجه إليهم إلى الجبهة وما هي إلا موتة واحدة في سبيل الله فانغمس في  صفوف العدو، ودارت معركة طاحنة مع عناصر حزب الشيطان ومرتزقة بشار، ونال أبو الليث وسام الشهادة في ذلك اليوم الموافق 17-تشرين الثاني 2013م ، وغادر جسده وبقيت روحه وذكراه العطرة تبعث في قلوبنا الحياة وتذكرنا أن هناك قيماً ومبادئ  أغلى من الحياة ذاتها، فالحياة مجرد رحلة عابرة نحو الحياة الحقة هناك في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وكم من الأموات تحيا القلوب لذكرهم، وكم من الأحياء تقسو القلوب لرؤيتهم.

 

تلقي أسرته نبأ استشهاده:

 

 وأما أسرة الشهيد فقد تلقوا خبر استشهاد ابنهم الأصغر لسبعة إخوة وأختين بالفرح والاستبشار، وما كان من  الأم الرؤوم المؤمنة الصائمة العابدة المصلية المجاهدة إلا أن أخذت تطلق الزغاريد! وقالت: الحمد لله الذي شرَّفني وجعلني أماً لشهيد، ويقول الأخ المجاهد شقيقها أبو حمزة: ذهبت إليها لمواساتها وإذا بها مسرورة أشد السرور، وقالت وهي تضحك: أصبحنا سواسية، عندك شهيد وعندي شهيد! فلمَ لا تستبشر أم الشهيد وإن الشهيد الآن هو إن شاء الله ليس في جنة، بل هو في جنان ليصيب منها الفردوس الأعلى بإذن الله، ولا تزال هذه الأم تدفع بابنيها للجهاد في سبيل الله وبأبناء عمها من آل الحميدي لمحاربة الظالمين الذين هم إلى زوال قريب بإذن الله  فإنه لن يعمَّر مجرم في هذه البلاد القوية العصماء بإذن الله ، ولن يخلد فيها ظالم غاشم، ولن تكون نهاية الأسد فيها خيرا من نهاية سابقيه من الظالمين، وستبقى أسماء الشهداء رمزاً للجهاد والبذل والتضحية والبطولة.

 

(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا).

 

كتب خاله الداعية المربي  عبد الناصر الحميدي:

 الشهيد البطل ابو الليث علي عبد الهادي الجاسم ابن اختي الغالية الذي استشهد اثناء الهجوم لتطهير محيط اللواء 80 في ليلة البارحة وعلى بعد 5امتار من تمركز عناصر بشار وحزب الشيطان، تقبلك الله من رجل مقدام وحسبنا الله ونعم الوكيل؟
سلم ياغالي على ابن خالك ابي مجاهد