الشيخ مصطفى الزرقا الفقيه النابغة - فقيه العصر

مصطفى الزرقا ... الفقيه النابغة

تتابعت المصائب، وتتالت الأحزان في فقد علماء الأمة، فما كدنا نفيق بالأمس القريب من ألم الوداع وحزن الفراق لشيخنا العلامة الأديب الأستاذ علي الطنطاوي حتى حلَّت بنا نكبةٌ أخرى بوفاة الأستاذ الجليل والفقيه الكبير العلامة الشيخ مصطفى الزرقا... رحمه الله تعالى.

وكان بين الشيخين صلة وثيقة وأخوةٌ متينةٌ، ابتدأت بالدراسة في مكتب عنبر، وكلية الحقوق بدمشق، واستمرت بعد تخرجهما في حقول العلم والفقه وميادين التربية والدعوة إلى الله عز وجل.

وكم سمعتُ من أستاذنا الزرقاء من كلماتِ الثناءِ والتقدير لصديقه الوفيِّ الحفيِّ الطنطاوي، وهو يعدُّه من أبرز العلماء المعاصرين الذين أعجب بهم.

وما أكثر ما سمعت من أستاذنا الطنطاوي من مشاهد وذكريات مع الأستاذ الزرقا تنبئ عن كريم أخلاقه، ورفيع سجاياه.. وما أكثر ما كان يُشيد بعلمه وفقهه، وتفرُّده بين أقرانه بدقة الفهم وسعة الاطلاع، ويدعو الله عز وجل أن يُطيل عمره، وينفع الأمة بآثاره، وكم كانت فرحته غامرة عندما أهديته كتاب:" فتاوى مصطفى الزرقا"، الذي قمتُ بجمعه وترتيبه.

ومن لطيف ما يذكره الشيخ الطنطاوي عن صديق عمره الزرقا: أنه اختلف معه أيهما أكبر سناً من الآخر، حتى اعترف له بعد ثلاثين عاماً أنه يكبره بخمس سنوات... ثم يقول بتواضعه المعهود: ثم يقول بتواضعه المعهود: هو أكبر مني سناً وعلماً.

ولما علم الأستاذ الزرقا بوفاة الطنطاوي تأثر بفقده، وأرسل بخط يده المرتعشة فاكساً أو فقساً كما عربَّه شيخنا الزرقا ـ من فقس يفقس ـ معزياً بوفاته، قال فيه : "إلى آل فقيد الأمة الإسلامية: الأستاذ علي الطنطاوي رحمه الله: بلغني وفاة الفقيد الفقيه الأديب الكبير العلامة الشيخ علي الطنطاوي، وأنا مريض في الفراش، فأتقدَّم بالتعزية للآل الكرام، وللأمة الإسلامية، سائلاً المولى أن يعوضها وإيانا خيراً، ويجزيه أحسن الثواب. مصطفى أحمد الزرقا".

لقد ودعنا بوفاة العلامة الزرقا نمطاً فريداً من العلماء، في رجاحة العقل، وفقه النفس، ودقة الفهم، والإحاطة بعلوم الشريعة، والمعرفة بواقع العصر.

ساعده على ذلك ـ بفضل الله وتوفيقه ـ عدة أسباب: البيئة العلمية الصالحة أولاً، وتلقيه العلم عن كبار علماء الشام ثانياً، ودراسته العصرية ثالثاً، ومباشرته للتدريس والإفادة في وقت مبكر رابعاً، وإسهامه في التحقيق والتأليف خامساً، ومشاركاته الفعَّالة في المجامع الفقهية والعلمية سادساً، ونشاطاته الدعوية وجهوده الإصلاحية سابعاً.

1ـ ولد الأستاذ الزرقا بمدينة حلب سنة 1322هـ = 1904م من أبوين صالحين، ونشأ في بيئة علمية حافزة على الطلب والتحصيل، حيث تربى تحت نظر جده العلامة الكبير الشيخ محمد الزرقا ـ ت 1342هـ ـ وفي رعاية والده الفقيه الضليع الشيخ أحمد الزرقا ـ المتوفى ليلة الأربعاء 13 جمادى الآخرة 1357 ـ رحمهما الله تعالى. فنشأ في ذلك الجو العلمي النابض، وظهرت عليه ملامح النجابة والذكاء منذ طفولته.

2 ـ وساعده على ذلك النبوغ أيضاً: تلقيه العلم عن كبار علماء حلب الشهباء، ولا أعرف أحداً من المعاصرين يساويه في طبقة شيوخه الكبار الذين درس عليهم؛ ومن أبرزهم: العلامة الفقيه النحوي الشيخ: أحمد المكتبي الشافعي ـ ت 1342 ـ والشيخ: محمد الحنيفي المتوفى بجدة سنة ـ 1342 ـ وهو من أعظم شيوخه تأثيراً فيه، بالإضافة إلى والده الفقيه الكبير، وإلى العلامة المؤرخ المحدث الشيخ: محمد راغب الطباخ ـ ت 1370 ـ.

ومن أساتذته أيضاً: الشيخ أحمد الكردي ـ ت 1373 ـ أمين الفتوى بحلب ، والشيخ إبراهيم السلقيني الجد ـ ت 1367 ـ والشيخ عيسى البيانوني ـ 1362 ـ والشيخ محمد الناشد ـ ت 1362 ـ .

كما حضر في دمشق أثناء دراسته الجامعية دروس العلامة المحدث الكبير الشيخ محمد بدر الدين الحسني.

3 ـ ومن عوامل نبوغه وتفوقه أيضاً: إضافةً إلى بيئته العلمية، وشيوخه الكبار، ودراسته الشرعية العميقة، معرفته باللغة الفرنسية والعلوم العصرية، حيث ألحقه والده وهو دون سنِّ العاشرة بمدرسة الفرير، وتلقى فيها مبادئ اللغة الفرنسية.. ثم تابع بجهوده الشخصية دراسته العصرية، فنال شهادة الكالوريا الأولى في شعبة ـ العلوم والآداب ـ وحصل على الدرجة الأولى على طلاب سورية جميعهم، ثم توجَّه إلى دمشق سنة 1929م لمتابعة دراسته العصرية، ونال البكالوريا الثانية في شعبة ـ الرياضيات والفلسفةـ وأحرز الأولية أيضاً، والتحق بعد إحرازه البكالوريا الثانية بالجامعة السورية، ودرس في كليتي الحقوق والآداب العليا، وتخرج من الكليتين، وأحرز الدرجة الأولى، ومن أساتذته في تلك المرحلة: الشيخ عبد القادر المبارك، وعبد القادر المغربي، وسليم الجندي، وشاعر الشام شفيق جبري،... ولما انتهى من دراسته الجامعية كتب قصيدة بعنوان:" وداع حياة الطلب" في 34 بيتاً، عبر فيها عما قاساه من مشقة الدراسة، افتتحها بقوله:

نِعْم ما نوَّلتني من أربي فوداعاً يا حياة الطلب.

وتُظهر هذه القصيدة ما تتطلع إليه نفسه الطموح من مستقبل علمي زاهر، وما يتحلى به من همة عاليةٍ، وصبر وعزم لتحقيق ما يصبو إليه، فيقول مخاطباً نفسه:

وادَّرع بالــصـبر في طـول الطريق فـهـو في درب العُلا خـير رفـيـق

إن مُرَّ الصبر يغدو كالـرحــيــق حين تحظـى بــبــلــوغ الأرب.

4ـ ومن عوامل نبوغه وتفوقه كذلك: مباشرته للتدريس في وقت مبكر، حيث تولى التدريس مكان والده في المدارس التي كان يدرس فيها، في المدرسة الخسروية والشعبانية، كما تولى القيام بالدرس الذي كان لوالده في الجامع الأموي بحلب، وجامع الخير، ولذلك درس الكثير من الطلبة الذين هم أكبر منه سناً، وألحق الأحفاد بالأجداد.

ولم يقتصر نفعه وتأثيره في محيط بلده، بل عم نفعه الكثير من البلاد والعباد، فانتقل إلى دمشق للتدريس في كلية الحقوق عام 1944م، وبقي فيها أستاذاً للحقوق المدنية والشريعة، حتى بلوغه سن التقاعد في آخر عام 1966م ، كما درس في كلية الشريعة بدمشق بعد إنشائها سنة 1954م، ودرس في معهد الدراسات العربية العالية، التابع لجامة الدول العربية بالقاهرة، ثم درس في كلية الشريعة في الجامعة الأردنية عام 1971م، وظل بها حتى عام 1989م، وتخرج على يديه، وتربى على منهجه العلمي نخبة من كبار العلماء، الذين تبوؤا أرفع المناصب العلمية، والذين يُكنون له كل محبةٍ وتقدير ووفاء.

5 ـ ومن عوامل نبوغه وتفوقه أيضاً: إسهامه في التأليف والتحقيق منذ وقت مبكر من عمره، ساعده على ذلك: ثقافته اللغوية والأدبية الراقية، وعلومه الشرعية الواسعة، إضافة إلى تشجيع شيخه العلامة المؤرخ الشيخ: محمد راغب الطباخ.. ومن أوائل أعماله العلمية: تحقيقه لكتاب:" المذكر والمؤنث" للفراء المتوفى سنة ـ 207 ـ وكتاب:" مختصر الوجوه في اللغة" للخوارزمي، وقد طبعا بحلب سنة 1345هـ، وكانت سنُّه آنذاك ثلاثاً وعشرين سنة.

وعندما عُين الشيخ الزرقا أستاذاً لتدريس الحقوق المدنية والشريعة الإسلامية، عرض الفقه بأسلوب عصري جديد، ساعده على ذلك ذخيرته من الدراسة القانونية وبحوثها ومناهجها ونظرياتها، فقرَّب الفقه، وحلَّ عقده، وأسلس قياده لطلاب الجامعة الذين ليس لديهم خلفية علمية تؤهلهم لاستيعاب قضاياه.

وقد وفقه الله لإخراج سلسلتين من المؤلفات: أولاهما: السلسلة الفقهية، وعنوانها العام:" الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد"، وقد بلغت أجزاؤها أربعة مجلدات: الجزء الأول والثاني: " المدخل الفقهي العام" والجزء الثالث:" المدخل إلى نظرية الالتزام العامة في الفقه الإسلامي"، والجزء الرابع:" العقود المسماة في الفقه الإسلامي : عقد البيع".

وأما السلسلة الثانية: فتتألف من ثلاث مجلدات في:" شرح القانون المدني السوري". وقد حوت هذه السلسلة مقارنات كثيرة بالفقه، وأبرزت بوضوح ما يتميز به الفقه الإسلامي من إحاطة ودقة وشمول.

ومن أواخر ما صدر للشيخ رحمه الله تعالى:" فتاوى مصطفى الزرقا"، التي جمعتها من عدد من الدوريات، وما اجتمع لدى الشيخ من إجابات على أسئلة يُسأل عنها، فقمت بترتيبها والعناية بها، وكتابة مبحث عن منهجه في الفتوى، كما قدَّم لها الدكتور القرضاوي ـ حفظه الله ـ بمقدمة ممتعه.. وقد لقي هذا العمل استحساناً وثناءً من جلة أهل العلم والفضل، والحمد لله على فضله وتوفيقه، وسيتبعه ـ بعون الله ـ بحوثه الفقهية، ومقالاته العلمية والأدبية.

ولم تقتصر مؤلفات الشيخ على الجوانب الفقهية والقانونية، بل كانت له مشاركات لغوية وأدبية شعرية، وقد تميز الشيخ بمواهبه الأدبية ومَلَكته الشعرية منذ صغره، وأُولع بحفظ طائفة كبيرة من أصليه... وقد جمع كثيراً من شعره في ديوانه " قوس قزح " وقدَّم لكل قصيدة بمقدمة يذكر فيها المناسبة التي قيلت فيها، ولم يطغ الشعر على قريحة الأستاذ الزرقا، ولم يستحوذ على اهتماماته العلمية إلا بمقدار، ذلك أن الفقه الإسلامي، وبحوثه المتشعبة، ومسائله الشائكة، ونوازله المستجدة المعقدة، كان يحتل بؤرة شعوره، ويملأ بياض أيامه وسواد لياليه، كما عبر عن ذلك في قصيدته لصديقه الشاعر إبراهيم العظم:

أخذ التفـقه من فؤادي شِعرَه نغماً ألذَّ لديَّ من قطر الندى

وأعاضـني بثقافة الحق الذي نادى الإلـه بحـكمه وتوعدا

لا تبغ منـي أن أجيب فإنني مهما جريت وجدتني دون المدا

دم في فضائلك العلا متفرداً مني الطروب ومنك غريد شدا

6 ـ ومن عوامل نبوغ الشيخ وتفوقه إضافة إلى كل ما ذكرته من أسباب يسَّرها الله عز وجل له ووفقه إليها: مشاركاته الفعَّالة في المجامع الفقهية والعلمية، وإدارته لكثير من المشاريع العلمية، فهو من أوائل الذين دعوا إلى إنشاء الموسوعة الفقهية، عندما كان مدرساً في كلية الشريعة، واختار للبدء بهذا المشروع كتاب :" المحلى" لابن حزم، وقد قام بهذا العمل الدقيق الأستاذ الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى، وصدر كتاب:" معجم الفقه الظاهري مستخلصاً من" المحلى" في مجلدين.

ثم اختارته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت سنة 1966 خبيراً للموسوعة الفقهية، وبقي في الكويت خمس سنوات قائماً بهذه المهمة خير قيام، حيث أنجز من مشروع:" الموسوعة الفقهية" ـ 51 موضوعاً موسوعياً محرراً على المذاهب الفقهية الثمانية ـ ،ومعجماً للفقه الحنبلي يقع في 1142 صفحة مرتَّباً ترتيباً هجائياً بإشرافه.

كما اختارته رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة عضواً في المجمع الفقهي منذ إنشائه عام 1398 هـ، وقدم للمجمع عدة دراسات فقهية معاصرة.

وله مشاركات علمية أخرى، منها: مشاركته في وضع مشروع قانون الأحوال الشخصية السوري عام 1372، ورئاسته لجنة مشروع القانون الموحد للأحوال الشخصية لمصر وسوريا خلال وحدتهما( 1958ـ 1961 ) وقد قام الأستاذ الزرقا بنشر هذا المشروع، وقدَّم له، وصدر عن دار القلم بدمشق. 

كما شارك في تأسيس وتطوير مناهج عدد من الجامعات، وشارك في كثير من المؤتمرات.

وقد منح الأستاذ مصطفى الزرقاء جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية عام 1404، وذلك تقديراً لإسهاماته المميزة في مجال الدراسات الفقهية، ومشاركاته الجادة في المؤتمرات الفقهية والإسلامية.

7ـ ومن عوامل نبوغه: كثرة أسفاره وتعدد رحلاته العلمية في آفاق الأرض، مما وسَّع مداركه وآفاقه العلمية، وعمق معرفته بواقع الناس وأحوال العصر، وغرس في نفسه روح الاستقلال الفكري، وهو يصور نفسيته الأبية الطموح بهذه الأبيات الجميلةالتي أنشدها عند تخرجه من الجامعة:

إيهِ أصبحت طليقاً طائري فارْمِ ذا الجو بصقر صاقرِ

ثم حلِّق واكتشف وغامر وَرِدِ الأنهار حرَّ المشرب

عِشْ طليقاً في رُبى المستقبل واغتنم كل ربيع مقبل

واحذر الأقفاص لا تستجمل قفصاً يوماً ولو من ذهب

تلك نفسي طائراً صورتها إلى أوج الـعـلا طـيرتها

وبـنور العلم قد نورتها فبدت في أفقه كالكوكب

8 ـ ومن عوامل نبوغه: مشاركته في الدعوة الإسلامية، وتعرفه على أعلامها في كل قطر، وتعاونه مع العاملين للإسلام، وجهوده الإصلاحية في مشروع توحيد المدارس الوقفية ورفع مستوى الدراسة الشرعية، التي قام بها في بواكير شبابه في مدينة حلب مع بعض فضلاء شيوخه... وقد لقي العنت من المناوئين لفكره الإصلاحي، مما أورثه ضيقاً نفسياً شديداً، وصفه بتلك الأبيات المعبرة عما يلقاه المصلحون النابغون من أذى وإرجاف:

نبوغ النابـغـين إلى اختنـــاق وكل مبرز هدف لطعن

يبيـت لـديـغ بهتان وحـــــــقد ويمشي بين حسَّاد وضغن

جزاء المصـلـحين مزيد بغـــض وإيذاءٌ بألـوان الـتـجنِّي

فذا صنم مـن الأشخاص يمشي وذا صنم من الأحجار مبني

وامتدت جهوده الإصلاحية والدعوية إلى ميادين العمل السياسي، فانتخب نائباً عن مدينة حلب في المجلس النيابي مرتين، وشكل مع مجموعة من الإسلاميين في مجلس النواب:" الجبهة الإسلامية" كما استلم منصب وزارتي العدل والأوقاف مرتين ، سنة 1956و 1961، ولم تشغله أعماله السياسية في النيابة والوزارة عن التدريس الجامعي، وعمله العلمي، بل نمت مواهبه، وزادت من معرفته وأغنته بالتجربة والخبرة.

ولم ينقطع الشيخ عن العلم دراسة وتأصيلاً ومتابعة خلال عمره المديد، وقد أقام منذ سنة 1410 بالرياض مستشاراً فقهياً في شركة الراجحي، وكان الشيخ يؤثر العمل والوظيفة رغم أعراض الشيخوخة وتوارد الأمراض عليه، التي كان يتغلب عليها بالعلم، ويتسلى عنها بالبحث والدراسة، فكانت تعرض عليه القضايا المالية الشائكة، فيبدي فيها رأيه الحصيف، ويقول فيها قوله الفصل، وكان من آثر الإخوة لدين في تلك المرحلة الذين لازموه واستفادوا من علمه ومنهجه الدكتور علي أحمد الندوي من تلاميذ مولانا العلامة السيد أبي الحسن الندوي حفظه الله ورعاه.

وقد تكررت لقاءاتي بالشيخ في حلب وعمان ومكة وجدة والرياض، ولاسيما في المجالس التي كان يزور فيها منزل الأستاذ الباحث محمد بن عبد الله الرشيد، ويجتمع فيها ثلة من أهل الفكر والعلم...

وكانت آخر زيارة له في الرياض يوم الخميس 27/محرم 1420 بصحبة الأخ الأستاذ سلمان بن عبد الفتاح أبو غدة، وكان حاضر الذهن، قوي الذاكرة، يحل قضايا الفقه الشائكة، ومسائله المعقدة، وقد بقي ممتعاً بجوارحه وحواسه ومداركه إلى يوم وفاته، وقد قارب المائة من عمره، وبقي مهتماً بقضايا الفقه ومباحثه، حاملاً لأمانة العلم والدين. وقد حدثني ابنه الفاضل الدكتور: أنس، أنه قُبيل وفاته بساعتين، عُرضت عليه مسألة علمية تتعلق بالمعاملات المالية، وسئل عن دليلها، فاستخرج لها من القواعد الفقهية ما يدلل عليها.. وبقي بعد انصراف المستفتين يضيف إلى الفتوى وينقح فيها حتى وافته المنية بعد أذان صلاة العصر يوم السبت 19ربيع الأول 1420.

رحم الله شيخنا الجليل، وأخلف على الأمة بفقدان أهل العلم وموت أعلامه.. لاسيما في هذه المرحلة التي تتابع فيها موت العلماء الأعلام، فقد فقدنا منذ أيام الشيخ مناع القطان، الذي توفي في الرياض يوم الأحد 5 ربيع الثاني، والعلامة المفسر الفقيه الشيخ محمد عطية سالم الذي توفي في المدينة المنورة يوم الاثنين 6ربيع الثاني 1420، ولا حول ولا قوة إلا بالله وإنا إليه راجعون.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم