الشيخ إبراهيم خليل عيسى

بسم الله الرحمن الرحيم


أعدها: ضياء الدين البرهاني


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى وآله وصحبه أجمعين وبعد:
إن الله يحب التقي النقي الحفي الخفي، ورب خفي أظهر من الشمس، ورب تائب اجتباه ربه واصطفاه، ولعل من أولئك شيخنا العلامة الشيخ إبراهيم خليل عيسى رحمه الله.


الولادة والنشأة والتعليم
:
ولد الشيخ إبراهيم والذي يعرف بمنطقته باسم: خليل حمدو في قرية إيكي آخور  التابعة لقضاء عفرين في جبل الأكراد في الريف الحلبي سنة 1936م لأبوين فقيرين قدما من جبل سمعان في الريف الغربي الشمالي من مدينة حلب.
دفع به والده إلى كتاب القرية ليتعلم القراءة والكتابة والقرآن الكريم عند الشيخ مصطفى حنّان (خوجة عشكة)، وقد لوحظت ألمعيته، وظهرت عليه آثار الفطنة والذكاء أثناء وجوده في الكتّاب، فدفع به والده إلى المدرسة الوحيدة في عفرين سنة 1945م، وقد تكلّف والده نفقاتٍ كبيرة عليه أثناء دراسته الابتدائية في عفرين، فكان والده يعمل بائعاً متجولاً من أجل أن ينفق على دراسة ابنه أولاً وليعيل أسرته ثانياً.
حاز الشيخ إبراهيم على شهادة السرتفيكة، والتي تعدل الشهادة الابتدائية حالياً من مدرسة عفرين سنة 1949م، ولم يتابع الشيخ دراسته لأسباب صحية ولقلة ذات اليد والعوز، وقد عجز والده عن الإنفاق عليه فاضطر خليل للعودة إلى القرية ولرغبته في متابعة دراسته العلمية انتحل خليل صفة التدين وهو العلماني الماركسي!! فعمل إماماً في مسجد القرية طمعاً في الراتب المخصص للإمامة، فصلى بالمصلين عشر سنوات بدون وضوء! كما أقر بذلك هو, وهذا معروف عند القاصي والداني في منطقته.


الحصول على الشهادتين الإعدادية والثانوية:
حصل على شهادة البروفيه (الإعدادية) بدراسة حرة سنة 1956م، وعيّن بموجب هذه الشهادة في إحدى الوظائف في مدينة دمشق، وأثناء عمله الوظيفي قدم امتحاناً حراً للشهادة الثانوية العلمية وقد حصل عليها.
التوبة والالتحاق بكلية الشريعة:
كان الشيخ يكثر من الوحدة والعزلة والتفكر والتأمل، وقد هداه الله عز وجل لدين الحق والطريق المستقيم، وركل الماركسية بقدميه، فأقبل على الله عزو جل بقلب صادق، وأناب إليه, وتكفيراً عن ماضيه القديم التحق الشيخ بكلية الشريعة بجامعة دمشق، وتخرج منها سنة 1969م، وتتلمذ فيها على شيوخ كبار في تلك الآونة كأمثال الشيخ محمد المبارك, الشيخ عدنان زرزور, الشيخ فتحي الدريني, واستفاد من الشيخ كريّم راجح بشكل خاص في علم الفرائض والمواريث.


أعماله في التدريس:
بعد حصوله على الإجازة من الجامعة تم تعيينه مدرساً في ثانويات منبج وجرابلس والباب, وقد تأثر أثناء إقامته في الباب بالفكر الإخواني.
أعير الشيخ إلى السعودية في بدايات السبعينيات من القرن الماضي الميلادي والتقى هناك بالشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله، وحضر دروسهم، وصار عنده ميول للفكر السلفي غير أنه لم يكن يفتي إلا بالمذهبين الحنفي والشافعي, ودامت إقامته في السعودية حتى العام 1983م، ثم عاد إلى عفرين واستقر به المقام في مدينته عفرين، وتصدر للإفتاء فيها وأكثر إفتائه في الفقه الحنفي، ولم يكن يلتزم بآراء القدامى، وكان عنده فقه الواقع يهتم بالقضايا المعاصرة حتى اتهمه بعضهم بأنه يتفلت من الدين لمراعاته للمصالح، فكان يرد عليهم ويقول: أنا أريد تبسيط الأمور لرد الناس إلى دينهم ولكي لا ينفروا منه, وحاول أن يفتتح مركزاً لتحفيظ القرآن الكريم في بلدته على نفقته الخاصة، وقد منعته إدارة أوقاف حلب من ذلك، وأذنت له بافتتاحه في الريف لكنه لم يوافق على ذلك وحمّل الأوقاف مسؤولية هذا الأمر, وبقي يعمل في التدريس في الثانوية العامة وفي الثانوية الشرعية حتى بلغ سن التقاعد سنة 1992م، فبقي مدرساً في ساعات خصوصية في الثانوية الشرعية في عفرين إلى أن توفاه الله عز وجل.


أخلاقه وصفاته:
كان يتمتع بخلق حسن دمث، ويمتلك قلباً واسعا يسع الجميع، فكان مع الشاب شاباً ومع العجوز عجوزاً، وكان محبوباً عند المسلم وعند العلماني والبعثي والصوفي والسلفي، وكلهم كان يستشيره، وكان سبب هداية الكثيرين ممن ضلوا الطريق، وقد امتاز بأسلوب دعوي لطيف وفكاهة ودعابة حتى أنه كان يعلّق على الحادثة التي حصلت مع الشيخ صالح والتي ذكرتها في ترجمته سابقاً فقال الشيخ: لو أن أحدنا سبّ الآخر بلطفٍ لشكره عليه, ولو أنه مدحه بعنفٍ لاستشاط غضباً.
وكان الشيخ يتمتع بمهارةٍ يدوية عملية حاذقةٍ فيصلح ساعته بنفسه, وقلمه الحبري المعقد الصنع، ويرثي ثوبه، ويخصف نعله وكأنه هو صاحب هذه الحرف، ويمتاز بطهي الطعام، وكان عالماً في الكمبيوتر والإنترنت وهو السبعيني في العمر، ويتقن كل المهارات الفنية العملية فكان أشبه ما يكون بشيخه عبد الرحمن زين العابدين إذ كان كثير التأسي به.
وعاش طوال عمره فقيراً لكرمه وكثرة عطائه حتى أنه لم يكن يمتلك بيتاً إلا في آخر حياته بعد أن وفرت زوجته الأولى بعض المال لشراء الدار.
كان الشيخ يتقن عدة لغات: العربية والكردية لغته الأم بل كان يبارز بها مدعي القومية فلا يباريه أحد بها وكان كذلك عالماً بالتركية العثمانية القديمة ويلم بالإنكليزية.


نتاجه العلمي ومؤلفاته:
كان الشيخ بارعاً في كل العلوم الشرعية، وأكثر ما برع فيه هو علم التفسير والفقه وكان كثير المطالعة نهماً على القراءة، وعنده مكتبة كبيرة احتوت على أمهات الكتب في مختلف العلوم كالتفسير والحديث والفقه والعقائد والأدب وبقية العلوم والثقافات، والمجلات الدورية، وقد ألف عدة كتب منها ما هو مطبوع ومنها ما هو مخطوط، وهي:
-    المواريث الشرعية مقارنة مع قانون الأحوال الشخصية.
-    أحكام الحج والعمرة على المذاهب الأربعة.
-    رسالة في التقويم اللغوي أخطاء لغوية: قل ولا تقل.
-    مجلدان مخطوطان يحتويان على جلّ المسائل المتنوعة لحصر الإرث مع علاقتها بعلم الرياضيات وبأسلوب معاصر.
-    رسالة في الموازين والمكاييل والمقاييس مقارنة مع القرن العشرين.
-    قطوف دانية في ضفاف الأذكار والأدعية.


وفاته:
توفيت أولا زوجته الأولى وكان قد أنجب منها عدة أولاد، ثم تزوج الثانية وعمره يزيد على السبعين، وكانت صغيرة السن وأنجب منها الأولاد، وقد وافاه الأجل في بلدة عفرين في 29-5-2012م وفقدت عفرين مرجعها الديني، وشهدت مدينته عفرين جنازة كبيرة لم يشهد م جبل الأكراد مثلها من قبل.
حرر في يوم الخميس: 13ذو القعدة 1434ه الموافق: 19-9-2013م