ترجمة الشاعر مخدوم قولي

 

 
بقلم الدكتور في علم اللغة أنا قوربان عاشيروف
 
 لقد وُلد الشارع التركماني العظيم مخدوم قولي الفراقي عام 1724 في قرية  Hajygowshanالمطلة على ضفة نهر Etrek أما والد مخدوم قولي فهو الشاعر الكلاسيكي التركماني دولت محمّد المعروف بلقبه الادبيآذادي. ووالدة الشاعر تركمانية أيضا كانت تُدعىأورازكول. لقد نشأ مخدوم قولي في أسرة متواضعة. وكان لمخدوم قولي عدد من الأخوة والأخوات. ورد في قصائده بعض من أسماء إخوته كعبد الله ومحمد صفر أما من الأخوات ورد اسم أخته زبيداه فقط.
حصل مخدوم قولي على تعليمه الأول على يد والده آذادي. حيث ذكر الشارع قائلا:
إن همومي كثيرة أزيلها بدعائي
وأن الشيخ الذي علّمني فهو والدي
وفيما بعد نظم الشاعر قصيدة تحت عنوانأليس اللهأورد فيه اسم شخص آخر يُدعىBegdurdyوأشار فيه بأنه أستاذه أيضا قائلا:
ألم يقل شيخناBegdurdyبأنك
على النار حتى تعبر الصراط
ربما كان الشيخBegdurdy أحد أساتذة مخدوم قولي بمدرسة شير غازي حيث درس فيها الشاعر لمدة ثلاث سنوات. وهناك معلومات أخرى تشير بأن الشاعر تلقى العلم في مدرسة«Gogeldash ببخارىأيضا كما يثبت ذلك المقطع الآتي من قصيدة الشاعر حيث يقول فيها:
كنتُ يوما نائما في السَحر
حتى جاءني الزاهد بهاء الدين
وكان مخدوم قولي يحترم الشيخ بهاء الدين النقشبندي احتراما كبيرا مما جعله يربط إلهامه الشعري بالشيخ حيث قال:
رأيتُ يوما بالليل في المنام
يجود عليّ الشيخ نقشبندي بالخبز
وكان مخدوم قولي نقشبندي الطريقة . وبما أن تعاليم هذه الطريقة الصوفية كانت تؤيد النضال والكفاح من أجل الحرية والاستقلال والدفاع عن الوطن فقد كان لها تأثيرها الى حدّ ما في تكامل روح الوطنية لدى مخدوم قولي. وهكذا تزوّد الشاعر مخدوم قولي بقدر كاف من علوم زمانه ليساهم في إثراء الادب الشرقي قدوةً بالشعراء المشهورين أمثال أبو سعيد ,عمر خيام , الفردوسي, نظامي, الحافظ والنوائي حيث ذكرهم مخدوم قولي في قصيدته المسماةتمنيتٌ لو كنت ُفي عدادهممما يدل على إحترامه لهم غاية الاحترام.
وقد أحبّ مخدوم قولي في شبابه فتاة ذكرها في قصيدتهثم تشكلتُ علقةًقائلا:
عندما بلغتُ السابعة عشر شربت ُمن كأس العشق
وخرجتُ الى الميدان أركب رياح العشق لبلوغ المرام
وكما تقول المصادر التاريخية بأن الشاعر تزوج من تلك الفتاة التي أحبها ولكن لم تدم أيامه السعيدة معها حيث يقول:
تجاوزتُ السابعة عشر فبنيتُ بيتا
بحسناء وعشتُ معها حياة سعيدة
كم قطفتُ من أزهارها واستمتعت بريحانها
ولما بلغتُ العشرين ذُقتُ ظلم الدنيا وجورها
حيث حرمتني من حبيبتي وغمّرتني بهمومها
يعني, لما بلغ الشاعر العشرين من عمره أصابته مصيبة الفراق عن حبيبته. كما أن المقطع الآتي من قصيدة الشاعر يثبت بأن القدر جمع بينه وبين محبوبته الاولي حيث يقول فيها:
دخلتَ بستان الحب مع المحبوبة
حتى بنيت فيه بيت المحبة والالفة
 
وقال الشاعر في قصيدة أخرى :لم يعد قلبي الذكي يعقل بعد فقدان المحبوبةوهذا ما يؤكد بأن الشاعر عانى من فراق وفقدان محبوبته الاولى. ثم تبدأ فترة الوحدة والانفراد التي قطعت(أدمت) كبد الشاعر حيث يقول:
تعالي هنا ايها المحبوبة الحزينة
أنا مثلك مجروح وضحية للانفراد والعزلة
ومع مرور الزمن يخفّ ألم الجرح لتستيقظ المشاعر من جديد في الفؤاد الشاب. وفي هذا الاثناء يلتقي الشاعر معمنغليالتي ذكّرته بمحبوبته الاولى حيث كانت تشبهها في بعض أوصافها. لذا قال عنها الشاعرمثلك كانت من فارقتني. وهكذا أحبها مخدوم قولي حبا شديدا خالط سويداء قلبه. ولكن في هذه المرة شاءت الاقدار عدم اجتماعهما كما يُثبت ذلك قول الشاعرقطفت الدنيا وردة بستان يلتهبها للغريب البعيدالمليئ بالآهات والأحزان والذي يُكمل عشرات القصائد المكرّسة لهذا الوضع الاليم. وهكذا تتحلل تلك الأمنية بعيدة المنال في تلك الابيات التي تقطّع القلب.
لم يخلّف الشاعر وراءه أولادا. حيث يذكر الشاعر في بعض قصائده حزنه الشديد على فراق أولاده. وكما تشهد قصائد الشاعر فقد تعرّض لصعوبات وأوضاع مؤلمة أدّت به إلى السجن لفترة معينة:
مخدوم قولي مربوط اليدين يُؤسف على حالي
لم يبق شيئ من قصائدي الجميلة
لقد دخل السجن الصالحون من قبلي
ماذا أفعل فقد قطعوا حبلي عن القافلة
لقد أبدع مخدوم قولي آثاره بشكل عام باسمه. وإضافة إلى ذلك استعمل الشاعر بعض الألقاب مثلفراقي, مخدوم العبد, مخدومي وغيرها من الألقاب الأدبية. وقد وصلت إلى يومنا هذا من آثار الشاعر أكثر من 700 شعر وقرابة 10 قصائد صغيرة الحجم. تم العثور على 80 بالمائة منها في المخطوطات أما الباقي فقد جُمع من أفواه الشعب. ونحن نعتقد بأن حجم التراث الأدبي الذي تركه لنا هذا الشاعر ذو القلب المفعم بالآمال والطموحات, النابض من أجل مصلحة وسعادة شعبه والذي كان يخفف آلامه من خلال نظم الأشعار دون الاستسلام أمام صعوبات زمانه والذي لم يكلّ لسانه عن قول الحق ما دام على قيد الحياة والذي لم يرض إطلاقا بالوضع السائد آنذاك , نعتقد بأن حجم تراثه الأدبي لم يكن بهذا القدر بل كان أكثر من ذلك. ويشهد على صحة كلامنا المعلومات المتعلقة بالتراث الأدبي للشاعر والتي جُمعت من الشعب. منها قول الشاعر :
أحاط بنا الأعداء على حين غفلة
وشتّت أقراننا وفرّق بين الأخوة والأخوات
جاء أصحاب العمائم الحمراء لتُخرّب
ما كتبناه خلال خمس سنوات
وقال أيضا:
ذهبت كتبي بماء السيول
بكت عيوني وراءها دما
إن العالَم الإبداعي – لمخدوم قولي الذي ضحى حياته كلها لخدمة شعبه – غني ومتعدد الجوانب. حيث أن حياة التركمان في القرن الثامن عشر, والأحداث والوقائع التاريخية والسياسية لذلك العصر, حب الوطن, والعطف واللطف بشعبه الذي تربى بينهم, القضايا الاجتماعية والمعيشية, وصف جمال الطبيعة والدعوة إلى التخلق بالأخلاق الحسنة والحب النزيه, كل هذا وغيرها من الموضوعات اندمجت في قصائد الشاعر. كما أن مخدوم قولي أحدث تحولا كبيرا ليس على مستوى الأدب التركماني فحسب بل على مستوى تاريخ أدب اللغات التركية كله. وربما أخذ الآكيديمي W.Bartold هذه الحقيقة في عين الاعتبار عندما قال :من بين الشعوب التركية كان لدى التركمان فقط شاعر قومي يُدعى مخدوم قولي. إن الأدب التركي بما فيه الأدب التركماني لم يصوّر لنا حياة الشعب بشكل عام قبل ظهور الشاعر مخدوم قولي. وكان إلى ذلك الحين يتم في الغالب إبداع الآثار الأدبية الطويلة على أساس الروايات والأساطير والقصص المستعارة . ونأخذ هنا بعين الاعتبار الآثار المقتبسة من قصةيوسف وزليخا, ليلى وقيس المجنون, سعد وقاص, زين العرب- محمد الحنفية, خسرو وشيرين, فرحات وشرينوغيرها. صحيح أنه كانت هناك قبل ظهور مخدوم قولي قصائد تمجّد وتصف التحركات العسكرية لسلاطين وملوك. إلا إنها لم تجسّد حياة الشعب بشكل عام. أما بالنسبة للأشعار القصيرة كانت هنا كعدد كبير من الأشعار مكرسة للسلاطين والملوك والشخصيات البارزة في المجتمع. وكثيرا ما نرى ذلك النوع من الأشعار في إبداعات الشعراء الذين عملوا قصور الملوك. وكانت مضامين تلك الأشعار في غالب الأحيان متشابهة بعضها ببعض. حيث تكمن وراءها مصلحة شخصية أو الطمع. ونجد في إبداعات مخدوم قولي أيضا شعرا مكرسا لأحمد شاه – مؤسس الدولة الأفغانية المستقلة. حيث بدأ الشاعر شعره بهذه الكلمات:
ينتشر مجدك على وجه الأرض يا أحمد شاه
واسمك سيصعد إلى العرش والسماء
ولكن يا تُرى ماذا قصد الشاعر من وراء هذا الشعر المفعم بالحماسة والمشاعر الجياشة؟ هل كان يطمع في نيل هدايا من الملك كما كان متبعا في قصائد أدب القرون الوسطى أو ليعيّنه في وظيفة ما ويتقرب إليه؟ والجواب هو لا. حيث يكمن في عمق هذا الشعر العناية بمصلحة الشعب والسعي لحمايتهم من النهب والهجمات التي كانوا يتعرضون لها من حين إلى آخر بسبب اعتقاداتهم الدينية. وينتظر الشاعر دعما من أحمد شاه بهذا الشأن. كما هو معلوم في التاريخ بأن أحمد شاه هو نفسه أيضا كان مع إقامة علاقة وثيقة مع التركمان. حيث أخذ الشاه في عين الاعتبار الاعتماد – في حملاته العسكرية – على الجنود التركمان المعروفون في تاريخ الحروب بالشجاعة وقدرتهم القتالية. وهكذا ظهر في تلك الفترة التي كانت تخيّم عليها أوضاع سياسية متوترة شعر مخدوم قولي المكرس لأحمد شاه. في الحقيقة بأن الشعر ليس مدحا بل كان موضوعه سياسيا. حيث يتم فيه إثارة القضايا السياسية في حياة التركمان في القرن الثامن عشر. وأن كل من سيقرأ هذا الشعر سيتأكد من ذلك. كما أن شعر مخدوم قوليالعهد عهدكم(يتسم بالطابع السياسي) حافل أيضا بالموضوع السياسي :
قد آنَ حكمُكَ فاستقلَّ عنانها
ومن العُلا وهبتْ إليكَ مكانها
أسعدْتَ من بعد العنا أكوانها
أنتَ الزعيمُ وكلُّ أمرٍ فهو لكْ
كما مدح مخدوم قولي محمد حسن خان مشجّعا إياه إلى المعركة بهدف نصبه أمام أعداء الشعب التركماني. لذا نجد بأن أشعارالمقام العالي لكموإلى العرش العاليلا تشتمل على فكرة توحيد قبائل التركمان ودعوتهم إلى الوحدة وبناء دولة التركمان المستقلة. حيث يهدف الشاعر من خلال تلك الأشعار المكتوبة في فترات متقاربة إلى تحقيق الأمن والاستقرار لشعبه ولكنه لم يُصِب من الناحية السياسية في اختيار الطريق الموصل إلى ذلك. وعندما لم يتحقق الأمل المنشود من أحمد شاه ومحمد حسن خان وغيرهم أدرك الشاعر بأن السبيل الوحيد إلى توفير الاستقرار للشعب هو وحدة القبائل ومن ثم بدأ من خلال أشعاره يدعو القبائل إلى الالتفاف حول هذه الفكرة.
          وقد غاب في زمن الشاعر التفاهم والتسامح حتى بين أبناء قبيلة واحدة نفسها فناهيك عن وجود ذلك بين القبائل. لو قلنا باختصار وبلسان مخدوم قوليفإن كل واحد كان يعتبر نفسه سلطانا. وفي ظلّ هذه الظروف المعقدة أدرك مخدوم قولي ضرورة – أولا بأول- توحيد أبناء قبيلته . وكخطوة أولية في سبيل تحقيق هذا الهدف النبيل ظهر شعركوكلنوهو اسم قبيلة الشاعر. حيث يحثّ مخدوم قولي في هذا الشعر أبناء قبيلته نحو النضال والكفاح من أجل الحرية والاستقلال ويوقد في نفوسهم نار الحماسة قائلا:
وهو في الصحراء يبدو كالغزال
أو الحمار الوحشي في تلك التلال
واذا المعركة اشتدد تترادى
أسدا ينقض ليثكوكلن
ومع مرور الزمان يُدرك الشاعر حقيقة أخرى هي أن الحفاظ على الوحدة بين أبناء قبيلة واحدة ليست كافية للوقوف أمام الأعداء والدفاع عن الوطن. لذا بدأ الشاعر يدعو القبائل التركمانية المجاورة لهم إلى الاتحاد والتكاتف وأنه اذا توحدت القبائل التركمانية لتُصبح قوة واحدة لقتال الأعداء فإن التوفيق سوف يكون حليفهم. حيث قال الشاعر:
لو اتحدت كوكلن ويوموتك قوة واحدة
لكوّنوا جيشا لا حصر لجنوده
لا تسعه سهولدشتوصحراءها
ولما عُرف أين أوله وأين آخره
ولم يكن اتحاد قبائلكوكلنويوموتوحده كافيا لردع الاعداء. ومن ثم أيقن الشاعر بضرورة اتحاد جميع القبائل التركمانية وبدأ يدعوهم الى ذلك. ويؤكد لنا ذلك شعر مخدوم قولي المسمى بــانهمرت دموعنا. وهكذا يعتبر مخدوم قولي في تاريخ الادب التركماني أو لشخصية أثار – بكل وضوح- قضية توحيد القبائل وبناء الدولة:
واذا تجمعت الأيادي فوق مائدةٍ موحدةٍ
وفوقهم الرئيسْ
أرضُ التركمان الجميلة سوف
يرتفعُ اللواءُ بها وتحتفلُ
الطروسْ
وهكذا يتوصل الشاعر الذي نشأ في خضم الأحداث السياسية المتوترة إلى نتيجة تاريخية تتلخص في اتحاد القبائل التركمانية من أجل بناء دولة مستقلة. حيث نجد هذه المعاني في أشعارالتركمانوصرح التركمانلمخدوم قولي:
تاكهياموتوكوكلانأتتْ
تلك آخال مع القومِ ثوتْ
إنها الوحدةُ فينا واستوتْ
يا بلاداً عزُّها فيما احتوتْ
في الوقت الذي كان يدعو فيه مخدوم قولي التركمان إلى الاتحاد وضرورة ردع الأعداء كقوة واحدة كان أيضا يصف ويمدح بعض الشخصيات التاريخية. ولكن هذا المدح مختلف تماما عما كان منتشرا في قصائد القرون الوسطى. حيث عندما مدح مخدوم قولي ملك أفغانستان أحمد شاه أو غيره من الخاخانات فإنه كان ينطلق آخذا في عين الاعتبار مصلحة الشعب. وبعبارة أوضح كان يدعوهم ويحثهم للقتال ضد أعداء التركمان. ونجد هذا التوجه بوضوح في الأشعار التي كرسها الشاعر لوفاة أبطال التركمان أمثال لــتشودور خانودولت عليلان كليهما كانا من أولئك الرجال الذين استشهدوا في سبيل الدفاع عن الشعب. ولذلك يبكي مخدوم قولي على وفاة حُماة الشعب حيث يقول:
قرّة العين وروح يجودورخان
مُتَّأمما زلت في هذا الزمان
أيهما الصنديد كيف الأمر كان
             من بكاء الشعب قد يبكي المكان
إنما يميّز إبداع مخدوم قولي من إبداع الأدباء التركمان أو أدباء الأدب التركي بشكل عام الذين عاشوا قبله, هو الطابع التاريخي الدقيق. حيث يجسد لنا الشاعر من خلال قصائده الوقائع التاريخية في زمان هو يعبر عن حزنه على أخوانه الذين ضحوا حياتهم من أجل تحقيق الاستقرار لشعبهم كما ينشر حقل به لا بسط فرحة في حياة شعبه. وإذا بحثنا في الأدب التركي ما قبل زمن مخدوم قولي فلن نجد شعرا أو قصيدة نُظمت على هذا النمط :
أيا مخدوم ُقد دنت القيامة
عليها النازلاتُ غدت علامة
أيا شعب التركمان استفيقوا
أنا حريتي كــــــــــــــــــل المرادِ
 
            يُسمع من بين هذه السطور صوت شخصية متكاملة. لقد جعل مخدوم قولي الأدب جزءً من حياة الشعب لتعكس أشعاره جميع جوانب حياة التركمان في القرن الثامن عشر. حيث نجد في أشعار مخدوم قولي كلما يتعلق بالأحداث السياسية والتاريخية في القرن الثامن عشر, وكذلك العادات والتقاليد التركمانية وحسن أخلاق وآداب النساء التركمانيات وباختصار نجد فيها جميع الصفات والسمات الخاصة بالشعب التركماني. إلا أن بيان تلك الموضوعات ليس على مستوى واحد في آثار الشاعر.
          إن أهم الموضوعات التي تناولتها أشعار مخدوم قولي هو حب الوطن والوفاء له والحفاظ على استقراره ووحدة الشعب وقضية بناء الدولة – أو لضرورة للعيش في الأمن والاستقرار. ولم يصوّر لنا مخدوم قولي كل قضية من تلك القضايا كقضية منفصلة عن الأخرى ,بل وضعها في قالب واحد ليجسدها كأغصان شجرة واحدة. ومبينا سبب آلام قلبه يقول الشاعرهمومي كثيرة مما يحدث في زمني وبلديوقال أيضا:
تم نهب مدينة الروح, وجاء الجيش باللواء
لا أدري أقادر هو لتقرير مصيره
إن أحد التغييرات التي أدخلها مخدوم قولي في الأدب التركماني هو وصفه المتكامل للنساء التركمانيات وبيان خصائص النساء التركمانيات المتميزة في القرن الثامن عشر من الحياء والخجل واللطف وبعبارة أخرى استطاع الشاعر بمهارة عالية أن يصف الجمال الطبيعي للنساء التركمانيات وكأنهن حجر مغناطيسي يجذب انتباه الناظرين. وعلاوة على ذلك أدخل الشاعر في الأدب التركي نزاهة وقدسية الحب. وأن من شعر بقلبه حب ّمخدوم قولي تجاهمنغليمن خلال أشعاره لفهم مدى حقيقة هذا الكلام. حيث اجتمعت الوردة المتفتحة في بستان الأدب التركي مع عاشقها العندليب في إبداع مخدوم قولي. ولم يصف مخدوم قولي حبه تجاه محبوبته كوردة عادية وبلبل يغرد من أجله بل وصفها مبينا قبيلتها واسمها حيث قال:
هي من أحلى بلادٍ وجبـــــــــــــــال
ومياهٍ ومَراعٍ وتــــــــــــــــــــــــــــــلال
من كليمنغوكلان لا تُنــــالْ
تركتني ذلك العشقُ ابتـــلاءْ
          وبدلا من زليخا أو ليلى أو شيرين وغيرهن من بطلة الحب اللاتي أصبحن معروفات للجميع في الأدب الشرقي فإن القارئ يلتقي هنا مع بطلة أدبية جديدة عاشت في مكان وزمن معلومين لم يُسمع عنها من ذي قبل. في الحقيقة فإن منغلي ليست شخصية أدبية. بل إنها شخص معلوم – أحبها مخدوم قولي. وأن مخدوم قولي أيضا ليس في حبه كيوسف أو قيسا لمجنون أو خسرو. لذا تعالوا نستمع إلى مخدوم قولي حيث يقول:
أنا في العشقِ على المجنونِ أربو
وغرامي أحرق القلب َوأدمــــــــــــــى
والأماني خُلّبٌ والروحُ ظمـــــــــــــأى
كلّما أصحو من الأوجاعِ أُغمى
ولو لم يكن الشاعر يحمل في صدره مثل هذا الحب المشتعل لَما أعرب – وهو في عمر ناهز الستين- عن آلام قلبه قائلا:
لقد فارقت ُدنيا العشق بعد من كل يخان
ولم يكن هنا كمن يترحم على شقائي
 
وقد خلا الأدب التركماني والأدب التركي – قبل ظهور الشاعر مخدوم قولي – من الصورة المتكاملة لفتاة تركمانية حسناء ولم نجد ذلك الوصف المتكامل حتى في إبداعات الشاعر نسيمي- نجم الأدب الشرقي والعالمي الذي لا يخبو والقائل :
لسانك ينطق العربية
فمن القائل لكمن أنت يا تركماني
كما خلا من ذلك الوصف إبداعات الشاعر نوائي الذي لا يمكن تصور إبداعه ولا حياته بدون التركمان والذي أحب من صميم قلبه بلاد التركمان بشكل عام ومرو بشكل خاص والقائل واصفا إحدى الفتيات التركمانيات الحسناوات:
أيا نوائي فلا تعجب إذا رأيت من الترك من هو معاند
واعلم بأنه انغمس في هموم التركمانية الشبيه بالقمر
كما لا نجد ذلك الوصف المتكامل حتى في إبداعات محمد الفضولي الذي ينتمي إلى قبيلة باياط – إحدى القبائل التركمانية القديمة. لذا تعالوا نصغي السمع إلى مخدوم قولي :  
مُغطِّية وجهها بحجاب
موزون كلامها ومزيّن
ولا ترى عيون مخدوم قولي
سوى من كليخان
وكما يظهر من الأمثلة السابقة فقد دخلت في القرن الثامن عشر في الأدب التركماني صورة معشوقة محددة بعينها.
ان العشق والحب في الأدب التصوفي مرتبط بالله تعالى. كما يدخل في تلك الدائرة حبّ أبطال القصص ذات المضامين الاستعارية مثل " ليلى وقيس المجنون "" يوسف وزليخا". في حين نرى الشاعر مخدوم قولي يخترق هذه الدائرة.
ولكن هذا لا يعني بأن مخدوم قولي لم يتبع المنهج الكلاسيكي للأدب التصوفي التركماني.
وقد اتبع مخدوم قولي في معظم قصائده مبادئ الأدب الصوفي وخاصة في أشعاره "ماذا أنت" و"هذا الداء" و" كنت عاشقا". ولكنه لم يتقيد بقوالب الأدب الصوفي المحددة" بل خرج عنها ليجعل الأدب أكثر واقعيا.
ونجد أيضا في إبداعات مخدوم قولي عشرات قصائد تثير عدة قضايا اجتماعية مثل عدم وجود المساواة وانعدام العدالة في المجتمع. وفي هذه القضية أيضا يتألم ويتحسر مخدوم قولي من منطلق مصلحة الشعب مشاطرا مشاعر وأحزان المظلومين والضعفاء حيث يقول :
اندفنت الأنهار وانهارت الجبال
وبدأت عيون الأيتام تذرف بالدموع
وآثر الأمراء الجور على العدل
وبدأوا يهدمون البلاد من أطرافها
وقد أشرنا سابقا بأن مخدوم قولي رثى بعض الأمراء التركمان أمثال جودورخان ودولت علي و نعى وفاتهم في أشعاره.
كما مدح في قصائده أمراء آخرين أمثال أحمد شاه ومحمد حسن خان وكذلك أشرنا سابقا إلى الأسباب التي أدت إلى نشأة مثل هذه الآثار. وفي نفس الوقت لم يفت الشاعر أن يوجه كلمات اللوم إلى الأمراء الظالمين قائلا:
ضل كوكلان
وأرادون الشر لننرى
عنها نجلاء
هؤلاء الغاصبون الدخلاء
علمونا أن من يحمي الذمار
هم بنوه الامناء
وفي شعره بعنوان " يا فتاح " يلوم الخان الجائر الذي يذيق شعبه ألوانا من العذاب والظلم ويشاطر مشاعر الشعب قائلا :
أنت مَنْ أثقلت كاهل التركمان وملأتَ
بلادي الجميلة ظلما بسفك الدماء
بالطبع يدرك الشاعر دراية جيدة أن قصيدته هذه قد تؤدي به إلى الهلاك ونهب أمواله وممتلكاته.
ولكن الشاعر الذي يحب شعبه قلبا وقالبا هل يمكن له ألا يقدم على لوم الجائرين والظالمين وأن يسكت عنه مخافة الموت؟! بالطبع لا! لو لم ينظم الشاعر مثل هذه الأشعار لما أمكن له أن يصير مخدوم قولي بحق – رمز الوطنية ومفخرة الشعب التركماني.