أحمد أمين لا أقول وداعاً ولكن إلى لقاء

" أحمد أمين " .. لا أقول وداعاً .. ولكن إلى لقاء ..!!

   تلقيت ببالغ الأسى والحزن والألم ، والرضا والشكر والاحتساب ، نبأ وفاة الأخ والصديق والحبيب ، رفيق الصحوة والدعوة والشباب ، الخطيب والشاعر والأديب ، والمربي النابه الحصيف ، والمصلح الاجتماعي الفريد ، والمجاهد القرآني الموهوب ، والداعية النبوي الحكيم ، والعالم الرباني الجليل ، الموقر المحبوب ، فضيلة الشيخ / أحمد أمين رمضان ، من قرية نادر ـ مركز الشهداء ـ منوفية ، بجمهورية مصر العربية .

   قال تعالى : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }  ( العنكبوت : 6 ) .

   وقال تعالى‏ : {‏إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [ ‏فاطر :‏ 28‏ ] .

   الشيخ " أحمد أمين " ـ رحمه الله ـ تخرج من كلية الزراعة جامعة المنوفية ، ثم التحق ضابطاً بالقوات المسلحة المصرية ، وكان ترتيبه الأول في مسابقة للقرآن الكريم على مستوى الجيش المصري ، وكانت جائزته الكبرى رحلة حج إلى بيت الله الحرام بالأراضي المقدسة ، أدى فيها ـ لأول مرة ـ فريضة الحج ، الركن الخامس من أركان الإسلام ، وبعد نهاية الخدمة العسكرية التحق بكلية الدعوة وأصول الدين جامعة الأزهر الشريف ؛ ليتخصص في الدعوة وعلوم الشريعة ، ثم التحق بمعهد القراءات ـ لنيل إجازة التجويد في تلاوة القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم ، بالسند المتصل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم عمل باحثاً في الشؤون الاجتماعية بالشهداء ، وتدرج في عمله حتى أصبح مديراً عاماً لإدارة الشؤون الاجتماعية بها ، ورئيساً للجنة فض المنازعات للإصلاح بين الناس ، وكان موطن ثقة الجميع ، حفيظاً على خزائن أسرارهم .

   الشيخ " أحمد أمين " ـ رحمه الله ـ عرفته في شبابه وشيخوخته محباً لدينه وعقيدته ، مجتهداً في تبليغ دعوته ورسالته ، وكان داعية وشاعراً وأديباً وخطيباً مفوهاً ، موفقاً في أسلوبه وأدائه وطريقته . وكان شعلة متقدة من النشاط والحيوية فيما يعود على الناس بالخير والنفع في دينهم ودنياهم ، وكان رمزاً من رموز المحبة والأصالة والبساطة والتواضع والإخاء والتعاون والمروءة والشهامة ، والتفاني في خدمة الحق والدين ، والعمل الصحيح للإسلام عن علم وبصيرة دون تطرف ولا مغالاة ، والفهم الوسطي المعتدل لدين الله ـ عز وجل ـ دون إفراط ولا تفريط ..!!

   قال تعالى:{ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ }( ‏الزمر‏:‏ 9 ) .

وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : (‏ ‏من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين‏ ‏‏) متفق عليه .‏

    الشيخ " أحمد أمين " ـ رحمه الله ـ تلاقينا في زيارات ولقاءات ورحلات ونشاطات متعددة ومختلفة ، كانت بناءة وهادفة ورائعة وممتعة ، ضمَّتْ نخبة ـ مشرقة ورائعة ـ من شباب الصحوة والدعوة في ذلك الحين ، تأججت معها مشاعر الحب ، وقوة الرابطة في الله ، والحرص على استثمار شبابنا المُبَكِّر في العلم والمعرفة والثقافة والحوار ، والعمل المخلص لخدمة ديننا العظيم ، بِنَفْسٍ أبية ، وروح وثَّابَةٍ قوية ، وعزيمة إيمانية زَكِيَّة ، أشرقتْ معها نفوسنا وأرواحنا بأنوار إلهية عالية ، ربما افتقرنا إليها اليوم ـ بنفس القدر ـ مع ضغوط الحياة ومسؤولياتها وملاحقاتها الظالمة ومخاوفها الجائرة .

    عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، وذكر منها : شاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه " ( متفق عليه ) .

   الشيخ " أحمد أمين " ـ رحمه الله ـ كان ذو صُحْبَةٍ لطيفة ، وأخوة نبيلة ، ومشاعر رقيقة ، وكان " إلْفَاَ مأْلُوفاً " يألف الناس كما ألفوه ، وكان يؤثرك بلقائه الودود ، وعواطفه الجياشة ، وأحضانه الدافئة ، وكان يلقاك بوجهٍ باسم مشرق ضحوك ، كما كان صاحب مَزْحَةٍ بريئة ، وطُرْفةٍ رقيقة ، رافقته ـ بِطَبْعِهِ ـ منذ مطلع شبابه ، واشتهر بها بين أهله وصحبه وخلَّانه وأقرانه ، وكانت صفاته الكريمة ، وخصاله النبيلة وسجاياه الجميلة ، ممزوجة بِخِفَّةِ دَمِهِ وروحه ، ودماثة خُلُقِهِ ، وكريم طباعه ، تلك التي أَلِفَهَا منه الجميع ، واعتادوا عليها بحب وإعجاب وارتياح وسرور وبهجة ، وظل متميزاً بكل ذلك حتى الممات .

   روى أحمد والطبراني ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " لا يجد العبد صريح الإيمان حتى يحب لله ويبغض لله ، فإذا أحب لله وأبغض لله ، فقد استحق الولاية لله "

   الشيخ " أحمد أمين " ـ رحمه الله ـ تَجَوَّلَ واعظاً وخطيباً في بعض القرى والمدن ، بدءً من قريته نادر ، وبعض قرى محافظة المنوفية ، وانتهاءً ببعض قرى مدينة السويس ، ومنها مسجد المجاهد الكبير الشيخ : حافظ سلامة ، قائد المقاومة الشعبية بمدينة السويس الباسلة ، في حرب العاشر من رمضان عام 1973مـ ، ومروراً ببعض مساجد القاهرة ، ومدينة 6 أكتوبر ، ومدينة العاشر من رمضان ، ومحافظة البحيرة ، وغير ذلك .

   قال تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } ( فصلت : 33 ) .

   الشيخ " أحمد أمين " ـ رحمه الله ـ أقر له بالفضل من تتلمذوا على يديه في " علم التجويد " وكيفية تلاوة القرآن بشكل صحيح ، وقد تتلمذ على يديه بعض من أعرف من الأخوة المجودين من أبناء الصحوة والدعوة ، ومن أصحاب الأصوات الندية الحسنة ، ممن عملوا في مجالات التعليم وحلقات التحفيظ والإمامة والدعوة في الداخل والخارج .

   قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم‏ -: (إن الله وملائكته ، وأهل السموات والأرض ، حتى النملة فى جحرها ، وحتى الحوت ، ليصلون على معلمي الناس الخير‏ ) رواه الترمذي ، وقال ‏:‏ حديث حسن صحيح‏ .‏

   الشيخ " أحمد أمين " ـ رحمه الله ـ كان حافظاً للقرآن الكريم كُلَّهِ ، بالرقم والآية والسطر والصفحة والسورة ، وهو أمر نادر ، قَلَّ حدوثه ، وفي هذا الزمن على وجه الخصوص ، وقد شُكَّلَتْ له لجنة ـ أكثر من مرة ـ من الراغبين في التأكد ؛ لاختباره في ذلك فما أخطأ أمامها مَرَّة قط ..!! 

   قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين " رواه مسلم في صحيحة .

   الشيخ " أحمد أمين " ـ رحمه الله ـ أقر له ـ أيضاً ـ المنصفون والمحبون ـ من جمهوره الكبير والغفير ـ في محافظات شتى ، بقوة جاذبيته وتأثيره في الخطابة ، تلك التي امتزجت عنده بالاستشهاد القوي بآيات الذكر الحكيم ، وبالسُّنَّة النبوية الشريفة ، وبشاعريته القوية المؤثرة ، إذْ كان " رحمه الله  " مولعاً بحب الشعر ، يحفظ الكثير من أبياته وقصائده ومنظوماته ، وكان الشعر على لسانه فياضاً كالنهر العذب ، لا تشبع منه ولا تمل ؛ لحسن عذوبته من فمه وجمال إلقائه .

   قال تعالى : {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ  دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}  ( ‏المجادلة‏ : ‏11 ) .   

   الشيخ " أحمد أمين " ـ رحمه الله ـ من المعروف بين بعض إخوانه وأصدقائه وأقرانه المقربين والمحبين الثقات ، روايتين شهيرتين لهما معنى ومدلول ، ترددتا على ألسنة مصادر عِدَّة ممن سبقت الإشارة إليهم ، وسأكتفي هنا بذكرهما دون التعليق عليهما ، إلا ما اقتضاه المقام دون تفصيل .

   الأولى : كانت وهو طالب في السنة الرابعة في " كلية الزراعة ، إذْ رأى في منامه ليلة الامتحان ، وتحديداً ( وقت السحر ) من جاءه ليخبره بجميع الأسئلة التي ستأتي غداً في الامتحان في " مادة البساتين " ، فاستيقظ من النوم وكتب الأسئلة وفق ما رآها في منامه ، وأتقن جيداً معرفة الإجابة عليها من الكتاب ، بينما لم يكن ـ في الأصل ـ مستعداً للامتحان في تلك المادة ، وهي " مادة البساتين " ، التي تُدَرَّسُ باللغة اللاتينية ، وكان أحمد كارهاً لها بسبب اللغة ، شأنه في ذلك شأن أكثر الطلبة ؛ إذْ من المعروف أن أسماء الزهور لا تُحْفَظ إلا باللغة اللاتينية ، فلما دخل الطالب " أحمد أمين " الامتحان ، وجد الأسئلة كما جاءته في منامه بنفس النص ، فأجاب عليها كاملة ، وجاء فيها من أوائل الخريجين على دفعته ..!! 

   الثانية : كانت قبل وفاة الدكتور " عبد الله شحاتة " بأسبوع ، إذْ رآه الشيخ " أحمد أمين " ـ في منامه يقول له : " يا أحمد إنني على وشك الانتهاء قريباً من تفسير القرآن الكريم وسأقدم لك منه نسخة هدية " .

   ثم رآه مرة ثانية ليلة وفاته يقول له : " يا أحمد إلى اللقاء في دار السلام ، إلى اللقاء في دار السلام ، إلى اللقاء في دار السلام ، وكررها ثلاثاً " . 

   ولم يكن " أحمد أمين " ولا غيره من أهل قريته عَلِمَ بوفاة الدكتور " عبد الله شحاتة " في القاهرة ، ثم جاءهم الخبر في اليوم التالي بوفاته ..!!

   والدكتور : عبد الله شحاتة ـ رحمه الله ـ هو أستاذ التفسير بكلية دار العلوم جامعة القاهرة ، وهو من نفس قرية الفقيد ، وله بالشيخ " أحمد أمين " صلة قرابة من ناحية والدته . 

   عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يِقُولُ : " لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلا الْمُبَشِّرَاتُ ، قَالُوا : وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ ، قَالَ : الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ " حَدِيثٌ صَحِيحٌ .

   وَرُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ سُبْحَانِهِ وَتَعَالَى : " لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " ، قَالَ : " هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُؤْمِنُ ، أَوْ تُرَى لَهُ "

   قال رسول الله ـ ‏صلى الله عليه وسلم ـ " ‏الرؤيا الحسنة من الله ، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب ، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان ، وليتفل ثلاثا ، ولا يحدث بها أحداً فإنها لن تضره " ‏. ( رواه البخاري ومسلم ) . 

   هذا هو أخي الحبيب ، وصديقي الوفي ، ورفيق الصحوة والشباب " أحمد أمين " كما عرفته شاباً وشيخاً ، وتطايرت إلى مسامعي أخباره من شرفاء الجيل ومخلصيه ، لقد كان ـ عِنْدِي وَفِيْ موازين أُخوتي ـ أشبه بريح طيبة عَبَرَتْ الحياة وهي تحمل الخير لمعارفها ومن حولها ـ في أماكن مختلفة ـ ثم رحلتْ سريعاً تاركة فيهم أثرها الطيب وذكرها المحمود ، أحسبه كذلك ولا أزكيه على الله .

   الشيخ " أحمد أمين "  ـ رحمه الله ـ توفي بعد صراع مع مرض الكبد ، لم يُثْقِل به طويلاً ، إذْ دخل في " غيبوبة الكبد " يوماً واحداً فقط قبل موته ، دون أن يكون ثقيلاً على غيره ، من زوجة أو أبناء أو أهل أو أصدقاء أو غير ذلك ، فقد كان خفيفاً في موته كما كان خفيفاً في حياته . 

   ثم أدركته المنية ، ليلة الأربعاء 5 / 1 / 2011 مـ الموافق 1 / 2 / 1432هـ ، قبل منتصف الليل ، عن عمر لم يناهز الخامسة والخمسين عاماً ، فهو من مواليد 7 / 10 / 1957 مـ ، وتحديداً بلغ عمره عند الوفاة ، ثلاثة وخمسون عاماً ، وثلاثة أشهر ، وعشرة أيام .

   وقد ترك ـ لله ـ زوجته وأبناءه الثلاثة :

   أما زوجته فهي الكريمة الفضلى : سلوى حسن جودة . 

   وأما أبناءه الثلاثة فهم كالتالي : 

   أكبرهم : " محمد " ، خريج كلية الحقوق ، ويعمل ـ حالياً ـ بالمحاماة ، ويحفظ حوالي ثلثي القرآن الكريم ، ودعائي له أن يوفقه الله في حفظ ما تبقى منه ؛ إجلالاً للقرآن ؛ وإكراماً لأبيه ، ومحمد يعتلي المنبر خطيباً بين الفينة والأخرى ، وهو بانتظار أول حفيد لأبيه وأُمِّهِ من صُلْبِه .

   وأوسطهن : ابنته الكريمة " إلهام " طالبة بالسنة السادسة " كلية الطب " . 

   وأصغرهن : ابنته الكريمة : " إحسان " نهائي الثانوية الصناعية . 

   وأما وَالِدَاهُ ، السيد : أمين فرج رمضان ، والسيدة : إحسان محمود عمر ، فقد سبقاه ـ من قبل ـ إلى لقاء الله والدار الآخرة . 

   وقد توفي اثنان من أشقائه ( رجل وامرأة ) ، وأما أشقاؤه على قيد الحياة ، فهم أربعة ، ( رجل وثلاث سيدات ) ، رحم الله أمواتهم ، وبورك في أحيائهم .

   الشيخ " أحمد أمين " ـ رحمه الله ـ إلى جانب ما أوصى به قبيل وفاته ، فقد بلغني أنه أوصى بمن يُغَسِّله ويُكفنه ، وأوصى ـ كذلك ـ بمن يصلِّي عليه ، وأيضاً أوصى بمن يدعو له على قبره .

   كما بلغني ـ أيضاً ـ أن جنازته لم تشهد " قريته نادر" مثيلاً لها من قبل ؛ إذْ شهدها جمهور غفير من إخوانه وأحبابه ومعارفه من كافة أنحاء المحافظة ومن خارجها ، ومن كافه التيارات الإسلامية والعلمية والشعبية ، وهو شرف عظيم من الحق سبحانه ، في زفافه الخاشع المهيب ، لداعية رباني ، وولي من أوليائه الصالحين ؛ إذْ يقول الإمام أحمد ، إمام أهل السُّنَّةِ " رضي الله عنه وأرضاه " : " اليوم الذي بيننا وبين أهل البدع يوم الجنائز " .

   قال تعالى : " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي " ( الفجر : 27 ـ 30 ) .

   ولكم تمنيتُ " علم الله " أن أكون في وداعه إلى أولى منازل دار البقاء ، وأن أكون مشاركاً في حمل جثمانه بيدي ، وعلى عاتقي ، إلى البرزخ ، الذي سنصير جميعاً إليه ، طال بنا العمر أو قصر ، حيث لا أنيس ولا جليس إلا العمل الصالح وحدة .

   قال تعالى : " وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ " ( الشعراء : 82 ) .

   وقال تعالى : " وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) " الشعراء: ( 87 - 89 ) . 

   ولكم أنا حزين أن لا أقرأ للفقيد نعياً واحداً في كافة المواقع الإلكترونية ، وهو من هو في العلم والفضل والدين والدعوة ، وكأنه جاهد ومات وشيع في صمت دون أن يدري به أحداً ، وهو ليس كذلك .

   ويؤسفني جداً أن المنتفعين به كانوا هم الأبْعَدَ مسافة ـ فالأَبْعَدَ ـ من قريته ومحافظته ؛ إذ هؤلاء وهؤلاء لم ينتفعوا ـ علي نحو جيد ـ بما حباه الله به من فضل في العلم والفقه والدعوة ، بينما الإقبال عليه في بعض ما ذهب إليه من القرى والمدن في المحافظات الأخرى كان قوياً ولافتاً ومُشَرِّفَاً ، " وكأن لسان حال قومه يقول ما يتردد في الأمثال المصرية والعربية المعروفة : " زَمَّار الحَيِّ لا يُطْرِبُه " ، " والشيخ البعيد سِرُّهُ باتع " ، وهذا داء عضال ، ومرض فتاك ، معروف منذ القِدَم ، ولا دواء له إلا الإخلاص لله وحده ، والتجرد الخالص للحق ، والتخلص من حظوظ النفس والذات  ..!!

   تحية شكر وتقدير وعرفان وإجلال للداعية المحب القدير الشيخ : خالد الجندي ، ولقناة " أزهري الفضائية " تلك القناة الميمونة المباركة ، التي أفردت للفقيد نعياً في شريط الأخبار المتحرك ، استمر لعدة أيام بع وفاته ، كما أفردت له مدة ساعة تقريباً في لقاء مع ولده : محمد أحمد أمين ، في برنامج " المجلس " سلط خلالها الضوء على محطات من أهم ملامح حياته في الدين والدعوة والأسرة والمجتمع ، حباً للشيخ ووفاءً منه لمعرفته به وبجهاده ، وإدراكه لفضله ومقامه الكريم .

   الشيخ " أحمد أمين " ـ رحمه الله ـ اليوم لا أقول لك وداعاً .. ولكن إلى لقاء .. وهذا ظني بربي الذي وسعت رحمته كل شيء ، " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " ( سورة الزمر : 53  ) .

   فاللهم إنك تعلم أني أُحبك ، وأُحبُّ من يحبك ، وأُحبُّ كل عمل يقربني إلى حبك ، فلا تحرمني اللهم من محبة من أحْبَبَتَ ، ولا من محبة من أُحِبُّ ، ولا تحرمني اللهم من مجاورة من أحببتَ وأحبُّ ، من أنبيائك وعلمائك وأوليائك وعبادك الصالحون .

   واجمعني اللهم بهم في مستقر رحمتك في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ؛ لنشرب جميعاً من حوض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شربة هنيئاً لا نظمأ بعدها أبداً .

   فضيلة الشيخ الجليل " أحمد أمين " طبت حياً وميتاً أيها الفقيد الغالي ، ودعائي لك بالرحمة والمغفرة والرضوان ، وأن يُنْزِلَكَ المولى ـ من الجنَّة ـ منازل الصديقين والشهداء والأبرار ،  وأن يجمعنا وإياك في جنات ونهر ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، وعزائي الخالص لأسرة الفقيد ، وعائلته ، وسائر إخوانه وأحبابه وأصدقائه ومعارفه في كل مكان ، ودعائي للجميع بالصبر والسلوان ، والرضا والشكر على كل حال ، وإن القلب ليحزن ، وإن العين لتدمع ، وإنا لفراقك يا شيخ " أحمد " لمحزونون  . 

ولا نقول إلا ما يرضي ربنا " إنا لله وإنا إليه راجعون " .

الشيخ / أحمد أمين ، تحوطه كوكبة من تلاميذه ومحبيه وهم في زهرة الصبا وريعان الشباب

نشرت 2009 وأعيد نشرها وتنسيقها 5/5/2019