الشيخ محمد صالح الزركان

محمد صالح الزركان


هو محمد صالح بن محمود الحاج جاسم الزركان. ولد في بلدة الميادين عام 1936م من أسرة إسلامية تمت بنسبها إلى سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسين بن على بن أبى طالب كرم الله وجهه وأخواله من آل الآلوسي.
ولما أتم السادسة من عمره وضعه والده عند الشيخ (الكتاب) أو (الملا) كما يسميه أبناء الميادين ليتعلم القرآن وذلك قبل دخول المدرسة. ثم حصل على شهادة الابتدائية (السرتفيكا) بعد خمس سنين. ثم انتسب إلى الكلية الشرعية الإسلامية بدمشق وحصل بعد ست سنين على شهادة القسم التجهيزي عام 1954م وكان ترتيبه الأول على زملائه. وكان قد حصل على الدراسة المتوسطة والثانوية العامة (القسم الأدبي) بواسطة الدراسة الحرة عندما كان طالباً في هذه المدرسة. ثم دخل كلية الشريعة التي افتتحت في جامعة دمشق مجدداً وقضى فيها أربع سنين حصل في نهايتها على الليسانس بتقدير ممتاز وكان ترتيبه الأول على زملائه، فارتأت عمادة الكلية إيفاده إلى كلية دار العلوم بجامعة القاهرة للحصول على شهادتي الماجستير والدكتوراه في الفلسفة الإسلامية. ولكنه قبل سفره إلى القاهرة عمل مدرساً لمادة التربية الدينية في ثانويات محافظة الحسكة لمدة عام واحد. ثم سافر إلى القاهرة وناقش رسالة الماجستير بجامعة القاهرة التي كانت بعنوان : (فخر الدين الرازي - وآراؤه الكلامية والفلسفية). ومنحته لجنة التحكيم هذه الشهادة بتقدير (ممتاز) وكانت مثار إعجاب المناقشين والباحثين وقد وصفها الدكتور (علي سامي النشار) أستاذ الفلسفة بجامعة الإسكندرية : أنة لم يسبق أن كتب أحد بحثاً مفصلاً عن الرازي كما فعل الباحث محمد صالح الزركان. وطلب منه مقابلة سيادة الرئيس جمال عبد الناصر لتهنئته فربت على كتفه قائلاً : أهنئ سورية فيك يا محمد صالح. هذا وقد كتبت الكاتبة والصحفية المصرية الدكتورة (نجاة شاهين) تعليقاً على المناقشة في العدد 83 السنة السابعة 1963 من مجلة (المجلة المصرية) تحت عنوان (الندوات الثقافية) قالت : لقد نوقشت خلال هذا الشهر نوفمبر 1963 في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة الرسالة المقدمة من السيد محمد صالح الزركان المعيد بجامعة دمشق لنيل درجة الماجستير في الفلسفة الإسلامية وقد اختار الباحث جانباً من أهم جوانب الفيلسوف الكبير فخر الدين الرازي وهو الجانب الكلامي الفلسفي ويقول الباحث : إنّ سر اختياره لهذا الجانب هو رغبته في خدمة قضيتين : أولاهما المساهمة في سد النقص الواقع في الدراسات الكلامية على وجه الخصوص وثانيهما : إلقاء الضوء على الرازي مفكراً من طراز خاص أنفق حياته في الاشتغال بعلم الكلام والفلسفة ولكنه انتهى إلى رأي معين إزاءهما وتابعت تعليقها على مدى أربعة أعمدة من المجلة. وفى سنة 1971م تولت مكتبة دار الفكر بدمشق وبيروت طبع هذا الكتاب الذي بلغ 680 صفحة. وقد صار من المراجع الهامة عن الفلسفة الإسلامية. ثم سجل أطروحة رسالة الدكتوراه في الكلية نفسها من جامعة القاهرة وكانت بعنوان (الاتجاه العقلي في المدرسة الماتريدية). وتابع البحث والدراسة فيه حتى اكتمل وهيأه للمناقشة، إلا أن يد المنون عاجلته قبل المناقشة بأشهر قلائل. فبكته الناس وكل من عرفه وقد كتب الأستاذ عبد القادر عياش في سلسلة المدن الفراتية القديمة في سورية في العدد 23 الذي كان بعنوان (الرحبة - قاعدة طريق الفرات) في الفقرة القائلة بداية حركة دراسات وتأليف مؤلفات بمنطقة الميادين ما نصه.. وهذه البداية بالنسبة إلى الميادين - الرحبة القديمة - يبدؤها المرحوم الأستاذ محمد صالح الزركان من أبناء الميادين 1936/ 1964م. بكتابة القيم (فخر الدين الرازي وآراؤه الكلامية والفلسفية) وقد نال به شهادة الماجستير من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة طبع بدار الفكر ببيروت من الحجم الكبير سنة 1971م. وليس لأحد من أبناء دير الزور رسالة ماجستير مطبوعة حتى اليوم. وتؤرخ هذه الرسالة بداية حركة فكرية في تاريخ الميادين الحديثة. إن مؤلفها وإن كان قد توفي، جدير بتهنئة أبناء الفرات له وثنائهم عليه، فلقد وضع اللبنة الأولى في أساس الدراسات العليا بمنطقة الميادين...). وصادف أن وجهت جامعة بكين في الصين وجامعة موسكو في روسيا وجامعة صوفيا في بلغاريا دعوة إلى الطلاب الأوائل في جامعة دمشق لزيارة هذه الدول والاطلاع على معالمها الثقافية والعلمية فكان محمد صالح في عداد هؤلاء الطلاب المدعوين وقد استمرت هذه الرحلة أو الزيارة شهراً ونصف الشهر ولما زاروا الصين استقبلهم الزعيمان (ماوتسى تونغ و وشوانلاي) في القصر الجمهوري ببكين في عام 1957 تشرين الأول. وعرف عنه رحمه الله الصدق التام حتى في المزاح والمحبة لجميع خلق الله وتواضعه مع الناس وخاصة أهله وأصدقاؤه والمعروف عنه التهام العلم والكتاب وهما صديقاه في الحر والبرد والليل والنهار ورثاه صديقه الشاعر عبد المنعم الرحبي بقصيدة مؤثرة ألقيت في حفل تأبينه في كلية الشريعة بجامعة دمشق كان مطلعها : أهكذا كانت الآلام توجعه يبغي الوداع ولكن لا تودعه ولما علم أستاذه الدكتور محمود قاسم عميد كلية دار العلوم بوفاته ضرب يده متأسفاً على فقد تلميذه وصديقه قائلاً : (.. كنا نعد محمد صالح رحمه الله لأمر عظيم وليكون من مفكري ودارسي الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام لا في مصر وسورية وحدهما بل للعالمين العربي والإسلامي ولكن الله اختاره إلى جواره..). وفى جامع الأزهر له قاعة باسمه تكريماً له. توفي في مقتبل الشباب عن عمر لم يتجاوز الثامنة والعشرين رحمه الله. لقد كان عفيفاً صادقاً محباً للناس نور على نور يشع وجهه وقلبه ولسانه بالنور