محمد تقي العثماني... القاضي الفقيه والداعية الرحالة

 

 

لمحات من حياته

اسمه ونسبه ونشأته:

هو القاضي محمَّد تقيّ العثماني ابنُ الشَّيخ المفتي محمَّد شفيع بن محمَّد ياسين بن خليفة تحسين علي بن ميانجي إمام علي، وقد اشتُهر انتماءُ هذه الأسرة إلى الخليفة عثمان بن عفَّان رضي الله عنه، وعُرفت بخدمة العلم وأهله.

وُلد المترجَم سنة 1362هـ (1943م)، في قرية (ديوبند) في محافظة سهارنفور الهندية، واشتُهرت قرية (ديوبند) هذه؛ لوجود أكبر مركزٍ تعليميٍّ إسلاميٍّ على أرضها، وهو مدرسة (دار العلوم) التي أُسِّست سنة 1283هـ وخرَّجت آلاف العلماء والدُّعاة ورجال الفكر الإسلامي.

وقد تولَّى والدُه الشَّيخ المفتي محمد شفيع التَّدريسَ والفتوى فيها منذ سنة 1350هـ حتى 1362هـ، وبقي جدُّه الشَّيخ محمد ياسين مدرساً فيها زهاء أربعين عاماً.

ولمَّا قرَّر الشَّيخ المفتي محمد شفيع أن يهاجرَ إلى باكستان، ليساعد في إرساء دعائم الوطن الإسلامي الجديد، رافقه ولده محمَّد تقيّ، وكان له من العمر آنذاك خمس سنوات، ونزلوا في مدينة كراتشي سنة 1367هـ(1948م).

وللمترجَم من الإخوة أربعة، نالوا جميعاً المكانةَ الرفيعة في العلم والصَّلاح، ووُفِّقوا للخير وحسن العمل، والقيام بخدمة الدِّين ونشر الدَّعوة على اختلاف مجالاتهم وتخصُّصاتهم.

في هذا الجوِّ العلمي الكريم نشأ القاضي محمَّد تقيّ العثماني يتقلَّب في مجالس العلم تعلُّماً وتعليماً، فترك هذا -فضلاً عمَّا آتاه الله من فكر وقَّاد وحافظة قوية، وصفاء نفس، وسلامة صدر- أثراً كبيراً على نُبوغه على تلك الصِّفة الكريمة، التي ملأت الأسماع ثناءً جميلاً في الأوساط العلمية، وآثاراً علمية ازدانت بها المكتبةُ الإسلامية.

طلبه للعلم:

بدأَت دراسةُ القاضي محمَّد تقيّ العثماني الابتدائية في المنزل على يد والدته، حيث درَّسته كتابَيْ (بهشتي جوهر) و(سيرة خاتم الأنبياء) باللغة الأُرْدية، ولمَّا أسَّس والدُه مدرسة دار العلوم في كراتشي التحق بها، وتلقَّى هناك بعضَ المواد بالفارسية والأردية.

ثم دخل مرحلة (الدَّرس النِّظامي) المعروف في شبه القارَّة الهندية، وهو ابنُ ثماني سنوات، وتخرَّج منها سنة 1379هـ ونال الشَّهادة العالمية بدرجة امتياز.

وحاز في هذه المرحلة قسطاً وافراً من علوم الشَّريعة وعلوم الآلة، فقد درس علم الكلام، والتَّفسير، والحديث، والفقه، وأصوله، والفرائض، والعلوم المتَّصلة بالأدب العربي.

وقد شعر إبَّان هذه المرحلة بأن المنهاج الذي درس ربما يقصِّر عن مواجهة الأوضاع الرَّاهنة وما يستجدُّ عليها من تحوُّلات، فاتَّجه لدراسة الحقوق والعلوم الاقتصادية والسِّياسية، ونال شهادة الإجازة في الاقتصاد والسِّياسة من جامعة كراتشي سنة 1384هـ (1964م)، كما نال الإجازة في الحقوق من الجامعة نفسها سنة 1387هـ (1967م).

ثمَّ توجَّه إلى اللُّغة العربية، ففاز بشهادة الماجستير في العلوم العربية بمرتبة الشَّرف الأولى من جامعة بنجاب سنة 1390هـ(1970هـ).

شيوخه:

كان الشَّيخ محمَّد تقيّ من أوائل الطُّلاب في دار العلوم، فاستطاع أن يستفيدَ من المشايخ الأجلاَّء الذين اضطلعوا بحمل التَّدريس فيها، وفي طليعتهم والده الشَّيخ المفتي محمد شفيع -رحمه الله- ومنهم أيضاً أذكر:

- الشَّيخ العلامة أكبر علي: كان من أفاضل أهل العلم والصَّلاح، درَّس في دار العلوم قرابة خمسين سنة. درس عليه الشَّيخ محمَّد تقيّ الكثيرَ من الكتب، وأبرزها (التَّوضيح على التَّلويح) في أصول الفقه و (تفسير الجلالين).

- الشَّيخ المفتي وليّ حسن: عالمٌ متخصِّص بالفقه والإفتاء، وتربويٌّ فذٌّ. قرأ عليه الشَّيخ محمَّد تقيّ الكثيرَ من الكتب الدِّراسية منذ بداية دراسته إلى الصف الخامس، فقرأ عليه (الهداية) للمرغيناني، وكان للشَّيخ ولي عنايةٌ خاصَّة في تكوين ذوق القراءة والمطالعة لدى تلميذه الشَّيخ محمَّد تقيّ.

- الشَّيخ المجاهد مولانا نور أحمد: كان السَّاعدَ الأيمن للشَّيخ المفتي محمَّد شفيع في تأسيس جامعة دار العلوم في كراتشي، وعُيِّن مديراً أعلى فيها، وهو الذي أسَّس المطبعة الشَّهيرة (إدارة القرآن والعلوم الإسلامية) بمدينة كراتشي، وقد درس عليه الشَّيخ محمَّد تقيّ المرحلة الابتدائية.

- المفتي العلامة الشَّيخ رشيد أحمد: تولى التَّدريس في دار العلوم من سنة 1376هـ إلى سنة 1383هـ، وقد درس عليه الشَّيخ محمَّد تقيّ (الصحيح) للإمام البخاري.

- الشَّيخ العلاَّمة محمد رعاية الله: أدَّى دوراً بارزاً في خدمة التَّدريس في دار العلوم، كما قام بمسؤولية تنظيم أمورها بصفة عميدٍ عامٍّ لها.

- الشَّيخ العلاَّمة الحافظ سحبان محمود: العميد الحالي لجامعة دار العلوم، وشيخ الحديث بها، وهو علمٌ بارزٌ في العلوم الحديثية والفقهية، ورمزٌ في مجال التَّربية الإسلامية.

- الشَّيخ العلاَّمة الدَّاعية الحافظ سليم الله خان: رئيس الجامعة الفاروقية ومؤسِّسها، وشيخ حديثها حالياً، قدَّم ويقدِّم خدماتٍ دينيةً جليلةً في مختلف المجالات.

- الشَّيخ العلاَّمة شمس الحق: علمٌ بارزٌ في المعرفة الدَّقيقة للفلسفة والمباحث العقلية المتَّصلة بالعقائد، كما أنه عالمٌ بصيرٌ في العلوم الحديثية والفقهية، ويشغل منصبَ مديرٍ عامٍّ في جامعة العلوم كراتشي.

وخارج فلك دار العلوم، راجع الشَّيخ محمَّد تقيّ الشَّيخ العارف بالله عبد الحي عارفي -رحمه الله- أجلَّ خلفاء الإمام أشرف علي التهانوي -رحمه الله- وتشرَّب منهجه في التَّربية، واضطلع بأفكاره في إصلاح النُّفوس، وبعد وفاته، راجع الشَّيخ مسيح الله خان -رحمه الله- واستمرت استفادته منه إلى وفاته.

مكانته العلمية:

لقد يسَّر الله سبحانه وتعالى للشَّيخ محمَّد تقيّ ما يسَّر للعلماء الصالحين الأفاضل، من أسرةٍ علميَّةٍ كريمة، وأساتذة أخيار بررة، ومواهب شخصيةٍ فذَّة، وفرصةٍ كافيةٍ للاستفادة العلمية، ودراسةٍ معمَّقة في العلوم العصرية إلى جانب العلوم الإسلامية، ثم تجارب متتالية من خلال رحلات علمية إلى مختلف دول العالم، حيث أتاحت له أن يلتقي كبار علماء العالم الإسلامي.

وقد شهدت مدة ما بعد رحيل الاستعمار الغربي عن البلاد الإسلامية فجوةً بين منهجي التَّعليم الإسلامي الأصيل والتعليم المدني الحديث، وظهرت الحاجة إلى إيجاد حلقة علمية تجمع بين الثَّقافة الإسلامية العميقة ودراسة العلوم العصرية الدَّقيقة، فانبرى لذلك ثلَّة من العلماء والمفكرين الكبار، وعلى رأسهم الشَّيخ محمَّد شفيع -رحمه الله- الذي خطا خطوات جادَّة في هذا المضمار، ثم استنهض همة نجله الذَّكي الشَّيخ محمَّد تقيّ بعدما نهل من دراسة العلوم الشَّرعية للدخول في مضمار الدِّراسات الحديثة، واختار له الاقتصاد والسِّياسة والقانون.

وأبلى الشَّيخ محمَّد تقيّ في هذا الصَّعيد بلاء حسناً، واستطاع بتوفيق الله أن يتقن هذه المواد العلمية الثَّلاث إتقان خبيرٍ محنَّك، ثم أكبَّ على إعمال الثَّقافتين إعمال النَّحل في عصارة الزَّهر، فجاء بنتاجٍ علميٍّ سائغٍ، من مزيج عناصرَ مستقاةٍ من العلوم الإسلامية الأصيلة، وتتجلَّى هذه المزيَّة في خدماته الفقهية التي ما زال يقدِّمها إلى الآن.

ومن ناحية أخرى فقد كان له ذوقٌ أدبيٌّ رفيعٌ في اللُّغات العربية، والأردية، والإنكليزية، فكان أن سخَّر ذوقَه الأدبي لخدمة الموضوعات العلمية الجافة، فيأتي بالموضوع العلمي الدَّقيق في ثوب أدبي تتسارعُ معانيه إلى الأذهان.

وقد مارس قرض الشِّعر بالأردية فجاء نموذجاً مفرداً في موضوعه.

واختار الشَّيخ محمَّد تقيّ المنهج الرصين في خطاباته ومواعظه ودروسه ودعوته، فنفع الله به العباد والبلاد.

سيرته العلمية:

ارتبطت حياة الشَّيخ العملية بحياته العلمية ارتباطَ الرُّوح بالجسد، فلم تخرج أعمالُه عن محيط العلم وخدمته، تعليماً، وتدريساً، وتأليفاً، ودعوةً إلى الله، وأبرزُ أعماله التَّدريسُ والإفتاء.

1- في مجال التَّدريس:

فُوِّض إليه تدريسُ المواد العلمية المتنوِّعة عقب تخرُّجه في دار العلوم، فخطا في هذا المجال خطاً واثقةً وكان مدرِّساً تربويّاً ناجحاً، إلى أن وصل إلى الذُِّروة، وما زال يدِّرس العلوم الحديثية والفقهية في درجتي العالمية (الماجستير) والتَّخصُّص في الفتوى (الدكتوراه) في جامعة دار العلوم.

ولم يقتصر نشاطه في التَّدريس على الجامعة، بل امتدَّ إلى خارجها، فعقد دوراتٍ تعليمية متعدِّدة في مجال الاقتصاد والسِّياسة والقانون؛ لإفادة العلماء والمفتين في مجال التخصُّص، وقدَّم محاضراتٍ علميةً في عدة جامعات أمريكية وأوربية، وشهد على نبوغه وبراعته المثقَّفون المشاركون في هذه المحاضرات المسلمون منهم وغير المسلمين.

2- في مجال الإفتاء:

بدأ الشيخ التَّمرس على كتابة الفتوى في زمن طلبه للعلم تحت إشراف والده، ونال الثَّناء من جميع أساتذته ومشايخه، وازداد اشتغالُه بالفتوى بعد تخرُّجه، ووُفِّق في إصدار آلاف الفتاوى التي تتميَّز بقوَّة الحجَّة والبرهان، ودقَّة النَّظر وعمق الدِّراسة، وحسن التَّنظيم والصِّياغة وسلاسة الأسلوب، وما زال إلى اليوم يُشرف على قسم الفتوى في دار الإفتاء.

3- في مجال التأليف:

أما التَّأليف؛ فهو موطن الجمال والجلال والجاذبية في حياته العلمية، وهو الموطن الذي جمع بين جدِّيَّة الفقيه القاضي المتبصِّر، وحكمة الدَّاعية المخلص الخبير بمواطن الدَّعوة وأساليبها، والتَّحليل الموضوعي للصَّحفي الخبير النَّاقد النَّاصح لدينه وأمته، كلُّ هذا بالإضافة إلى جمال الذَّوق الأدبي الذي يأخذ بمجامع القلوب ويعطِّر العقول والأرواح.

وقد بدأ الشَّيخ التَّأليف وهو في مَيْعة الشَّباب، مذ كان طالباً في المدرسة، ورزقه الله نفَساً طويلاً في هذا المجال، وزاده الله في ذلك على مرِّ الأيام.

جهوده في موافقة القوانين للإسلام في باكستان:

أدَّت جماعة العلماء المخلصين في باكستان جهوداً مشكورةً في إرشاد الحكومات إلى وضع قوانين توافق الشَّريعة الإسلامية، وللشيخ القاضي محمَّد تقيّ حظٌّ وافرٌ في هذه الجهود، مع أنَّه لم يكن منتمياً إلى أيِّ حزبٍ سياسيٍّ، فوفَّقه الله إلى أن يقوم بجهودٍ واسعة التأثير والمدى، بعيداً عن ضوضاء السِّياسة وهتافاتها. وأبرز المجالات التي عمل فيها هي:

1- الدَّعوة المخلصة الحكيمة إلى الجهات المعنيَّة بتدوين القوانين، وتوجيه دعوات ملحَّة إلى المجالس الدستورية لوضع المبادئ الدستورية والقانونية وَفق الشَّريعة الإسلامية، وقد رسم خطوطاً عريضةً للدستور مقتبسةً من كتاب الله تعالى في خمسَ عشرةَ نكتةً، وكانت هذه بمنزلة المصدر الأساسي لتحديد أهداف الدُّستور، وتوجيهه الوجهةَ الصَّحيحة عند وضع مواده وبنوده المفصَّلة، ثم تابع كلَّ مرحلةٍ مرَّت بها مسودةُ الدُّستور الجديد، واقفاً عند كل منها وقفة متأملٍ خبير، ليجرِّد قلمه ناقداً إن رأى العملية الدُّستورية قد حادت عن جادَّتها.

2- مشاركته في أعمال مجلس الفكر الإسلامي، منذ أن اختاره الرئيسُ ضياء الحق أحدَ أعضاء هذا المجلس، فشارك مع زملائه في خدمة تحويل القوانين في البلاد إلى الإسلام، لا سيَّما أن رغبة الرئيس كانت تتماشى مع مطالبهم، واستمرَّ في عمله في المجلس حتى عام 1981م. وقد وضع المجلس في هذه المدَّة تقارير هامَّة، منها ما وُضع في قيد التَّطبيق بعد موافقة الحكومة، ومن بينها نظام الحدود والقصاص، ومبادئ لنظام الصلاة والزكاة وإرشاد العمَّال والموظفين الحكوميين، وإرشادات مبدئية لإصلاح الاقتصاد الوطني، والنظام التعليمي والبنية الاجتماعية والإعلامية.

3- القضاء، فقد وفقه الله تعالى لدخول مجال القضاء العالي، ليقوم بخدماتٍ جليلةٍ أقوى وأبعد أثراً في سبيل تطبيق الشَّريعة الإسلامية، فقد كان أولَ المطالبين بإنشاء مجلسٍ خاصٍّ في المحكمة العليا يُمنح سلطة كاملة لتعديل أي قانون مضادّ للشَّريعة الإسلامية، ووجد هذا الصَّوت آذاناً مصغيةً في الأوساط الحكومية، فأصدر رئيس الجمهورية مرسوماً بإنشاء (محكمة شرعية مركزية) فوَّض إليها مسؤولية مراجعة القوانين، ومراجعة قرارات المحاكم الجنائية، ومنحها سلطات محاكمة ومعاقبة الجناة شأن أية محكمةٍ إقليميةٍ عليا. وقد شغل الشَّيخ محمَّد تقيّ منصب القضاء في المحكمة الشرعية المركزية سنة 1982م بناء على رغبة رئيس الجمهورية، وبعد مدة حولته الحكومة إلى مجلس النَّقض والتَّمييز بالقضاء العالي، ولا يزال عضواً من أعضائه إلى الآن.

4- استغلال العلاقات الشَّخصية مع ولاة الأمر في سبيل تطبيق الشَّريعة، فقد أتيح للشَّيخ أن يعيش بمقربةٍ من بعض ولاة الأمر البارزين، وعلى رأسهم الرَّئيس محمد ضياء الحق، فكانت بينهما علاقةٌ وطيدة، وكان الرئيس كثيراً ما يراجع القاضي فيما يستجدُّ من قضايا، وخصوصاً فيما يتَّصل بالأمور الشَّرعية، فكان الشَّيخ يرفع إليه آراءه في الاجتماعات العامَّة للمجلس وفي المقابلات الاجتماعية ولم يكن يزوره في خلوته، مع إلحاح الرَّئيس عليه.

ومما يلفت النَّظر أن الشَّيخ حفظه الله ضرب المثل للدَّاعية المخلص، فلم يستغلَّ هذه العلاقة الودِّية مع الرئيس لمصالحه الشخصية أو مصالح ذويه.

جهوده في تحويل الاقتصاد للإسلام:

كان للقاضي محمَّد تقيّ دورٌ بارزٌ مضيء في مجال تحويل الاقتصاد للإسلام، وتسيير المعاملات التجارية وفق الشَّريعة الإسلامية، وشملت نشاطاته الصَّعيدَين النَّظري والعملي؛ فإلى جانب دراساته النَّظرية في القانون والاقتصاد، كان يبذل جهوداً متواصلةً على النِّطاقين المحلي والدولي لوضع نظامٍ اقتصادي مؤسَّس على المبادئ الإسلامية، يساعد المسلمين في تسيير معاملاتهم وفق الأحكام الشَّرعية، ويكون وسيلةً للقضاء على النِّظام الرِّبوي.

وقد نجح في وضع نظامٍ اقتصاديٍّ متكاملٍ للكثير من الإدارات التَّمويلية والمصرفية في عدة دول، كما قدَّم خدماته في هيئات الرقابة الشَّرعية لأكثر من عشر مؤسَّسات مالية، رئيساً وعضواً، منها:

1- رئاسة مركز الاقتصاد الإسلامي في باكستان منذ عام 1991م.

2- رئاسة الهيئة الشَّرعية بالبنك السعودي الأمريكي بجُدَّة.

3- رئاسة اللجنة الشَّرعية للمؤتمر الإسلامي بمؤسَّسة (داوجونز) بنيويورك.

4- رئاسة اللجنة الشَّرعية للاستثمار الإسلامي العالمي في بنك (HSBC ) بلندن.

5- رئاسة الهيئة الشَّرعية لـ(CITY BANK ) الاستثماري الإسلامي بالبحرين.

6- عضوية هيئة الرقابة الشَّرعية لبنك الاستثمار الأوَّل في البحرين.

7- رئاسة (المجلس الشَّرعي) الذي أنشأته حديثاً هيئة المحاسبة والمراجعة المالية للمؤسَّسات الإسلامية بالبحرين.

هذا فضلاً عن الكثير من الإدارات التي تستفيد من توجيهاته، وآرائه الفقهية في أعمالها، والكثير من طلبة العلم وأهل الفتوى الذين انتفعوا بالدورات العلمية والمحاضرات والبحوث التي يقدِّمها داخل جامعة دار العلوم وخارجها.

جهوده في الدَّعوة والإرشاد:

يعطي الشَّيخ حفظه الله قسطاً وافراً من أوقاته للعناية بأمر الدَّعوة والإرشاد عنايتَه بأي واجب ديني آخر، ويتجلَّى ذلك في نشاطاته الدَّعوية واسعة النِّطاق، التي يعدُّ من أبرز جوانبها ما يلي:

- الوعظ: فقد رزقه الله حظاً وافراً من حسن البيان، وله برنامج أسبوعي للوعظ والإرشاد في جامع (بيت المكرم) بمدينة كراتشي، يشترك فيه عددٌ كبيرٌ من النَّاس، وتدور دروس الشَّيخ فيه حول الأحكام الشَّرعية العامَّة، وما يتعلَّق بها من عقيدةٍ وعبادةٍ ومعاملاتٍ وأخلاق.

بالإضافة إلى أسفاره الدَّعوية، فكثيراً ما يسافر من بلدٍ إلى بلد؛ لرغبة المسلمين في مواعظه، ومطالبتهم بحضوره إليهم.

- الإرشاد والتربية: فهو لم يمتنع عن إرشاد النَّاس وتربيتهم على طريقة ومنهج الإمام أشرف علي التهاوني الذي تلقَّاه عن مشايخه، وهناك طائفةٌ غير قليلةٍ من أهل العلم وغيرهم تستفيد منه على الدوام. ودعوته في هذا الجانب وإن كانت حلقتها ضيِّقةً، فروحها أعمق وآثارها أبعد.

جهوده في الصِّحافة:

الصِّحافة هي أفسح ميادين جهاد الشَّيخ في سبيل الدَّعوة إلى الحق، ونشر الكلمة الصَّادقة، وبثِّ الوعي بين الناس، وقد قدَّم خلال ثلاثين عاماً -كمّاً وكيفاً- عملاً لا يُتاح القيام به إلا لمن فرَّغ نفسه لأجله، وضحَّى له بجُلِّ أوقاته.

وأولى محطات الشَّيخ في ساحة الصِّحافة كانت مجلَّة (البلاغ) الشَّهرية، التي غرس نواتها بيده سنة 1976م، وحدَّد لها أهدافاً واضحة، وحمَّلها رسالةً جليلة تؤديها، من خلال رؤيته للصِّحافة على أنها أداةٌ مؤثِّرةٌ للدَّعوة إلى الفضيلة والصِّدق والأمانة، ووسيلةٌ لملاحقة ما يدور على السَّاحة الإعلامية، من كذبٍ وتشويهٍ للثَّوابت، وتزيينٍ للباطل، وأن ذلك ينبغي أن يكونَ ابتغاء وجه الله، وخدمة الإسلام، ووحدة المسلمين، فعادت (البلاغ) شجرةً وارفة الظِّلال، يانعة الثِّمار، يأوي إلى أفيائها القرَّاء، وهم يعلمون أنَّها لم تمِلْ عن جادَّتها مذ أُنشئت، وما زالت تسعى إلى الأهداف والغايات النَّبيلة التي حدَّدها لها صاحبُها أوَّل مرَّة.

وهو انطلاقاً من مبادئه التي تقيَّد بها يتناول القضايا المعاصرة داخل البلاد، وما يدور في العالم الإسلامي، وما يقع في أصقاع الكرة الأرضية، ويناقش الوقائع المستحدثة من وجهة النَّظر الفقهية مرَّة، ومن وجهات النَّظر السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتَّاريخية مرَّات أخرى، ويرحِّب بكل ما يراه موافقاً لمبادئ الإسلام وروحه، وينقد ما يراه مخالفاً لذلك نقداً صريحاً مستنداً إلى الحجج والبراهين، ويبطل الباطل بشدة في لين، ويجهر بكلمة الحقِّ بشجاعة من غير تهوُّر، ويدمغ الكذب والبهتان بقولٍ فصل من غير أن يمسَّ الشخصيات بسوء.

رحلاته:

يسَّر الله للشَّيخ أن يطوف حول الكرة الأرضية غير مرَّة، وينزل بلاداً كثيرة من حين لآخر، ومعظم هذه الرّحلات تكون للمشاركة في المؤتمرات والنَّدوات المنعقدة في شتَّى المجالات العلمية والدَّعوية، وقد استغلَّّ الشَّيخ أسفارَه لمقاصدَ علمية ودعويَّة وللاجتماع بأهل العلم، واستفاد منها وأفاد علمياً ودعوياً، كما أنَّه شاهد من كَثَب معظمَ بلاد العالم وما يدور فيها سياسياً واقتصادياً، وثقافياً، وأطلَّ عليها تاريخياً.

وقد جاد قلمُه بتسجيل مشاهداته وانطباعاته التي تضمَّنتها رحلاتُه، وأنت إذ تقرؤها فإنَّك واجدٌ فيها شعوراً إنسانياً فيَّاضاً، وأسلوباً أدبياً متيناً، وميلاً من صاحبها إلى اقتناص الأمور الغريبة، كما تشعر أن الرَّحالة لم يمتنع من أن يمتِّع ناظرَيه بمظاهر الجمال الطبيعي، وأن يزور الأمكنة التَّاريخية، والمآثر المشتهرة، وهو لا يقف على هذه الأخيرة وقوف سائح عادي، بل يقف ليسرد عليك كل ما يتعلَّق بها من الوقائع التَّاريخية، ويحيلك على المصادر الموثوقة، فمذكّراته -كما وصفها- جملةٌ من الدِّراسات الجغرافية والتاريخية، وليست مجرَّد رحلةٍ شخصيَّة.

والشَّيخ لا ينسى مع ذكر كلِّ هذه المناظر مهمَّته الأساسية وهي الدَّعوة، فيستغلُّ كل سانحةٍ لأداء هذه المَهمَّة، بل يقدِّم الدَّعوة في كثير من المواقع على البرنامج المحدّد إن رأى ما يدعو لذلك.

وقد نشر مذكّرات أسفاره في (البلاغ)، ثم جمع جزءاً منها في مجموعةٍ مستقلَّة، وطُبعت بعنوان (جهان ديده) أي العالم المشاهَد.

المناصب التي تولاها:

مع أن الشَّيخ حفظه الله يتجنب تولي المسؤوليات المتعلقة بالتَّنسيق، ونظم الإدارة، رغبةً عنها وحرصاً على توفير أوقاته للمشاغل العلمية، فقد أدَّت به الأوضاعُ إلى تولِّي جملة من المسؤوليَّات الجليلة والمناصب المحترمة في إدارات حكومية وغير حكومية، أذكر منها:

المناصب الحالية:

1- عضو مجلس النَّقض والتَّمييز الشَّرعي في المحكمة العليا بباكستان منذ سنة 1982م.

2- نائب رئيس جامعة دار العلوم بكراتشي منذ سنة 1974م.

3- عضو عامل في مجمع الفقه الإسلامي بجدة المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي.

4- عضو مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرَّمة.

5- عضو لجنة الفتوى والبحوث الأوربية في دبلن.

6- رئاسة وعضوية مؤسسات مالية كثيرة.

المناصب السَّابقة:

1- القاضي بالمحكمة الشَّرعية المركزية بين عامي 1980-1982م.

2- عضو اللجنة المنسِّقة لجامعة كراتشي بين عامي 1985-1988م.

3- عضو لجنة المشرفين للجامعة الإسلامية الدولية في إسلام أباد 1985-1989م.

4- عضو مركز الاقتصاد الإسلامي الدولي 1985-1988م.

5- عضو مجلس الفكر الإسلامي 1977-1981م.

تعريف بمؤلَّفاته:

لقد أهدى الشَّيخ محمَّد تقيّ للمكتبة الإسلامية ثروةً علميةً قيمة، تزيد على خمسين كتاباً، فيها بإذن الله نفعٌ للناس مهما اختلفت تخصُّصاتهم، وتُكسب المؤلِّف لسان صدق في الآخرين، وتكون ذخراً له يوم الدين، فجزاه الله عن المسلمين خيراً.

أما أهمُّ مؤلَّفاته فهي:

1- تكملة فتح الملهم بشرح صحيح مسلم، وهو كتاب ضخم يقع في ستة مجلَّدات.

2- بحوثٌ في قضايا فقهية معاصرة.

3- أحكام الذَّبائح.

4- ما هي النَّصرانية؟

5- علوم القرآن وأصول التَّفسير.

6- ضبط وتحقيق إعلاء السُّنن والتَّعليق عليه.

7- ما هو السَّبيل إلى تطبيق الإسلام في العصر الرَّاهن؟

8- سيدنا معاوية -رضي الله عنه- في ضوء الحقائق التَّاريخية.

9- مكانة التَّقليد في ميزان الشَّريعة.

10- تحديد النَّسل في ضوء العقل والشَّرع.

11- مكانة السَّنة النَّبوية

12- نظامنا الاقتصادي.

المرجـع:

كتاب (محمَّد تقيّ العثماني، القاضي الفقيه والدَّاعية الرَّحَّالة)، تأليف: لقمان حكيم، وهو الكتاب رقم (18) في سلسلة: (علماء ومفكرون معاصرون، لمحات من حياتهم وتعريف بمؤلفاتهم) التي تصدرها دار القلم بدمشق، الطبعة الأولى، 1423هـ - 2002م

نشرت 2009 وأعيد تنسيقها ونشرها 29/7/2019