الأديب الداعية محمد الحسناوي

 
 
 
بقلم : يحيى بشير حاج يحيى
 
حاولت أن أكون موضوعيا في الكتابة عن أستاذنا الراحل محمد الحسناوي - يرحمه الله - كما علمنا فيما يكتب وينتقد، ولكنني أحسب أني لن أوفق في ذلك، فالتمست لنفسي عذرا، وهوأن ما أسطره عنه يختلط فيه الذاتي مع الموضوعي، إذ كان لي شرف التتلمذ عليه في أواخر الخمسينيات، ببلدتنا جسر الشغور، فعرفته عن قرب، كما عرفت الشعر في شخصه الشاعر، وقد أهدى إلى مجموعة من التلاميذ - وكنت منهم - ديوانه الأول "ربيع الوحدة" فقرأت أشعاره .. حفظتها .. اعتنيت بالديوان في مكتبتي الصغيرة وتعلقت بالشعر وأحببته، وكانت أول مقطوعة لي بعد سنة تقريبا .. ورحل الأستاذ إلى دمشق، فبقيت صورته مختزنة في خاطري، أتسقط أخبار مجيئه إلى البلدة في الأعياد والمناسبات، وفي خطبة الجمعة التي كان يلقيها في الجامع الكبير أحيانا.
وجاء إلى حلب - وحلب حاضرتنا - إذ قدر لي أن أدرس في جامعتها بكلية الآداب، وترددت على منزله في حي الأنصاري لأنهل من مكتبته العامرة، ولأقدم له على استحياء قصائدي الأولى، فأجد التشجيع والتوجيه والتسديد، ثم تخرجت في الجامعة وتكحلت عيناي بعد سنوات بجمع هذه القصائد في ديواني الأول عام 1977 م (في ظلال المصطفى) فقدم له وكان موضوعيا كعادته؟!
 
ثم تمضي سنوات ويضطر للهجرة، ويشاء الله أن ألحق به، لأقضي سنتين معه في محطة هجرتنا الأولى لأتعرف على أشياء جديدة في شخص أستاذنا الراحل، فعملت معه في مؤسسة إعلامية، أفدت منها كثيرا، وتعلمت أنماطا جديدة في الكتابة سوى الشعر .. وما زلت أذكر كلماته بعد أكثر من خمس وعشرين سنة وهويقول للعاملين معه: نحن هنا في هذه المؤسسة في مدرسة، ولكن ليس فيها أستاذ وتلميذ، وإنما يعلم بعضنا بعضا، ويلتفت إلى بعض القصاصات التي لا نهتم بها قائلا: لا تهملوا شيئا! سيأتي يوم يكون لهذه القصاصات شأن، فتبحثون عنها ولا تجدونها.
 
كان - رحمه الله - يعلم أن الواجبات أكثر من الأوقات، وقد أدرك الذين عملوا معه ذلك، حتى تداول الإخوة مقولة: إن أبا محمود يظل يعطيك أعمالا، طالما أنك ساكت وراض لأن لديه عملا ضخما، فإذا سمع صوت أنينك تركك، وقد وصلت شكوى إلى زوجته أم محمود - رحمها الله - بأنه أتعب نفسه وأتعب من معه، فاتضح بعد ذلك أنها تتابعه حتى في طعامه، لأنه قد يخرج في الصباح دون أن يأكل شيئا، ولولا أنها تتابعه بلفافة صغيرة لنسي نفسه في زحمة العمل، فقد كان شعاره العملي: لن نتوقف فإن غيرنا من إخواننا دفعوا دماءهم ونحن لا نبذل سوى جهد ووقت، ثم يبتسم ليقول أنا مسمار في عجلة العمل الدائرة، وراض بذلك فمن شاء أن يتابع فمرحبا، ومن شاء أن يتوقف فليدْعُ لنا ولا يعرقل مسيرتنا.
رحمك الله أبا محمود أديبا وداعية ومعلما، وأجد نفسي أردد مع الذين عرفوك: لقد أتبعت من بعدك - أيها الراحل الكبير .
 
ولد الأديب محمد الحسناوي في مدينة جسر الشغور 1938 ودرس فيها المرحلة الابتدائية والمتوسطة وأكمل في اللاذقية ثم انتقل للدراسة في ثانوية جودت الهاشمي      بدمشق ، وقد ذكر في كتابه [ ذكرياتي مع السباعي ] أنه انخرط في العمل الإسلامي وهوفي السادسة عشر من عمره مع صديقه إبراهيم عاصي وقد كان على رأس المستقبلين للأستاذ حسن الهضيبي عام 1954 في جسر الشغور
 
أعجب با لدكتور مصطفى السباعي بعد حضوره لدرس له في حلب وتفاعل مع فكره ، ولزمه وهوطالب جامعي بجامعة دمشق وشارك في تحرير مجلة حضارة الإسلام وصدر ديوانه الأول [ ربيع الوحدة] الذي قدم له الأستاذ عصام العطار 1958 ، وفي عام 1961 منح الجائزة الأولى في مهرجان عكاظ الجامعي
وفي عام 1962 حط الرحال في حلب ليكون مدرسا للغة العربية وتفرغ للكتابة والعمل ، وقدر له أن يتركها مع أسرته عام 1979 ، وتنقل بين الأردن والعراق وعدد من الدول يشرح مأساة الشعب السوري تحت حكم الباطنية المجرمة المتآمرة ، وفي تلك الفترة ألف عددا من الكتب وحضر العديد من المؤتمرات الثقافية واللقاءات الفكرية .
 
أصيب - رحمه الله - في سنواته الأخيرة بفشل كلوي ولكنه لم يتوقف عن العمل الدعوي والكتابة والسفر ، وقد ذوى عوده ونحل جسمه - توفي في عمان في الرابع من آذار 2007 ودفن فيها بمقبرة سحاب وقد أجمع كل من عرف الأستاذ الحسناوي أنه ذوخلق رفيع وتعامل إسلامي راق ، فقد كان دأبه السعي لرأب الصدع بين العاملين الذي يجمعهم الهدف الواحد ، بهدوء واتزان وروية ، فهوموطن أسرارهم وهوعون لهم في كل ضائقة وقد حباه الله صدرا واسعا ونفسا تواقة لمجد أمة الإسلام
وقد اشتهر بين إخوانه ومعارفه بالتواضع ، فعلى الرغم من مواهبه المتعددة كان يقول : إنه جندي ، ولا يضيره أن يكون في الصف الأخير ! مع أن رأيه هوالذي يؤخذ به غالبا. تتلمذ على يديه عدد من الكتاب الذين يعترفون بأستاذيته كالكاتب زهير سالم والمهندس طاهر حمدووالشاعر سليم عبد القادر والكاتب محمد بسام يوسف والشاعر زهير المزوق والصحفي هيثم الأشقر والأستاذ طعمة عبد الله والأستاذ الجامعي طارق أبوجابروكاتب هذه السطور
شارك رحمه الله في تأسيس
 1- رابطة الوعي الإسلامي
2 - رابطة الأدب الإسلامي
3 - رابطة أدباء الشام
وكتبت ما يزيد على عشر مقدمات لمجموعات قصصية ودواوين شعرية وروايات أدبية
اعتنى بأدب الأطفال وله عدد من الكتب والدواوين و عالج مختلف القضايا في شعره المنشور في المجلات والمواقع والدواوين وله موقف وتجربة متميزة من شعر التفعيلة
تدرجت حياته الأدبية فانتقل من الشعر إلى النقد الأدبي في وقت مبكر وكتب القصة القصيرة والرواية وله عدد من المسرحيات وتحدث عن إنتاجه وإبداعاته أكثر من 24 كتابا ..
وقد صدر له مطبوعا
1- ديوان ربيع الوحدة
2 - في غيابة الجب
 3 - عودة الغائب
4- ملحمة النور
في ميدان القصة والرواية :
1- الحلبة والمرآة 2- بين القصر والقلعة 3- بلد النوابغ4 - خطوات في الليل
وفي المسرح : بطل في جبل الزاوية
وفي الدراسات الأدبية :
1- في الأدب والحضارة
2 - صفحات في الفكر والأدب
3 - في الأدب والأدب الإسلامي
4-دراسات في الشعر العربي: قديمه وحديثه 
5- دراسات في القصة والرواية في بلاد الشام
6- دراسة جمالية بيانية لسور من القرآن
7- الفاصلة في القرآن