فقيد الأزهر الشيخ محمد عبد الله دراز

للأستاذ كامل محمد حسين

انتقل إلی رحمة الله عز و جل في مدینة لاهور بباكستان یوم الاثنین 16 من جمادی‏ الآخرة سنة 1377هـ الموافق 6من ینایر سنة 1958م علم من أعلام الأزهر الأستاذ الكبیر الدكتور الشیخ محمد عبد الله درَّاز، و صلي علیه في الجامع الأزهر المعمور، وقد ألقی‏ فضیلة الأستاذ الشیخ كامل محمد حسن، وكیل كلیة اللغة العربیة كلمة الرثاء الآتیة في مشهد تشییع الجنازة بعد الصلاة علیها،قل:
بسم الله،و لا حول و لا قوة إلا بالله،و إنا لله و إنا إلیه راجعون.
لقد صدق رسول الله صلوات الله و سلامه علیه حیث یقول «إن الله لا یقبض العلم‏ انتزاعا،و لكن یقبضه بموت أهله» -بموت العلماء العالمین- و أي عالم فقدناه الیوم‏ في میدان العلم و خدمة المجتمع الإسلامی؟! إنه المثل الكامل، للعالم العامل، الذي أمده‏ الله بالعلم النافع، وتوجه بالخلق الكریم، وجمله بالأدب الوفير.
إنه فضیلة الأستاذ الكبیر الشیخ محمد عبد الله درَّاز، كان نفاعاً للعالم بأحادیثه الممتعة القیمة، كان جماعاً للقلوب، بعیداً عن مواطن العیوب، جاهد في سبیل ربه، و أخلص لله‏ في عمله، فعرف الناس قدره، و شهدوا جمیعاً بفضله.
ارتقب الناس زمانه بعد أن بلغ الله به، و تطلَّع المصلحون إلیه بعد أن أنهض الله‏ الخیر له، ولكنَّ حوادث المنون، التي تشیب وتريب، كانت وراء آماله ماثلة، وسهامها الغادرة كانت تنفذ إلی قلبه الطاهر مسرعة و عاجلة، ولو أن موت هذا العالم العظیم‏ یفتدی، لرخص والله الفداء بأموالنا و أنفسنا، ولكنها المنایا إذا نزلت، لا یدفعها مال‏ و لا نشب، و قضاء الله بالموت محتوم، وأجل الله إذا جاء لا یؤخر.
وفي الحق إننا في موقف رهیب، لا یترك للإنسان لباً، ولا یستبقي منه قلباً، وما أصعب الكلام علی المرء وقلبه مثقل بالأحزان، ونفسه مأخوذة بتصاریف الزمان.
و لو كان هماً واحداً  لاحتملته‏            و لكنه هم وثان وثالث
همٌ أصاب العالم الإسلامی بفقد عظیم دیني، و عالم اجتماعي، قضی نحبه وهو مشغول‏ بخدمة المجتمع الإسلامی، في لاهور، في الآفاق البعیدة النائیة، في مصر وفي غیر مصر یخدم الإسلام و المسلمین...!
و همٌ أصاب العلماء بفقد علم من أعلامهم، وكان المرفوع الخفاق...!
وهم ثالث أعظم! أصاب أهل الأزهر عامة، وأبناء كلیة اللغة العربیة خاصة، بانقطاع ذلك المدد العلمي الروحي الفياض، الذي كانت تستمد منه قلوبهم، وتحیا به‏ نفوسهم، فقد كان لهم الأستاذ الراحل كالماء یسوقه الله إلی الأرض الجرز فتحیا به‏ الأرض بعد موتها،و تؤتی أكلها كل حین بإذن ربها...!
إن الله الذي بیده ملكوت كل شی‏ء هو الذي عجل بخیارنا إلی لقائه، وهو وحده‏ الذي یلهمنا جمیل الصبر علی قضائه، فإلیك یا الله وحدك نتوجه، وأنت علام الغیوب، المطلع علی هذه القلوب الحزینة، الخاشعة الذلیلة الكسیرة، ونسألك أن تشمل راحلنا الكریم بعفوك و رضاك، اللهم اجعله في ولایتك وأنت ولي المؤمنین، واشمله بواسع‏ فضلك و رحمتك و أنت أرحم الراحمین، وألهم آله وأنجاله و أسرته الأزهریة و العالم‏ الإسلامي جمیل الصبر علی ما أصابهم...!
أیها الراحل الكریم...!إننا في هذا الموقف الرهیب نذكر قول الإمام علي كرم الله‏ وجهه،حین وقف علی قبر زوجه فاطمة الزهراء رضي الله عنها،یرثیها بقوله:
لكل اجتماع من خلیلین فرقة                وكل الذي دون الممات قلیل
‏ وإن افتقادی فاطما بعد أحمد                دلیل علی ألا یدوم خلیل
فسلام الله علیك حیا و میتا، وسبحانك ربنا،إلیك أنبنا، وإلیك المصیر، وإنا لله‏ وإنا إلیه راجعون...!
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
المصدر : مجلة الأزهر المجلد التاسع والعشرون رجب 1377هـ العدد السابع.